العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ

حينما يكون النظام الانتخابي معوجاً

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إذا كان النظام الانتخابي معوجاً، فلماذا تشاركون في الانتخابات؟ السؤال لم يكن سؤالي، إنما لمعاون الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة المترشحة المستقلة للانتخابات النيابية ضوية العلوي. السؤال وجهته إلى رموز المعارضة السياسية المقاطعة لانتخابات 2002 والتي قررت المشاركة في 2006، وذلك في سياق المناظرة التي عقدتها جمعية المنتدى يوم الاثنين الثلاثون من الشهر الماضي.

ثمة دلالات سياسية من المهم تفكيكها وعرضها تتعلق بشكل السؤال ومضمونه، وهي دلالات تتعلق بالتجاذب والشد ما بين الحكم والمعارضة. السؤال لم يكن اعتباطاً، بل رسالة صريحة منقولة للمعارضة. والعجب، أن المترشحة أكدت سعيها إلى مشاركة فعلية »لتحقيق حقها السياسي«، وطرحت أبرز عناصر برنامجها الانتخابي المتمثل في المطالبة بتحسين الوضع المعيشي والخدمات الإسكانية ومواجهة شبح البطالة. هي من حقها تأكيد حقها السياسي عبر الترشح للبرلمان، بيد ان رموز المعارضة وتحديداً إبراهيم شريف، وعزيز أبل، بحسب ما يفهم من صوغ السؤال ونبرته، ليس لهم الحق في »تحقيق حقهم السياسي« عبر المشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية، طالما وجدوا شبهة وعدم نزاهة في النظام الانتخابي، وطالما قاطعوا انتخابات 2002، فإن عقابهم ألا يمارسوا حقهم في المشاركة، كل ذلك لأنهم تجرأوا وشرحوا مجريات العملية الانتخابية ونظامها وتفاصيلها وتصدوا بحزم لمشروع التصويت الإلكتروني وانتقدوا أداء البرلمان وأعلنوا احتجاجهم على الإجراءات الإدارية المعيقة لتسهيل العملية الانتخابية، في ظل هذه المعطيات هم مساءلون بـ »لماذا تشاركون طالما أطلقتم صفة الاعوجاج على النظام الانتخابي؟«

في السياق، هناك إشكالية يبرزها السؤال وهي تكمن في وجود خطابين متنافرين أحدهما للمعارضة الساعية بإصرار لتغيير الوضع وتحسين أداء عناصره، والآخر خطاب يتضمنه السؤال أعلاه، وهو خطاب مهادن يرى أن الوضع السائد جيد أو لا بأس به، فضلاً عن افتقاده الاستعداد للاعتراف بالنواقص والخلل والاعوجاج، إنه بالطبع خطاب ينبئ بالفشل لأنه يتنازل أمام أخطاء الحكم ويهادن عن مشروعاته »لا يكش ولا يهش«. لقد برز ذلك بوضوح عبر أصوات مرشحيه، ونوابه وقتما تم السعي لفرض »التصويت الإلكتروني«، وقانون الجمعيات السياسية والقانون الانتخابي وقبلها الدستور برمته وغيرها من المشروعات التي تصدت لها المعارضة بحزم وحققت مكاسب لتحسين ظروف العملية الانتخابية والمشاركة السياسية. فالراصد لمجريات الاعوجاجات المصاحبة للظاهرة السياسية المحلية، سيتنبأ إلى أن استمرار الاختلال سيهدد بعدم اجتياز امتحان الحياة الديمقراطية التي يستند عليها المشروع الإصلاحي، هذا سيحدث لا محالة في حال استمرار تشويه وتقليص مضامين المبادئ الأساسية للديمقراطية الحقيقية، والبصم بالأصابع الخمس على مشروعات الحكم، وعلى سقوط المعارضة.

الكل يعلم أن المشاركة السياسية في انتخابات 2006 يحكمها نظام انتخابي هش، بل معوج، ومحكم بإجراءات دقيقة تستند على هيمنة قيود وقوانين إدارية وضغوطات تم فرضها تشريعياً منذ بدء الحياة النيابية في 2002 بعد توقفها 27 عاماً. فمنذ إقرار الدستور المختلف عليه والذي أسس لقانون الانتخاب المشار إليه وقوانين أخرى منظمة لمسار المشاركة السياسية في البلاد، وقل الأمر نفسه عن قانون الصحافة الكابح لجماح حرية الرأي وانتقاص حق التعبير، إلى القانون المنظم لنشاط الجمعيات السياسية وصولاً إلى البيروقراطية السياسية المتمثلة في الدفع باتجاه تأسيس هياكل سياسية هزيلة تدين بالولاء المطلق للحكم وجعلها منافساً شكلياً للجمعيات السياسية ذات البعد النضالي الجماهيري، كل هذه وتلك جاءت بالأساس للحد من وظيفة المعارضة الأساسية المتمثلة في الاحتجاجات والمناورات والمفاوضات وإحكام نظام الرقابة الشعبية على المال العام والمحاسبة على التجاوزات.

في مقابل ذلك، نحن قبالة خلل واعوجاج في الواقع السياسي سواء اعترف الحكم ومتنفذوه بذلك أم لم يعترفوا، هذا الخلل بحاجة إلى إنجازات تستوجب الزحزحة والاختراق المنظم والمسيس من قبل قوى معارضة تستند على فكر ومبادئ وتجربة نضالية وجدية لعملية التغيير. الوضع من المحال إصلاحه إن لم يقر بخلله نواب الشعب المقبلون من المترشحين والمترشحات، فالجميع يعي حجم الاختلال في النظام الانتخابي بدءًا من توزيع الدوائر الانتخابية إلى القيود التي وضعت في طريق المترشحين والناخبين، إلى غياب الرقابة الدولية المحايدة، وعدم السماح بضمانات رقابية محلية نزيهة من أية شبهة لكي تضبط إيقاع العملية الانتخابية، ناهيك عن سوء حالة كشوفات الناخبين المنقوصة والتي لم تتم تنقية قوائمها حتى من أسماء الموتى، كما إنها لا تساعد المترشح في الوصول إلى ناخبيه، بالإضافة إلى الزيادة الفجائية المطردة والملموسة في أعداد الناخبين في السنوات الأخيرة. الكل يدرك إن ظاهرة الاعوجاج هذه، ما هي إلا بيئة صالحة لحدوث التزوير في العملية الانتخابية وبالتالي التزوير لإرادة الناخب.

استناداً إلى الواقع ذاته، بدأ يتفشى شعور بالعزوف عن المشاركة السياسية من قبل المواطنين، لاسيما وان تجربة أداء المجلس الوطني السابق وآليات التشريع وانتشار الفساد والتجنيس قد خلق لديهم شعوراً بأنه لا فائدة ترتجي ولا يمكن إحداث التغيير في ظل السلطة التشريعية المتمثلة في نظام المجلسين الذي نصفه منتخب والنصف الآخر معين. لاشك ان التجربة السابقة تعرضت لانتقادات شديدة خصوصاً وان آليات التشريع قاصرة وأخفقت في مهماتها التشريعية لصالح المواطن. هذا الواقع السياسي والتشريعي بحاجة إلى تحريك وتجديد عبر مشاركة أطراف سياسية وطنية فاعلة وغير بليدة، أطراف تتوافر على برنامج انتخابي حقيقي وغير مزيف لتغيير واقع الحال والحد من ظاهرة سرقة المال العام والاستيلاء على ما تبقى من الأراضي، وإيقاف مسلسل التجنيس وإبطال غير القانوني منه، ومحاربة الفساد المتفشي في أوساط النخبة القريبة من دوائر الحكم، والتخفيف من معدلات الفقر.

إذاً الحياة السياسية المقبلة تحتاج إلى تطوير نحو المزيد من الديمقراطية وتوسيع هياكل المشاركة الشعبية واسترجاع حقوق المواطن التشريعية. ذلك حتماً لا يتحقق عبر خطاب انفعالي وإنشائي نظري متجرد لا يملك غير الوعود والأمنيات ويتعاطى مع المعارضة السياسية بردود أفعال سلبية انتقامية، فقط لأنها تعارض ما تجده انتقاصاً للحقوق والمكتسبات. إن غياب المشاركة السياسية للمعارضة يعني ما يعنيه من تشكيك في النظام الديمقراطي والانتخابي، وبالتالي ليس من مصلحة الحكم أن تتوقف مشاركة المعارضة في العملية الانتخابية، لا بل إنه لمن السذاجة مساءلة المعارضة عن مشاركتها، ومن الممكن الاستعاضة عن ذلك السؤال بآخر أكثر تهذيباً -للمعارضة السياسية- يتعلق بخططها وبرامجها وأهدافها التي بحسب ظني قد جاءت واضحة وضوح الشمس في كبد السماء من خلال البرامج التي طرحها رموزها وقياداتها.

خلاصة القول، يبقى ان المعركة التي تخوضها قوى المعارضة السياسية ورموزها قد اتضحت معالمها، وهي معركة حقيقية على مستوى الميدان الانتخابي بين المترشحين الرسميين الذين يحمل بعضهم صفة »مرشح مستقل« وهم الموالون للحكم وحاملوا أجندته وعدته ويتوافرون على الأموال والوعود بتحقيق المنال، وبين ممثلي الشعب من بقية القوى السياسية المعارضة، وذلك ما يستوجب إدراكه بوعي سياسي.

إن مشاركة المعارضة السياسية ما هي إلا مؤشر من مؤشرات استقرار النظام ولإضفاء الشرعية على العملية الانتخابية، ودخول المعارضة لميدان المعركة لم يأت بقرار عفوي إنما بناءً على حسابات دقيقة ومدروسة وشعور بالانتماء الوطني وإرادة قوية للتصدي للاختلال وقيادة عملية التغيير كخيار وبديل مرحلي لما يمر به الوطن من فساد وتخريب. المؤشر الأكثر صدقية لن يتبين من خلال الخطابات الرنانة، إنما عبر الأداء في المجلس الوطني المقبل ومن قبل الجميع. في هذا الإطار، السؤال المنطقي غير المهادن للحكم هو: أي مصير سياسي ينتظر المجلس الوطني المقبل لو غابت عنه المعارضة السياسية هذه المرة أيضاً؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً