العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ

الديمقراطية من أسباب بقاء النظام الرأسمالي

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

يرى البعض أن اختلاف نوعية الحكم كان أحد العوامل التي أدت إلى بقاء النظام الاقتصادي الرأسمالي في الوقت الذي انهار فيه النظام الاشتراكي الشيوعي.

لقد قفزت روسيا إلى مصاف الدول المتقدمة صناعيا وحققت معجزة اقتصادية في غضون عقدين فقط بعد الثورة البلشفية بداية القرن العشرين، ولكن بعد تخطي مرحلة الثورة وما يشوبها من حماس واندفاع ذاتي، وبعد أن هدأت النفوس وتحولت الثورة إلى دولة، التفت الناس خلفهم إلى الكثير من النزعات الذاتية الفطرية وغيرها من الأمور التي حرمتهم إياها مبادئ الثورة والنظام الجديد، كالتملك الخاص - مثلا، والذي يعد نقطة جوهرية تفرق بين النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يبيح التملك المطلق للأفراد وبذلك ينزع الملكية من الدولة ويقصيها عن ممارسة النشاط الاقتصادي والتدخل فيه قدر الإمكان، وبين النظام الشيوعي الاشتراكي في تبنيه لمركزية إدارة الدولة للشأن الاقتصادي وتقليص الملكية الفردية لأدنى حد.

ومن ضمن مشكلات النظام الاشتراكي الشيوعي القائم على الحزب الواحد، أنه ومن خلال أعضائه في الحزب، كان يستمع لنفسه فقط، ولا يعير أذنا لأصوات الناس ورغباتهم وميولهم، وطالما تحرك الشيوعيون لتطبيق مبادئ النظام وأفكار ماركس وكأنها وحي منزل من السماء لا يقبل الخطأ وبالمطلق، وغير قابلة للتعديل. لهذا بدأ الانهيار من الداخل، وكانت الحديدة الصماء نتيجة التآكل والصدأ الذي ابتدأ من المركز قد تجوفت واستدقت حتى أصبحت مجرد غشاء خارجي، كالبيضة التي تسرب ما في جوفها فتحطمت من أول اصطدام مع جسم صلب.

أما النظام الرأسمالي فان سيادة نظام حكم ديمقراطي قد قاد لحفظ هذا النظام من الانهيار وحماه من الثورة الداخلية عن طريق التعديل المستمر عليه. طبيعي نتحدث عن الديمقراطية كآلية لتسيير شئون الحكم وتنظيم العلاقة بين السلطات وتفعيل دور الشعب، ولا نتحدث عنها من حيث الجذور الفلسفية.

ونعني بالحكم هنا «ممارسة للسلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شئون بلد ما على جميع المستويات»، وتعتبر الديمقراطية بهذا المعنى نظام حكم جيد، بمعنى اتسام الحكم، «من بين جملة أمور أخرى بالمشاركة والشفافية والمساءلة، ويكون فعالا ومنصفا ويعزز سيادة القانون، ويكفل وضع الأولويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أساس توافق آراء واسع النطاق في المجتمع...» كما جاء في بعض التقارير الدولية. ونتيجة لدور الشعب في الدول الديمقراطية الغربية في حسم الخيارات، ولأن وصول الأحزاب إلى سدة الحكم لا يكون إلا عن طريق التصويت، قام الشعب بإيصال من يلبي طموحاته ويعتني بأوضاعه من خدمات وغيرها، وهذا قاد إلى التغاضي عن بعض مبادئ الرأسمالية في الكثير من الحقب، فقد قامت الحكومات بفرض ضرائب تصاعدية لصالح عامة الناس، وأقدمت الدولة على توفير الخدمات الصحية والتعليمية، ووفرت الضمان الاجتماعي للعاجزين والمحتاجين، وفي بعض الدول الرأسمالية، تتحكم الدولة - ربما - في في المئة من مجمل الدخل المحلي، هذه وغيرها من الأدوار التي تقوم بها الدولة لا تنسجم مع الفكرة الأساسية التي يقوم عليها النظام الاقتصادي هناك.

وهكذا تم التخلي عن جزء من الفكرة العتيقة والتي تعد من المبادئ الأساسية في النظام الرأسمالي، والتي كانت تقصر دور الدولة على الأمن الداخلي والخارجي وتقليص الخدمات التي تقدمها في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وحماية الملكية الفردية، وترك السوق تتحرك بتلقائية وفق قانون العرض والطلب حتى على مستوى الخدمات.

وقد ظهرت هذه الفكرة مرة أخرى في الستينات، فحاول تطبيق هذه المفاهيم - كما يذكر عبد الرضا أسيري - الرئيس رونالد ريغان في أميركا ومارغريت تاتشر في بريطانيا، ولكن أدى ذلك إلى تذمر شرائح اجتماعية عريضة نظرا إلى ما أدت إليه من ازدياد الاستقطاب الاجتماعي بين الأغنياء ومحدودي الدخل، ويعتبر بعض المراقبين أن هذه السياسات مسئولة عن تدهور الأوضاع في بريطانيا في ظل حكم المحافظين، كما يعتبرونها مسئولة أيضا عن تخلي الشعب الأميركي عن الحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني .

وهنا تكمن ضرورة تفعيل الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم الجيد، بمعنى احتوائه على عناصر المحافظة على استقامته وتوافره على أسباب النجاح وتراكم الايجابيات، وذلك لأنه يحمل في داخله آليات ووسائل لتشخيص العيوب والقصور، وآليات لسد النقص وتدارك الأخطاء، وآليات لزيادة وتراكم الايجابيات، وآليات تمنع أسباب النزوع نحو الاستبداد والدكتاتورية، وبذلك تتحقق أهم مقدمة للنجاح في مختلف المجالات، وأهم عوامل وأسباب استدامة النجاح أيضاً.

ولو توافرت الآلية التي تدفع الساسة في الغرب للإصرار على مبادئ آدم سميث بحذافيرها، وتطبيقها حرفيا وكأنها أوامر إلهية لا تقبل الخطأ، لتحركت الجماهير البائسة التي أنتج بؤسها ظلم النظام الرأسمالي بنمطه القديم وأطاحت به كلياً. ولكن نتيجة لسيادة الديمقراطية كنظام حكم، والذي يعطي الأمة دورا حاسما على كل الأصعدة، تم تعديل النظام الاقتصادي الرأسمالي خلاف مبادئ الرأسمالية القديمة، ولهذا كانت الديمقراطية من أسباب بقاء هذا النظام معدلا بدل الصيغة القديمة، (وهناك أسباب أخرى أهم كما يرى الكاتب ولكن ليس هنا محل مناقشتها).

وإذا جئنا للعالم النامي، فبعد عقود طويلة من التقلب بين مختلف الأنظمة الاقتصادية، ومنها ما يسمى بالاقتصاد المختلط، وبعد عقود من إهدار الثروات الطبيعية في هذه البلدان، وما لحقها من سوء استغلال واستنزاف وتبديد من دون أن يفلح الخبراء الغربيون والشرقيون في وضع حد أو لإيجاد حلول حقيقية لهذه المشكلة، ترتفع حاليا أصوات عالية تدعو لتبني النظام الرأسمالي القائم على اقتصاد السوق الحر، على غرار الدول الغربية باعتباره السبيل الأمثل لتحقيق التنمية والخروج من شرنقة التخلف التي مازال يعاني مرارتها العالم الثالث.

ولاقت هذه الدعاوى صدى في بعض البلدان النامية، فراحت تسابق الريح في هذا المضمار، خصوصا بعد أفول نجم الاشتراكية من ساحة الصراع الفكري والسياسي. وبغض النظر عن الجدل النظري بشأن مدى جدوى تبني اقتصاد السوق الحر ومدى صلاحه لبعض المجتمعات، فمن الضروري قناعة الشعوب حتى تتحمل مصاعب ومخاض الدخول في هذا النظام، لأنه من دون تفاعلها مع مشروعات السلطة هذه، فإن ذلك قد يقود إلى مشكلات جمة. إضافة لذلك، ومن أجل المحافظة على السلم الاجتماعي واستتباب الأمور، لابد من اعتبار النظام الجديد قابلاً للخطأ وليس صالحا بالمطلق، إذ انه حتى في بيئته ومسقط رأسه تم إهماله في الكثير من الأوجه، والتأكيد على هذه النقطة ضروري في ظل الدعوة للرجوع للنظام الرأسمالي بنمطه القديم وعولمته، وذلك كله يعني الحاجة لنظام حكم ديمقراطي يسمع فيه صوت الشعب حتى يستمر التعديل على هذا النظام بما يقود إلى التوافق

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً