العدد 1336 - الأربعاء 03 مايو 2006م الموافق 04 ربيع الثاني 1427هـ

فتاوى الرجال للمترشحات

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لم يعد يخفى على المراقب المراوغة التي تستبطنها أحاديث التمني لتمكين النساء سياسياً وإيصال ولو مترشحة واحدة إلى المجلس البلدي أو النيابي، فثمة تردد وثمة جعجعة تكشفها خرائط الواقع التي أميط اللثام عن حقيقتها، سواء فيما عبّرت عنه متون التصريحات أو تخفّى بين سطور بعض الكتابات، ففي هذه وتلك مؤشرات والتباسات دالة يستشف منها المراوغة والتردد وعدم الثبات، فالجميع كما يدعي يدعم المرأة ويحترمها ويطالب بتمكينها، والجميع قاض ويقرر وضع المعايير الممكنة والتعجيزية ويطالب المترشحات بالتوافر على الكفاءة والاقتدار، لكي تتعطف الجمعيات السياسية والدينية وغيرها بتبني هذه أو الاعتراف بتلك وإسنادها في حملتها الانتخابية. لذلك، فما بين الشعار والموقف، كمن يؤذن في خرابة، كمن ينفخ في جرب مثقوب!

ففي استطلاع للآراء والمواقف التي نشرها أحد المحررين في احدى الصحف المحلية حديثاً، نضل الطريق ويتبين للمراقب منا بأن العناوين المعنية بالمرأة ونشاطها السياسي متضخمة وترزح تحت وطأة المراوغة وازدواجية الخطب. ينقل عن الناطق الرسمي للمجلس العلمائي: «بأن المجلس العلمائي لا يرى مانعاً من ترشيح المرأة في الانتخابات البرلمانية، ولو وجد في البحرينية الكفاءة فلن يتردد في دعمها والوقوف معها للحصول على حقوقها السياسية بغض النظر عن موقف المشاركة أو المقاطعة». على الأرجح أن التصريح جاء على خلفية ما تداولته الصحافة المحلية ومنها (الوسط: في 10 مارس/ آذار الماضي) لكلمة رئيس المجلس العلمائي في إحدى المناسبات الدينية، والتي أربكت بحق الوسط النسائي الذي يعتمد مرجعيته، ذكر فيها: «أن الأولوية تفرض أن تجد المرأة شرف المكانة العالية في مجالات أخرى كالتخصصات الفقهية، وأن تحقيق الاكتفاء داخل صفوف النساء في التعليم الديني وتخريج المبلغات من المستوى المتقدم والكتابة والبحث هو مطلب نسعى لتحقيقه، وتساءل هل للمرأة المسلمة في ظروف الحشمة والتعامل الإسلامي مع الرجل أن تشعر بالنقص والتخلف إذا لم تتقلد منصباً سياسياً؟». تباعاً، نشر تصريح في الصحافة من قبل أحد أعضاء «جمعية الوفاق» «الوسط» في 14 مارس / آذار الماضي، يضع فيه النقاط على الحروف بشأن الفتوى المثيرة للجدل التي تدعو المرأة المسلمة إلى الاكتفاء بالنشاط الإرشادي والتبليغي وعدم حاجتها إلى ممارسة النشاط السياسي، فيقول: «إن المرأة الوفاقية لن تشارك في الانتخابات البلدية المقبلة نظراً إلى عدة أسباب، فيما أوكل مشاركتها في الحياة النيابية إذا ما قررت الوفاق المشاركة ستعتمد بدرجة كبيرة على توافر عنصر الكفاءة إلى جانب مدى حظوظها في كسب الدوائر... الخ».أليس الموقف والرأي هنا، رجع صدى لما سبق الإفتاء به؟! في السياق، المثير أنه وبعد اللغط والجدل الذي دار حول حصر نشاط المرأة في التبليغ والإرشاد، أن يستدرك الناطق الرسمي للمجلس العلمائي الأمر لاحقاً ويصرح لاحدى الصحف المحلية: «إن المجلس العلمائي لا يرى أية غضاضة في مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والبرلمانية» نقطة على السطر، بمعنى، التغاضي عما أعلن سابقاً من رئيس المجلس، وعما أشار إليه الناطق نفسه بشأن اشتراط الكفاءة!

الحقائق التي يشير إليها المحرر المذكور في متن خبريته التحليلية تعطي دلالة فاقعة ومفجعة عما يختمر في الصدور تجاه إعاقة مشاركة المرأة في الانتخابات، فتأكيد الحجج والمبررات كما نراها كمراقبين ذات صلة بسلوك وصاية وذهنية أبوية تعبّر عن سيادة مفاهيم التسلط والدعوة لامتثال المرأة وطاعتها وعدم خروجها عن مسار ما يقرره لها الآخرون. المحرر المذكور يؤكد ونحن معه أن الموقف النهائي محكوم بموقف المجتمع وثقافته ورؤيته للمرأة فيما يتعلق بحشد الأصوات الانتخابية، ونضيف، أن الثقافة السائدة تنمي الأنماط السلوكية التقليدية والمواقف التي تحكم علاقة المرأة بذاتها وبمجتمعها، وهي - الثقافة - إن حبذت ورجحت تبعية المرأة وامتثالها للرجل والمرجعية (وهي كذلك من أسف)، فلا مجال إلا أن تجهد بكل المتاح لها من أدوات ووسائل لتحقيق أغراضها.

المحرر يشير إلى إشكالات «إن صح وجودها فهي فعلاً مصيبة» في تقارير بعض الصحف المحلية، فهي تشير كما يذكر إلى أن «غالبية منتسبي الجمعية من الرجال الذين يتوافرون على مكانة اجتماعية وإمكانات لا يمكن إزاحة بعضهم من أجل إحلال امرأة بديل، وأنهم لا يمتلكون وجوهاً نسائية بارزة يمكن المراهنة عليها»، لاحظوا التبرير والمصالح والموقف من المرأة التي نبحث عن ردة فعلها تجاه ما قيل. وعند مقاربة ذلك بتصريحات وردت من بعض رؤساء الجمعيات السياسية والدينية، سنكتشف واقع المشكلة التي تدور في حلقة مفرغة تعكس المراوغة والتردد تجاه المشاركة السياسية للمرأة في مجتمعنا، فممثل الأصالة يتحفظ على مسألة تمكين المرأة، ويفتي بميله إلى عدم جواز تولي المرأة الولاية العامة ولا دخولها البرلمان، ورئيس جمعية الشورى يشترط في المرأة التي سيدعمها التحلي بلباس الحشمة والرزانة لأنها ستختلط بالرجال وألا تنشغل بالموضة»، فيما يتقاطع معه في الرأي «الشيخ أحمد علي حميد» في اشتراطاته: أن تكون محتشمة ووقورة متمتعة بالقيم الإسلامية وألا تكون كاسية وعارية متعطرة ظاهرة الزينة»، ليقترب منهم إلى حد التطابق «الشيخ صلاح الزياني» فيقول: «المرأة لا تشجع على دخول المعترك السياسي، لأن المرأة قارورة ومن صفات القارورة سريعة الانكسار، فالمحل الصالح والنظيف هو بيتها فإذا ما خالفت أمر ربها ودخلت المجالس النيابية والبلدية فإنها ترتكب عدة محظورات منها الاختلاط بالرجال وهو من آفات العصر...»! حسناً، ماذا بعد؟ يبدو أن كل من ينكر الأثر السلبي والمعوق لهذه المواقف والآراء تجاه المرأة لا محال يراوغ ذاته وينافقها قبل الآخرين!

لهذا وذاك يحق لنا الإشارة إلى أمرين:

الأول: أن تلك الآراء والملابسات والتأويلات والتفسيرات ما هي إلا استخفاف بالمرأة كمواطنة، وتمارس وصاية وضغطاً محسوساً لترسيخ تبعية البحرينيات وطاعتهن وامتثالهن للأمر الواقع وتحت مظلة منظومة متكاملة شديدة التعقيد من الفتاوى والخطب والأطروحات والتعليلات والسرديات في إطار الحلال والحرام وبأسلوب تلقيني آمر وناه لكل شاردة وواردة، فلا اعتراف بإنجازات النساء وكفاءاتهن، إذ لم نسمع إلى الآن من تلفظ منهم باسم بحرينية اعترف لها بالكفاءة والقدرة المتميزة والمستوى التعليمي والثقافي، وهذا ما يستدعي سؤالهم، هل عقمت (من عقم) البحرين عن ولادة النساء القديرات والكفؤات؟ هل كل الرجال المدعومين أكفاء ومقتدرون؟ ما معايير الكفاءة والاقتدار؟ من يجوز له الحكم والتقييم للنساء المترشحات؟

الثاني: إن مراوغة التصريحات الآنفة لا يقتصر على مشاركة المرأة في الانتخابات إنما يشمل غالبية مناحي اتصالها بالشأن العام، وهو موقف لا يمكن تأويله إلا بالمنطق الخاص به الذي يخضع كل القضايا للمطلقات والأحكام المسبقة. وهذا ما عبر عنه بفصاحة مصطفى حجازي «بتصريف» في (كتاب باحثات عدد 9، ص 576): «إن كيان المرأة تعرض للهدر في مجتمعاتنا فيما يتعلق بالحقوق والحرية والمشاركة في الشأن العام والمساواة بالرجل، ومن مظاهر الهدر، ما تعبّر عنه الأصوليات الدينية، التي تدفع المرأة بقبول الدور الذي يفرض عليها ورضوخها إليه حتى يتم الاعتراف بها وتتعزز مكانتها. الاعتراف شرطه أن تكون أداة للرجل أو العائلة أو الجماعة أو القبيلة، فضلاً عن الاعتراف لها بالحقوق إذا ما خضعت للانقياد والتبعية على مستوى الحاجات أو الرغبات والسلوكات والتوجهات، وهذا نقيض للإرادة الحرة والمرجعية الذاتية التي تشكل دافعاً قوياً للانجاز، إن غالبية من النساء قد تماهت مع هذا الواقع بسبب القلق من النبذ والعقاب والتهديد إيثاراً للسلامة، وهذا ما يجعل المرأة في مجتمعاتنا دفاعية استجابية بدلاً من انطلاقها بكامل طاقاتها الفكرية والجسدية والوجدانية»!

ختاماً، «حجازي» لا ريب محق، والدليل عدم تقدم أية مترشحة للجمعيات السياسية والدينية، حسبما ورد في تصريحات أكثرهن في الخبر المشار إليه سابقاً، ما يعني برأينا شيوع الخوف، والقلق، من عدم الرضا والمساندة، التي تحددها مستويات التبعية والطاعة والامتثال، وعدم احترام شخصية المرأة وتفوقها

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1336 - الأربعاء 03 مايو 2006م الموافق 04 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً