العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ

تقسيم الأوطان... من العراق إلى السودان

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

نحن أمام ثلاث حالات تتوالى فصولها على مر الأيام وهي حالات الانقسام فالتقسيم ثم الاقتسام... وكما تلاحظون فإن الكلمات الثلاث المعبرة عن الحالات المعنية تنبع من جذر لغوي واحد... لكنها تؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة محددة، هي فك الوحدة وصولاً إلى الانفصال!

ونظن أن تطورات الحوادث في المنطقة تترجم، الأوضاع بدرجة دقيقة، دقة الجرّاح الماهر الذي يجري جراحة في الجسد العربي، ليصل إلى النتائج التي يريد هو الوصول إليها، حتى لو مات المريض!

ومن دون دخول في الألغاز، فإن مخطط تفكيك دول المنطقة وإعادة تشكيلها في شكل دويلات أو كانتونات جديدة يجرى بسرعة شديدة ربما بأسرع مما تصور الجميع، في ظل النظرية الأميركية المنتشرة وهي الفوضى الخلاقة، أي إحداث أعمق أنواع الفوضى التدميرية لتسمح بتدخل دولي أو أميركي بمعنى أوضح يعيد تركيب المفككات على النحو المراد!

والأمر يبدأ بزرع فتنة الانقسام بين الشعب الواحد، وترويج الخلاف بين طوائفه على أسس عرقية، أو مذهبية دينية وطائفية، ما يؤدي إلى التنافر وفك الوحدة ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي إيصال هذه الطوائف و الفرق المتصارعة إلى حتمية تقسيم الوطن الواحد بينها، وتحويل الدولة الواحدة إلى عدة دويلات تقتسم في النهاية الثروة وتوزعها فيما بينها توزيعاً طائفياً أيضاً، بما يعكس ذلك من ضعف وهزال!

ولن نحتاج إلى جهد كثير لتطبيق ذلك على أرض الواقع المعاش في ظل التطورات الجارية أمام الجميع الآن.

وسنختار نموذجين فقط، ليكونا مجالاً للاستشهاد على نظرية الانقسام فالتقسيم ثم الاقتسام... فإذا ما أجلنا إلى حين مخطط تقسيم دول مهمة مثل لبنان، الأكثر قابلية لصراع الانقسام ومثل سورية ومصر والسعودية بل ودول المغرب فيما بين السنة والشيعة، أو بين المسلمين والمسيحيين أو بين العرب والبربر، فإن النموذج العراقي ثم النموذج السوداني هما الآن يقعان على مائدة التقسيم من دون مواربة أو تعمية.

يظل الوضع العراقي هو الأكثر سخونة وتعجلاً نحو التقسيم وأمامنا عدة مظاهر واقعية تحدد ذلك هي:

أولاً: إذا كان الاحتلال الأميركي للعراق، وهو في عامه الرابع، قد أنجز شيئا مهما أو حقق هدفاً استراتيجياً بعد اسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين فهو قد انجز ايقاع العراق والعراقيين في حرب أهلية حقيقية، قتلت حتى الآن 655 ألف عراقي وفقاً لدراسة جامعة «جون هوبنكز» الأميركية الحديثة وجرّت الجميع نحو التنافر الدموي وحققت الانقسام الواضح فيما بين السنة والشيعة والأكراد.

ثانياً: في ظل الاحتلال يجري العراق نحو المنظومة الثلاثية الانقسام فالتقسيم ثم الاقتسام فقد أقر البرلمان العراقي قبل أيام نظام الفيدرالية الذي يكرس تفكيك العراق كما تراه أطراف معينة مثل السنة والتيارات السياسية العلمانية أو يؤدي إلى «تدعيم الوحدة» كما تدعي الأطراف الأخرى المطالبة بالفيدرالية!

وفي النهاية فإن نظام الفيدرالية الذي أقر يعني تقسيم العراق إلى ثلاثة كانتونات تشمل تسع محافظات في الجنوب تضم غالبية شيعية وثلاث محافظات في الشمال تضم غالبية كردية ثم خمس محافظات في الوسط تضم غالبية سنية.

ثالثاً: ولأن الإدارة الأميركية بزعامة الرئيس بوش وعصابة المحافظين الجدد المتطرفين من حوله، متلهفة على «الخروج الأميركي الآمن والكريم» من الورطة العراقية الدامية فإنها تعمل جاهدة على تكريس نظرية التقسيم وصولاً إلى الاقتسام بعد نجاحها في زرع الانقسام، ولذلك فإنها تستمع الآن بعناية ولهفة للتقرير المهم الذي أعدته لجنة أميركية على أعلى مستوى بتكليف من الكونغرس، وتضم متخصصين من الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض، برئاسة وزير الخارجية السابق جيمس بيكر.

وخلاصة تقرير بيكر تقول وتوصي بضرورة اللجوء إلى حل تقسيم العراق إلى الكانتونات الثلاثة السابق ذكرها، ثم ترك الأمر للعراقيين يدبرون أمورهم حتى تنسحب القوات الأميركية في أمان!

رابعاً: وفقاً لمخطط الانقسام فالتقسيم فإن الكانتونات الثلاثة تقتسم الثروة النفطية وهي الثروة الرئيسية، كل يأخذ ما يقع في حدوده الجغرافية. والمعنى أن الكانتون الشيعي في الجنوب يسيطر على نفط الجنوب وهو المخزون الرئيسي والكانتون الكردي يسيطر على نفط الشمال، الثاني من حيث المخزون بينما يسيطر الكانتون السني في الوسط على لا شيء؛ لأن الوسط يخلو علمياً من النفط.

وعلينا أن نتخيل أوضاع المستقبل وصراعاته المؤكدة في ظل هذا الوضع الذي يترجم عادة باقتسام السلطة والثروة والمعنى، ان العراق الدولة الموحدة صاحبة أهم مخزون نفطي بعد أو قبل السعودية قد انتهى جغرافياً وسياسياً واقتصادياً.

أما الوضع السوداني فهو لا يختلف كثيراً عن الوضع العراقي بل إنه يتشابه ويسير معه وفي توقيت واحد، وفق نظرية الانقسام فالتقسيم ثم الاقتسام.

فبعد حرب أهلية دامية في جنوب السودان امتدت نحو ثلاثين عاماً أو يزيد، بين الحكومة المركزية في الخرطوم ومتمردي الجنوب بقيادة الحركة الشعبية تحت زعامة جون قرنق ثم سيلفاكير وبفعل تدخلات خارجية سافرة سواء من دول الجوار أو من المدار الأوروبي الأميركي، جرى زرع فتنة الانفصال وروح التقسيم، وفق أسس عرقية ودينية، «عرباً وأفارقة»، مسلمين ومسيحيين»، ساعد على إذكائها قصور المعالجة السياسية الوطنية واللجوء إلى الحلول العسكرية، من جانب الحكومات السودانية المتعاقبة للأسف التي يجب ان تتحمل المسئولية الأولى.

روح الانقسام وفتنة الانفصال رفعتا ومازالتا ترفعان شعار تقسيم السلطة والثروة، بعد رسوخ روح الانقسام وهو شعار يبدو ايجابياً وبراقاً في ظل وحدة الدولة، لكن الحقيقة انه يدفع نحو التقسيم والانفصال الفعلي غداً أو بعد غد.

ونتيجة لفشل الحل العسكري «المؤكد» وفي ظل ضغوط أجنبية عاتية، مع فشل أي حلول وطنية وحدوية من جانب الحكومات السودانية، جرى فرض توقيع اتفاق «نفاشا» بين الجنوبيين وحكومة الخرطوم لايقاف الحرب الأهلية هناك، وفق أسس ستقود حتماً من وجهة نظرنا إلى تهيئة الأرض لانفصال الجنوب، بعد ست سنوات من التوقيع. وسرعان ما سرت روح الانقسام، طلباً للتقسيم والاقتسام بالمنطق والأساليب والأهداف ذاتها، إلى غرب السودان «إقليم دارفور» ثم إلى الشرق السوداني فجاء توقيع اتفاق «أبوجا» بين حكومة الخرطوم وبعض أهم المنظمات المحلية المقاتلة في دارفور قبل شهور ثم جاء توقيع اتفاق «أسمرا» يوم السبت الماضي مع المنظمات المماثلة المتمردة في شرق السودان.

وبقدر ما رحبت أوساط سودانية وعربية كثيرة، بهذه الاتفاقات الثلاث، باعتبارها طريق التسوية واقرار السلام في ربوع السودان أكبر دولة عربية وافريقية من حيث المساحة والامكانات الاقتصادية الواعدة، فإننا نعتقد انها طريق للهروب إلى الامام بتسويات سياسية مؤقتة جرت بضغوط دولية عاتية، تؤدي في النهاية إلى تنفيذ المنظومة الثلاثية، زرع الانقسام في الوطن الواحد، ثم التقسيم وفق أسس عرقية وطائفية صولاً إلى اقتسام السلطة والثروة أساساً، وخصوصاً في اقاليم الجنوب ودارفور الغنية بالنفط والماء والمعادن واليورانيوم وغيرها.

والخلاصة... إننا امام نجاح فذ لنظرية الفوضى الخلاقة الأميركية القائمة على إذكاء الحرب الأهلية والصراعات العرقية الدينية الطائفية، في العراق والسودان وفي توقيت واحد وان اساليب مختلفة شيئاً ما، وصولاً إلى النتيجة المحددة، وهي تحقيق الانقسام فالتقسيم فالاقتسام. وهي نتيجة مطلوب تعميمها في الساحة العربية عموماً، وتطبيقها خصوصاً على الدول العربية الكبيرة مثل مصر والسعودية والجزائر والمغرب وعلى الدول الأخرى ذات القابلية للانقسام والتقسيم، بحكم تكويناتها العرقية والمذهبية، مثل سورية ولبنان واليمن وليبيا وحيثما تكون هناك مصادر قوة أو مخازن ثروة.

وإذا كان الهدف الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية واضحاً هو تفكيك المنطقة وتقسيمها كما حدث في ظل الاستعمار الأوروبي القديم مع مطلع القرن العشرين «وخصوصاً اتفاق سايكس بيكو الشهير» وصولاً إلى إعادة بناء المنطقة وفق المشروع الشرق الأوسط الجديد، تحت الهيمنة الأميركية والقيادة الإسرائيلية، فما الهدف أو المشروع العربي المضاد غير مشروع الاستسلام التام قبل الموت الزؤام؟

للأسف حتى اللحظة ليس في الأفق أي ملامح لمشروع عربي مضاد خارج نطاق صراخ الميكروفونات وضجيج التصريحات الصادرة عن مراكز الحكم وسلطة النظم، بعد أن تخلت عن ابسط قواعد التجمع لحماية الأمن القومي المشترك، وتسابقت نحو مراكز الاستعمار الغربي الجديد، طلباً للحماية أو طلباً للرضا السامي رعاية لتحالف الفساد والاستبداد السائد والقائد والرائد.

فإن كانت النظم العربية الحاكمة قد تراضت بهذه الأوضاع، على رغم اقتراب المنظومة الثلاثية للانقسام فالتقسيم والاقتسام، من رؤوس الجميع، وان في توقيتات مختلفة ومؤجلة، فماذا عن الشعوب المستكينة؟ كيف يفك المقهور قيد قهره؟

هذا حديث مؤجل!

خير الكلام: يقول الإمام الشافعي:

ومن الدليل على القضاء وكونه

بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً