العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ

أميركا و«إسرائيل»... وجه واحد لعملة واحدة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

قبل سنوات كنا نسمع أن «إسرائيل» وأميركا وجهان لعملة واحدة، وعندما أصبحت أميركا جاثمة على صدورنا في العراق ولم تعد نواياها خفية وأظهرت غطرستها واستعلاءها المقيت أدركنا عندها أن أميركا و«إسرائيل» لم تعودا وجهين لعملة واحدة بل أصبحتا تمثلان وبكل وضوح الوجه ذاته.

أميركا لم تترك أية وسيلة - مهما كانت - إلا وفعلتها كي تبرر احتلالها للعراق ولم تترك أية وسيلة إلا وفعلتها لكي تحتل العراق، ومازالت تمارس أبشع الوسائل مع أبناء العراق.

خرجت على قوانين الأمم المتحدة، واستخدمت أسلحة الدمار الشامل، ونحرت حقوق الإنسان، في غوانتنامو وأبوغريب وفي سجونها السوداء هنا وهناك، ولم تنس كذلك أن تنحر الديمقراطية الزائفة التي نادت ومازالت تنادي بها والتي مازال رئيسها يدعي تحقيقها في العراق وأفغانستان.

الديمقراطية تحققت في العراق وأصبحت نموذجاً يجب احتذاؤه من كل دول المنطقة كي ينعم أبناء هذه الدول بديمقراطية تماثل ديمقراطية العراقيين، هكذا يقول بوش. إخواننا في العراق ينعمون بديمقراطية العصا والسحل والتعذيب كما يتمتعون أيضاً بديمقراطية تشويه الأعضاء، وفوق هذا كله ديمقراطية امتهان الكرامة الآدمية للرجال والنساء على حد سواء.

هذه الديمقراطية نشرتها قبل سنة وكالات الأنباء والقنوات الفضائية، ومازالت تنشرها حتى الآن فضائيات أخرى تساند حكوماتها الولايات المتحدة... ومن يشاهد الصور التي نشرت يؤمن بالجهد الرائع الذي حققته أميركا في العراق ومازالت تحرص على تحقيقه بالكيفية ذاتها!

أما في غوانتنامو فيكفي أن ترى كيف يؤخذ الأسير ماشياً على قدميه ثم يعود محمولاً فوق الأعناق، لتعرف كيف كانت الديمقراطية ومعها أختها (حقوق الإنسان) هما الماثلتان أمام المحققين الذين كانوا يقومون بكل هذه الأعمال بتأييد من رؤسائهم وبكامل معرفتهم.

الذي يستمع إلى الخطاب الأسبوعي للرئيس الأميركي ومنذ فترة طويلة يخرج بانطباع واحد، هو أن هذا الرئيس أوقف حياته على محاربة الإرهاب وعلى العمل على جعل الديمقراطية هي السائدة في الشرق الأوسط.

بطبيعة الحال لا نعرف كيف يفهم الرئيس الديمقراطية ولا كيف يفهم الإرهاب، لكننا نستطيع أن نستنتج هذا من سلوكه مع دول الشرق الأوسط - بحسب تعبيره - فمثلاً عندما فازت حماس في الانتخابات التشريعية وبطريقة ديمقراطية ثارت ثائرة الرئيس الديمقراطي وتوعد حماس بأشد العقوبات... هو ومن على شاكلته، لأنه يكره حماس وبرنامجها المعتمد على المقاومة حتى تحقيق قيام الدولة الفلسطينية. ومن هنا فهو لا يريد هذا النوع من الديمقراطية لأنه لا يتفق مع فهمه للديمقراطية، أو فنلقل: إنه يريد ديمقراطية تُفصّل له بالمقياس الذي يعجبه.

حماس - بحسب فهمه - منظمة إرهابية، وكل ذنبها أنها تدافع عن أبناء فلسطين وتقاوم المحتل الغاصب الذي يقتل ويدمر كل يوم.

إذاً المقتول الضعيف إرهابي والمحتل القوي القاتل هو الديمقراطي الذي يمارس ديمقراطيته على الضعفاء.

اليهود الصهاينة مارسوا - ومازالوا - اللعبة ذاتها، فهم ديمقراطيون حتى النخاع، وعدم اعترافهم بفوز حماس لا يخالف قواعد الديمقراطية، بل إن الأموال التي تملكها السلطة الفلسطينية - أياً كانت - وهي أموال الضرائب المستحقة للفلسطينيين ستصبح ملكاً للصهاينة إذا لم تعترف «حماس» بهم وبالطريقة التي تعجبهم.

بمعنى أوضح: الصهاينة سيسرقون - وأمام العالم كله - أموالاً ليست لهم لأن حماس وصلت إلى السلطة بطريقة ديمقراطية لا تناسب أهواءهم.

أما حقوق الإنسان الفلسطيني فهي تمارس على الطريقة الأميركية في غوانتنامو وأبوغريب وأمثالهما.

الصهاينة يقتلون باستمرار وبأبشع الوسائل كل ناشط فلسطيني ولا يكتفون بكل هذا - على سوئه - لكنهم يهدمون المنازل ويجرفون المزارع ويحتلون الأراضي بعد طرد أصحابها. أما سجونهم فمليئة بالشباب ومن دون تهم أو محاكمة.

يفعلون هذا كله ويدّعون أنهم يمارسون حقوقهم والويل كل الويل لمن ينتقدهم...

الإرهابيون وحدهم هم الفلسطينيون وكلّ ذنبهم أنهم يقاومون الاحتلال بطرق بدائية لا يملكون سواها.

هذه هي الديمقراطية التي يتحدث عنها الأميركان والصهاينة بكل وقاحة وكأنهم يعتقدون أن العالم يصدق هذه المزاعم الكاذبة.

آخر ديمقراطيات الرئيس الأميركي تأييده الرسوم المسيئة إلى الرسول عليه السلام، ومطالبته بعدم مقاطعة الدنمارك، لأن هذه الدولة تمارس حريتها الصحافية، وهذه الحرية مقدسة عند الرئيس! صحيح أنه طالب بعدم الإساءة إلى رموز المسلمين، لكنني أعجب كيف تتفق هذه المطالبة مع تأييده لتلك الحرية المزعومة؟

ليته كان صادقاً في مزاعمه - على أن المسلمين لن يقبلوا الإساءة إلى رسولهم مهما كانت الأسباب - لكنه كان كاذباً، والدليل محاربته العنيفة لكل الصحافيين الذين كشفوا جرائمه في العراق؛ قتل البعض وهدد البعض الآخر... بل إن بعض الصحافيين الأميركان لم يسلموا من هذا التهديد، فأين الحرية الصحافية من هذا كله؟!

لماذا تغلق قناة «المنار» في دول أوروبية وتهدد قناة «اقرأ» بالإغلاق والرئيس صامت لا يتحدث عن الحريات الصحافية، بل إن هذه القنوات في طريقها إلى الإغلاق في أميركا.

لماذا تثور ثائرة اليهود والأميركان عند الحديث عن المحرقة أو الإساءة إلى السامية؟ أين الحرية الإعلامية؟ ولماذا لا تبرز في هذه المواضع؟!

على أية حال، لعلّ الذين يصدقون مزاعم الأميركان في الديمقراطية التي يريدونها في الشرق الأوسط يفتحون عيونهم جيداً على هذه المزاعم الكاذبة، ولعلّ الذين يتخيلون أن أميركا حريصة على حقوق الإنسان العربي يكتشفون كم هم واهمون...

أميركا و«إسرائيل» وجه واحد لعملة واحدة، والحق الذي نريده يجب أن نعمل على تحقيقه نحن دون سوانا

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً