العدد 1355 - الإثنين 22 مايو 2006م الموافق 23 ربيع الثاني 1427هـ

الجزائر تدخل مرحلة الاختبارات... والمناورات

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

بدأت الأزمة تتفاعل بصمت، منذ أشهر داخل السلطة في الجزائر بالبروز للعلن. فالهجمات القائمة حالياً ضد رئيس الوزراء أحمد أويحيى، رجل المؤسسة العسكرية، والتي قد تؤدي لاستقالة حكومته، ليست إلا قمة جبل الجليد.

قبل أسبوع من تقديم رئيس الوزراء لجردة الحساب السنوية للسلطة التنفيذية، عمد عبدالعزيز بلخادم، الأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني الجزائرية» والممثل الشخصي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى إعطاء الضوء الأخضر لفتح المعركة معها. ففي المقر الرئيسي للحزب عقد مؤتمر صحافي، أعلن بلخادم فيه أن هذا الأخير «يريد وضع الحكومة تحت مراقبة رئيس الجمهورية». ويأتي هذا السهم الموجه في إطار إنهاء اللجنة «المكلفة» بمراجعة الدستور لتقريرها. وتستهدف هذه المبادرة، حسب المقربين من أحمد أويحيى، إعداد الأرضية المناسبة كي يتمكن بوتفليقة التمهيد لولاية ثالثة. ما يستبعده بلخادم بشكل غير مباشر من خلال إقراره بأنه «ليس هنالك أية ضمانة بشأن قبول الرئيس بإقتراحه حيال إعادة مراجعة الدستور قبل الإنتخابات التشريعية المقبلة». هذا ماأكده لـ «الوسط» رئيس وزراء جزائري سابق، من بين المطروحة أسماؤهم لخلافة بوتفليقة. ويعتبر هذا الأخير بأن ردة الفعل الهجومية تجاه أويحيى، من جهة في إطار إبعاده مسبقاً من المنافسة المقبلة على رئاسة الجمهورية، ومن جهة أخرى، توجيه رسالة للجيش، على وجه الخصوص، للجنرال محمد مديان (المعروف بإسم توفيق)، رئيس جهاز «إدارة المعلومات والأمن» (الأمن العسكري سابقاً)، مفادها أن «رجله» غير مرحب به كمرشح للرئاسة. وبالتالي، فمن الأفضل له أن يبحث عن شخصية أخرى يمكن أن تكون موضوع تسوية.

وتفيد المعلومات الواردة من الجزائر، بأن بلخادم لم يتصرف من ذاته بالتأكيد على هذا النحو، فهو ينفذ «عملياً» توجيهات رئيس الجمهورية الذي بحسه السياسي المرهف وبخبرته الطويلة فهم جيداً أهداف المعارضة المستجدة والجديدة لحزب رئيس وزرائه الحالي، لإعادة النظر في الدستور، خصوصاً في ظل الظروف الحالية. بمعنى آخر، فإن حزب رئيس الوزراء الذي «فبركته» أجهزة الأمن العسكري«بحسب بعض المراقبين» ليس مستعداً البتة لإعطاء ورقة جديدة لرئيس الدولة يستخدمها لتعزيز مواقعه وتلك العائدة للحزب الذي هو رئيسه الفخري. بالإضافة إلى ذلك، فإن بوتفليقة غير قادر على الاضطلاع بولاية ثالثة نظراً لوضعه الصحي. «فأركان حرب» أويحيى، قد ذهبوا بعيداً جداً لناحية تشديد مواقف هذا الأخير معتبرين أن «التحالف الحالي الرئاسي الذي يضم حزبهم إلى جانب تكتلات أخرى، ليست عملية دمج بين القوى السياسية»مضيفاً «بأنه ليس لديهم البرنامج نفسه ولا حتى الأهداف نفسها». وأنهى هؤلاء بالقول: «لقد التقينا من أجل تحقيق مشروع رئيس الجمهورية، لا أكثر ولا أقل، ولم يكن في الوارد مطلقاً النظر في تعديل الدستور».

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحول الجديد، أنه وللمرة الأولى منذ إدارته للسلطة التنفيذية يصعد أحمد أويحيى وفريقه لهجمتهم حيال الرئاسة، معترضين بوضوح على «الرغبة» الآتية من قصر المرادية. ما يفسره المراقبون بمثابة أمر قد أعطي لرئيس الوزراء من قبل عرابيه بهدف اختبار الرئاسة لناحية كشف نواياها الفعلية فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة. فالنشاطات المكثفة التي قام بها في الأسابيع الأخيرة الرئيس بوتفليقة تبدو كأنها قد أحيت الشكوك لدى المؤسسة العسكرية التي كانت تعتقد بأن هذا الأخير قد إكتفى بمتابعة مهماته «بهدوء» بعيداً عن الطموحات الإستثنائية منها التمديد لعهدة ثالثة والتدخل في كل شاردة وواردة كما كان الحال في نهاية ولايته الأولى وبداية الثانية. فالمزايدات التي إختلقها بوتفليقة بالنسبة للعلاقات مع فرنسا وإيفاد وزير خارجيته «محمد بجاوي» لواشنطن في شهر ابريل / نيسان الماضي، لمدة 48 ساعة، عشية وصول رئيس الأركان الجنرال ماجور، أحمد قايد صالح، قد أثارت الشكوك مجدداً لدى المؤسسة العسكرية التي قررت عندئذ إضعاف رئيس الجمهورية وإرباكه بأي ثمن، مادفع بهذا الأخير لاعتماد الهجوم المضاد، مختاراً حزب جبهة التحرير كرأس حربة وأويحيى الهدف.


المؤشرات والوقائع

إذا كان موفدو رئيس الدولة الجزائرية قد بذلوا جهوداً مضنية حيال المسئولين الأميركيين لناحية إقناعهم بأن معلمهم لايزال يملك أبرز مفاتيح السلطة، فإن المعسكر المناهض يثبت ذلك من جانبه، عملياً على أرض الواقع. فبوتفليقة الذي من خلال جميع تصريحاته «كان يلفت للتقارب المتزايد مع واشنطن»، مشيراً لأخذه في الحساب الدفاع عن مصالحها السياسية والإقتصادية في الجزائر وفي العالم العربي، كذلك الموقف بالنسبة لحكومة حماس الفلسطينية، الذي يرى فيه الدليل على هذا التوجه. فالجزائر لم تصرف سوى 35 مليون دولار، وذلك جزء من إلتزاماتها للسلطة الفلسطينية المقررة منذ «القمة العربية في بيروت» التي مضى عليها الآن أكثر من ثلاث سنوات. هذا المبلغ الذي لم يصل لوجهته النهائية بسبب تمريره يقناة مصرفية تساهم في تجميد التحويلات للسلطة الفلسطينية وحكومتها الشرعية المنتخبة.

ومن بين المبادرات الإيجابية حيال واشنطن وفي الإتجاه نفسه، التصريحات المكررة لوزير الطاقة والمناجم «رجل بوتفليقة وصديق الولايات المتحدة الأميركية الذي يحمل جنسيتها، وفيها تقيم عائلته». شكيب خليل، آخر مداخلات هذا الأخير، يوم الخميس 18 مايو / أيار الماضي، على هامش «ملتقى الطاقة» الذي نظمه المجلس الأعلى الأميركي - الجزائري (يو. أس. آي. بي. سي) الذي أعلن من خلاله المسئول الجزائري بأن «بلاده قد صّدرت ما يقارب الـ 11 مليار دولار للولايات المتحدة في العام 2005»، أي بزيادة 25 في المئة من مجمل العائدات التي حققتها الجزائر.

جهود ولفتات بقيت مع ذلك، أقل فعالية من تلك التي قامت بها المؤسسة العسكرية ورجالاتها. لقد نجحت هذه الأخيرة، بجذب البعثات الغربية في العاصمة الجزائرية، إلى الإستجابة لجميع رغبات الإدارة الأميركية تقريباً، خصوصاً البنتاغون ووكالة الإستخبارات الأميركية الـ «سي. آي. أي». وتفيد التقارير بهذا الشأن بأن إدارة الإستخبارات والأمن قد نفذت جميع إلتزاماتها لناحية مكافحة الإرهاب الدولي في منطقة شمال إفريقيا. هذا ما ذكره وزير الدفاع الأميركي «دونالد رامسفيلد». فالجزائر(بحسب قوله) قد ذهبت أبعد من ذلك عبر الخدمات الأخرى التي قدمتها للمصالح الأميركية في القارة الإفريقية. من ناحية أخرى، فإن أصحاب القرار داخل الجيش الجزائري قد ألقوا بثقلهم لامتثال توقيع «معاهدة السلام والصداقة مع فرنسا». هذه الأخيرة التي كان من المتوقع أن تنجز قبل نهاية العام 2005 الماضي. ويرى المتتبعون للشأن الجزائري بأن واشنطن قد رحبت بتأجيل زيارة رئيس الأركان الجزائري قايد صلاح، المقررة في بداية شهر مايو الماضي لباريس بهدف توقيع إتفاق مع شركة «أرماثيس» لتجهيز فرقاطاتها بالمعدات الإلكترونية اللازمة. وفي التقييم نفسه، تهنئ الولايات المتحدة الأميركية التقدم الذي تحقق على صعيد العلاقات بين الجزائر ومنظمة شمال حلف الأطلسي (الناتو). بناء عليه، فالأميركيون لا يخفون سعادتهم لناحية تأهيل ضباط الأركان الجزائريين في معاهد (الناتو)، إذ سيتمكن هؤلاء من التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة وسيستخدمون المفردات العسكرية المطبقة في آن معاً داخل المنظمة وفي البنتاغون. تصريحات جاءت بعد عدة أيام فقط من مشاركة رئيس الأركان الجزائري في ندوات عقدت في المقر الرئيسي للناتو في بروكسيل.

فالذي لم ينجح الرئيس بوتفليقة بتقديمه للأميركيين، حققته لهم المؤسسة العسكرية التي إنتهت إلى إقناع هؤلاء بأنها لاتزال «السلطة الفعلية» في البلاد، القادرة على إتخاذ القرارات الأكبر والأصعب في أحلك الظروف. كذلك، تأمين إستقرار البلاد وضمان مصالح الشركاء، خصوصاً الشركات النفطية والغازية الأميركية. في هذا الإطار، ينبغي التذكير بأن الوحدات الخاصة التابعة للجيش الجزائري والنخبة من الأمن العسكري هي التي تحمي المواقع النفطية والغازية العائدة للشركات الأميركية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الأخيرة تحتل المرتبة الأولى لناحية الشراكة مع الجزائر منذ عدة عقود. و لكن الأهم في مايقدمه الجيش الجزائري، يكمن في إلتزامه الكامل بمحاربة الإرهاب.

لكل هذه النقاط التي سجلتها المؤسسة العسكرية قد جعلت منها المحاور الأوحد الذي لايمكن الإلتفاف عليه وعلى دوره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وضعها في مصاف الحليف الرئيسي المستقبلي داخل السلطة في الجزائر. كذلك حتى لو كانت قد جهزت وحداتها بأسلحة من صنع روسي، فالإعلان الرسمي من قبل إدارة جورج بوش عن بيع أسلحة دفاعية متطورة للجزائر والعرض القاضي بالتعاون في المجال النووي لأغراض سلمية، يظهران أن الولايات المتحدة اختارت عملياً شريكها الجزائري للمرحلة القادمة. فالمؤسسة العسكرية أثبتت بالملموس استعدادها للتعاون في جميع الميادين من دون استثناء، الأمر الذي ليس باستطاعة بوتفليقة وفريقه التعهد به.

في هذا السياق، تفيد المعلومات المتقاطعة في الجزائر بأن الجيش قد أبلغ محاوريه الأميركيين بأنه على استعداد للمشاركة في إيجاد حل مناسب لمسألة الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة «بوليساريو» في حال اقترحت واشنطن مشروعاً جديداً لا تفقد فيه الجزائر ماء الوجه وتحصد بعض المصالح السياسية والمعنوية. وهي معلومات أكدتها مصادر دبلوماسية في لندن.

في ظل هذا المناخ من الإختبارات والمناورات وترسيخ التحالفات الخارجية، يجب معرفة فيما إذ كان أحمد أويحيى هو فعلاً جواد المعركة الفعلي للمؤسسة العسكرية، أم أنه مجرد عنصر للقلق الدائم لرئيس الجمهورية «بوتفليقة» وحزبه «جبهة التحرير الوطني الجزائرية». فالجيش واعٍ لحقيقة أن رئيس الدولة لا يملك الأدوات التي تمكنه من تجديد ولايته، لديه على مايبدو، المعطيات الكافية لرفضه مشاركة هذا الأخير في صنع الرئيس المقبل. ما يعني أن عبدالعزيز بالخادم أو شكيب خليل أو حتى مراد مدلسي «التكنوقراطي» وزير المالية الحالي، ليسوا من المقبولين لتأمين الإستمرارية. فالظهور العلني الإعلامي بعد طول غياب لرئيسي الوزراء السابقين «مولود حمروش وسيدأحمد غزالي (المقرب من الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع السابق خالد نزار) يؤكد أن الجيش يملك في خزائنه العشرات من المرشحين، وبأنه مستعد لتقديم وسحب الأسماء حتى يتمكن من فرض الشخصية المناسبة. فالوقت والظروف تبدو كأنها تلعب حالياً لمصلحة المؤسسة العسكرية التي تثبت يوماً بعد يوم أنها لاتزال «السلطة الفعلية»

العدد 1355 - الإثنين 22 مايو 2006م الموافق 23 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً