العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ

الولايات المتحدة والشرق الأوسط... مدارات ما بين الجغرافيا والسياسة

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الشرق مشرق الشمس، ومبعث الأديان، وموطن الحضارات، عاث به الأعداء تمزيقاً وجوراً، ليس هناك مفهوم محدد بدرجة عالية من الدقة للشرق الأوسط، فهناك من يوسع حدوده وهناك من يقلصها، فهي المنطقة الجغرافية الواقعة حول شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، التي تمتد ليصل مداها إلى الخليج وما حوله، وسماها المكتشفون الجغرافيون الأوائل بالعالم القديم. وفي العام 1902 أطلق عليه العالم البريطاني «غارت» بالشرق الأدنى، ويقصد به تحديداً الدول الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية. أما مصطلح الشرق الأوسط فلم يظهر إلا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قام البريطانيون بتأسيس قاعدة عسكرية بالقاهرة سميت قاعدة الشرق الأوسط، وكانت تسيطر على مصر، السودان، فلسطين، الأردن، قبرص، العراق، عدن، الصومال، الخليج وإيران.

بقي هذا المفهوم مدرجاً في أدراج السياسة والعسكريين، ولم يتداول بشكل واسع إلا على يد الأميركيين في تسعينات القرن الماضي، فالوضع الدولي قد تغير آنذاك وخصوصاً بعد سقوط الدب الروسي وتفرد الولايات المتحدة بالعالم الجديد. وبدأت الاستراتيجية الأميركية الكبرى تنصب نحو الساحة العربية وكأنها العدو البديل عن الاتحاد السوفياتي. كانت الساحة العربية مهيأة لفرض مزيد من التنازلات وخصوصاً بعد الغزو العراقي للكويت، فطرح الأميركان مشروع الشرق الأوسط في المنطقة، الهدف منه كما هو معروف دمج «إسرائيل» في المنطقة عبر توزيع المهمات بين الدول العربية و«إسرائيل» فيما عرف بعملية السلام.

الولايات المتحدة منيت بكارثة 11 سبتمبر/ أيلول 2001، فاكتشفت أن استراتيجيتها السابقة والمبنية على حال السلم والخضوع لم تنفع؛ لأن الوضع تغيّر، ومعه تغيّر العدو، المتمثل في الإسلاميين المحاربين الجدد المعنيين وحدهم بتفجير الجسد، وعلى إثر ذلك بادرت الولايات المتحدة بطرح مبادرة الشرق الأوسط الكبير خلال قمة مجموعة الدول الثماني في ولاية جورجيا الاميركية، والقائمة على ربط ما سمته «الإرهاب» بفشل حكومات الدول العربية في إدارة شعوبها، إذ أصبحت بلدانها بؤرة لنمو الجريمة المنظمة، الإرهاب، الفساد الأخلاقي المالي والإداري. وبذلك وجهت الولايات المتحدة استراتيجيها نحو تحقيق مزيد من الإصلاحات في المنطقة عن طريق إشاعة الديمقراطية الحياة البرلمانية والتعددية، وبناء منظمات المجتمع المدني، مراعاة حقوق الإنسان ونشر الحرية والتعبير عن الرأي وحماية الأقليات. الأميركيون رأوا أن تحقيق ذلك لن يكون إلا على طريقين، وفقا لما يشير إليه المؤرخ الإنجليزي بول كينيدي «ان الاستراتيجيات الكبرى يجب أن ترتكز على استراتيجية للسلم، وعلى استراتيجية للحرب»، ومنها انطلق الأميركيون بحد السيف في القضاء على دولة القاعدة في أفغانستان، وإسقاط النظام العراقي في بغداد، وإخراج الجيش السوري من لبنان. أما استراتيجية السلم فتمثلت في ابتزاز الأنظمة العربية للجنوح بها نحو الإصلاح. واستطاعت الولايات المتحدة تحقيق بعض الإنجازات في ذلك، لكن الأهم أنها نجحت في عدم تكرار كارثة 11 سبتمبر ولم تتعرض أراضيها لأية هجمة مشابهة، إلا أنها في المقابل أهدت إيران فرصة لن تعوض، إذ أثبتت أنها المستفيد الأول مما ارتكبته أميركا من حماقات، وخرج حزب الله أخيراً ليثبت للأميركان حقيقة لا تدعو معها للشك في أن استراتيجية الشرق الأوسط الكبير التي تبنتها فشلت وبان هزالها، فبدأت أميركا تفكر في الخروج من هذا المأزق التاريخي فابتدعت استراتيجية جديدة، اسمتها الشرق الأوسط الجديد.

وتراهن الولايات المتحدة على نجاح استراتيجيتها على ثلاث ركائز هي: القوة العسكرية القوية لها في المنطقة، توافق غالبية الأنظمة العربية معها ومسايرة إرادة الدول الأوروبية مع المنعطف الأميركي في العالم. تصورات هذه الاستراتيجية بدأت واضحة للعيان، إذ يشير كثير من المراقبين إلى أنها قائمة على عدم سنح الفرصة لتكرار نموذج حزب الله أو أية مقاومة عربية ذات طابع إسلامي، وعزل المحور السوري الإيراني، لكن هناك من يزايد على ذلك بسبب الخرائط التي توزع هنا وهناك ويتحدث عن تقسيم العراق وتحجيم الأراضي السورية بحيث تصبح داخلية لا تطل على البحر المتوسط، كما أن المملكة العربية السعودية لن تسلم من التقسيم، إذ يتصور البعض أن هذه الاستراتيجية تنوي عزل مكة والمدينة عن الدولة لتكون بمثابة البابوية في روما.

تبقى تلك تصورات، لكن الأمر لا ينفي أن الولايات المتحدة تستثمر الوضع لصالحها على المدى البعيد، فهل تنجح؟ إنها مغامرة معنونة تحت طائلة حساب طويل هي من سيدفع ثمنه، هي صريحة وجريئة بل سافرة للغاية، تضع الشرق الأوسط في مخاض خطير، تجره نحو سفك مزيد من الدماء، ومزيد من صور الخراب والدمار، سيكون الرد قاسياً جداً من الشعوب العربية والإسلامية، الولايات المتحدة وحليفتها «إسرائيل» فتحتا الجبهة بشكل موسع وبتحدٍ غير محسوم لا تودان إيقافها؛ لأن الحرب لديهما تجري في الحياة على غير عادة، فينبغي استثمارها، لكن الترخيص ليس حلا، فالكرامة لا تعرف الاستكانة، ولا تقف في صف مع الخنوع

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1428 - الخميس 03 أغسطس 2006م الموافق 08 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً