العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ

تطور الفكر والعمل الخليجي في المياه... البدايات (1 من 4)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

سيجد المتتبع لتطور العمل والفكر في مجال المياه صعوبة في تحديد تاريخ محدد لبدء هذا العمل في دول الخليج العربي، إلا أنه يمكن اعتبار مرحلة ما بعد الاستقلال، أي فترة السبعينات من القرن الماضي، بمثابة بدء هذه المرحلة عندما تحولت فيها مسئولية إدارة المياه إلى القطاع الحكومي وتم إنشاء الوزارات أوالإدارات المختصة بالمياه. وتمحورت اهتمامات إدارة المياه من قبل هذه المؤسسات المائية الناشئة آنذاك، كما اهتمت غيرها من دول العالم، بقضية تزويد مياه الشرب بشكل رئيسي مع ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة عدد السكان والتوسع الإسكاني والتمدن في دول المنطقة. وقد ساهمت الزيادة المفاجئة في مداخيل النفط وما نتج عنها من زيادة في الإنفاق الحكومي على إنشاء هياكل البنى التحتية للمرافق في دول الخليج العربي، في تحقيق هذا الهدف بشكل شبه كامل وتغطية خدمات مياه المنزلية لمعظم المدن الرئيسية في دول المنطقة سواء باستخدام مصادر المياه الجوفية أو ببناء محطات التحلية.

ويبدو أنه خلال هذه الفترة لم تشكل استدامة المياه قضية رئيسية في دول المنطقة، إذ تم التركيز على قضية خدمة تزويد السكان بالمياه وكذلك توفيرها للقطاعات المتنامية الأخرى، وخصوصاً القطاع الزراعي، كأولوية للعمل في مجال المياه، ولم تحظ إدارة المياه ووضع ضوابط الاستخدام والمحافظة عليها بالاهتمام اللازم.

إلا أن المتابع لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مطلع الثمانينات يستطيع أن يستشف من الأفكار والمقترحات الواردة آنذاك في أروقة المشاورات بشأن العمل الخليجي المشترك في قضايا المنطقة أن قضية المياه ومستقبلها في المنطقة لاقت اهتمامًا من مؤسسي المجلس إذ تم اقتراح إنشاء مركز لدراسات المياه لدول المجلس ضمن المشروعات المشتركة الأخرى التي تم اقتراحها آنذاك. وعلى رغم عدم تطبيق هذا الاقتراح، فإنه يدل على بعض الاهتمام من دول المنطقة بقضية المياه.

وفي المرحلة الواقعة بين نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات احتلت قضية الأمن الغذائي والتنمية الزراعية في دول الخليج العربي اهتماماً كبيراً في دول المنطقة، وتم خلالها تشجيع التوسع في الإنتاج الزراعي وتوفير الأراضي والمياه والدعومات الزراعية لمدخلات عملية الإنتاج الزراعي بهدف تعظيم الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في دول المنطقة، ومن دون النظر بشكل جدي إلى قضية إدارة المياه واستدامتها. وبسبب هذا الاهتمام أنشئ في منتصف السبعينات مجلس خاص يضم وزراء الزراعة العرب لدول الخليج وشبه الجزيرة العربية.

ويمكن تتبع تطور قضايا المياه والتفكير فيها في دول المنطقة بشكل غير مباشر من وثائق مؤتمرات وزراء الزراعة العرب لدول الخليج وشبه الجزيرة العربية السنوية والذي عقد مؤتمرها الأول في المملكة العربية السعودية في العام 1976. وكانت اهتمامات هذه المؤتمرات تركز على الجانب الزراعي والنهوض بالقطاع الزراعي كأحد القطاعات الاقتصادية المهمة ورفع مساهمته في تنويع مصادر الدخل القومي، وقضايا تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي في دول المنطقة، وزيادة التنسيق والتعاون بينها في مجالات الزراعة المختلفة. إلا أن موضوع المياه احتل صدارة الموضوعات المطروحة في هذه المؤتمرات وخلال المؤتمر السابع الذي عقد في البحرين في 1982، إذ كان الموضوع الرئيسي للمؤتمر «تنمية المصادر المائية للأغراض الزراعية وترشيد استخدامها». وتطرق هذا المؤتمر إلى قضية شحة مصادر المياه في تلبية الاحتياجات الزراعية ونفاد المخزون الجوفي المائي وتدني نوعية المياه الجوفية، وركز المؤتمر على قضيتين رئيسيتين الأولى، هي «سبل تنمية المصادر المائية للأغراض الزراعية» و»ترشيد استخدامات المياه للأغراض الزراعية».

ومن أهم توصيات هذا المؤتمر في مجال المياه؛ الدعوة إلى إنشاء بنك للمعلومات لتجميع البيانات والدراسات ونتائج البحوث المتعلقة بالدراسات المائية، زيادة مصادر الموارد المائية عن طريق إنشاء السدود والتغذية الصناعية، إقامة مشروعات إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة، استكمال شبكات الرصد المائي، إجراء دراسات المقننات المائية بهدف الاستخدام الأمثل لمياه الري، وإدخال طرق الري الحديثة لرفع كفاءة الري وتقليل الهدر المائي في القطاع الزراعي، رفع وعي المزارعين، وتقديم الحوافز لاتباع هذه الطرق، كما أوصى المؤتمر بوضع تشريعات استغلال المياه الجوفية وحقوق الاستخدام لضمان سلامتها. ويلاحظ من نتائج وتوصيات هذا المؤتمر أن الفكر الخليجي في مجال المياه، وإن كان منحصراً آنذاك في سبل توفير مصادر المياه للتنمية الزراعية، قد أدرك محدودية المياه الطبيعية المتوافرة في المنطقة وضرورة الاهتمام بالمحافظة على المياه وتنظيم استخدامها، كما أدرك، نوعاً ما، التضارب بين السياسات الزراعية واستدامة الموارد المائية لخدمة التنمية الزراعية وسياسات الاكتفاء الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، يدل موضوع المؤتمر على بدء بروز المشكلة المائية والإحساس بها من قبل المسئولين كمحدد رئيس لخطط التنمية الزراعية وطموحات الأمن الغذائي في دول المنطقة.

إلا أن أول تجمع متخصص في قضايا المياه في المنطقة عقد في العام 1986 عندما عقدت ندوة «مصادر المياه واستخداماتها في الوطن العربي» في دولة الكويت ونظمها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة. وهدفت الندوة إلى التعرف على الوضع المائي في العالم العربي آنذاك وتوقعاته المستقبلية باعتبار المياه تشكل مصدراً حيوياًّ من مصادر الثروة القومية ومن أهم محددات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي بكل جوانبها الزراعية والصناعية والصحية. كما هدفت الندوة إلى الوقوف على معوقات تنمية قطاع المياه وتحديد سبل مواجهتها والجهود العربية المشتركة التي يتعين بذلها لتأمين مستقبل أفضل للأجيال المقبلة. وتطرقت الندوة إلى قضية محدودية الموارد المائية مقارنة بالطلب عليها ومعدلات نموها، وأشارت إلى مشكلة القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه في البلدان العربية والتعارض الصارخ بين قضايا الأمن الغذائي والأمن المائي وتوفير المياه الصالحة للشرب.

وصدر عن الندوة بيان الأمن المائي العربي الذي جسَّد أبعاد المشكلة المائية من حيث ارتفاع معدلات السكان وتسارع وتيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية واختلال العلاقة بين الموارد المائية المتاحة والطلب عليها، وأن أحد أسباب التدهور المائي هو غياب الاستيعاب الكافي لأبعاد المشكلة ومسبباتها وانعكاساتها السلبية بالإضافة إلى ضعف الإجراءات المتخذة لمعالجة الوضع، وحدد البيان حلولاً مقترحة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، كما أشار البيان إلى أن عدم وضوح السياسات المائية ومحدودية إمكانات المؤسسات العاملة في مجال المياه وتعددها يعتبر من أهم المعوقات التي يواجهها تحقيق الأمن المائي العربي، وأكد ضرورة إعطاء الماء الأهمية التي تتناسب مع دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد ركزت توصيات الندوة، على المستوى الوطني، على تبني سياسات مائية وطنية وإعداد خطط للتنمية المائية وتولي جهاز مركزي وطني الإشراف على تنفيذ السياسات المائية والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة، ودعم وبناء قدرات المؤسسات العاملة في المياه وإعداد الكوادر القيادية في مجال المياه وتوفير فرص التعليم العالي في مجالات علوم وإدارة المياه. وعلى المستوى الإقليمي أوصت الندوة بتنفيذ المشروعات المائية المشتركة وزيادة التعاون العربي في مجالات المياه المختلفة. وقد اكتسبت هذه الندوة أهميتها من كونها الندوة الأولى التي تقام على مستوى الوطن العربي لبحث موضوع المياه بصفة شمولية وبنظرة مستقبلية تتناسب مع أهمية وحجم المشكلة المائية، بل تجاوزت في موضوعاتها وطروحاتها الفكر العالمي السائد في ذلك الوقت. فقد طرحت الندوة ارتباط المياه بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية قبل صدور «تقرير برتلاند حول التنمية المستدامة» في العام 1987 الذي أدى إلى بروز مبدأ التنمية المستدامة (التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستدامة البيئية). كما طرحت الندوة موضوعات السياسات المائية والترتيب المؤسسي لقطاع المياه لتنفيذها والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة، ودعم وبناء القدرات البشرية، قبل مؤتمر دبلن المنعقد في العام 1992 والذي نادى بالمبادئ نفسها والطروحات المذكورة أعلاه، والتي تعتبر البداية الفعلية لنموذج ومنهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية على مستوى العالم.

وسيتم في المقال القادم استكمال تتبع مسيرة الفكر والعمل الخليجي للمياه، وبروز جمعية علوم وتقنية المياه كمنظمة غير حكومية على الساحة الخليجية تساهم في رفع مستوى الاهتمام بقضايا ومشكلات المياه وتقدم الحلول العلمية والعملية لها في المنطقة

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً