العدد 1523 - الإثنين 06 نوفمبر 2006م الموافق 14 شوال 1427هـ

محاكمة السياسة الأميركية بعد محاكمة «الدكتاتور»

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

يمثّل صدّام حسين الشخصية التي استخدمت من قبل الاستكبار العالمي لضرب الثورة الإسلامية في إيران من خلال حربه المدمّرة ضد إيران، وهي الحرب التي عطّلت الطاقات الإيرانية والعراقية لحساب الغرب المستكبر الذي انطلق مع الشرق في حرب ظالمة ضد إيران دمّرت الاقتصاد الإيراني ومنعت الثورة الإسلامية من أن تتطور وتتقدم في مشروعها الإسلامي التغييري، وكل ذلك تمّ من خلال صدام حسين ونظامه.

كذلك استطاع الاستكبار الأميركي أن يوظّف صدام حسين مجدداً في حربه ضد الكويت في كل الفظاعات التي ارتكبها خلال احتلاله للكويت، وفي إبقائه على مسألة الأسرى الكويتيين في متاهات المجهول، من أجل تقديم فرصة جديدة لأميركا للسيطرة على المنطقة ووضع الأسس لقواعد عسكرية دائمة فيها ومن ثم الإعداد لاحتلال هذا البلد العربي أو ذاك البلد الإسلامي وترويع الجميع لحساب المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.

ولذلك، فإن صدام حسين يمثل الشخصية التي استطاعت أن تعيق كل الحركات التغييرية والإصلاحية في العراق وخارجه، والتي عملت على اغتيال المعارضين دونما رحمة أو شفقة، كما أنها الشخصية التي أفسحت في المجال أمام كل الخطط الغربية التي انطلقت لإفقار الشعب العراقي لتجد لها الأرضية والمكان، وهو الشخصية التي عملت على إرباك الواقع العربي والإسلامي كله لحساب الإدارات الأميركية المتعاقبة، ومثّلت سياسته دماراً أصاب القضية الفلسطينية في العمق، كما أن حكمه مثّل دماراً للعراق والمنطقة من الداخل، وأفسح في المجال لاستهداف العراق والمنطقة من الخارج.

ولكننا في الوقت الذي نعتقد بعدالة الحكم الصادر عن المحكمة العراقية حيال صدام، نؤكد ضرورة أن تحاكم معه السياسة الأميركية التي وظفته واستخدمته لتنفيذ كل مؤامراتها في تدمير المنطقة والسيطرة عليها. فالإدارات الأميركية السابقة، وهذه الإدارة بالذات، مسئولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن الجرائم التي ارتكبها صدام في حقّ شعبه وحقّ الشعوب الأخرى، ولاسيما الشعبين الإيراني والكويتي، فهي التي خططت أو ساعدت وساهمت وأشرفت على حروبه، وهي التي منحته الفرص الكبرى للفتك بشعبه واستخدام أبشع الأسلحة ضده وضد الآخرين.

ولا يختلف الرئيس جورج بوش في العمق عن صدام حسين، فهو يمثل الشخصية التي أفسحت في المجال لكل هذه الجرائم في المنطقة، وخصوصاً تلك التي ارتكبها الاحتلال الأميركي في أفغانستان والعراق، وهي من الفظاعات التي لا تشرّف أي إدارة ولا تحمل أي عنوان إنساني ولا يقبل بها أي قانون وضعي أو ديني. كما أن إدارة بوش تمثل الإدارة القاتلة للشعبين الفلسطيني واللبناني، من خلال تغطيتها للجرائم الإسرائيلية ضد اللبنانيين والفلسطينيين وتأمينها التغطية المستمرة لحكومة العدو في جرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين، وليس آخرها ما يحصل في غزة في هذه الأيام.

إننا في الوقت الذي لا نستبعد استغلال الرئيس الأميركي وأقطاب إدارته للحكم الصادر في حقّ صدام في الجانب السياسي والانتخابي، نعتقد بأن الرأي العام الأميركي قد تجاوز شخصية صدام وما تركته من انطباعات، لأنه يعيش عمق الأزمة في وجود القوات الأميركية المحتلة للعراق وفي الخسائر التي تتكبدها يومياً هناك.

من جانب آخر، على الشعوب العربية والإسلامية أن تتأمّل ملياً في تاريخ صدام وفي استخدام أميركا له، وألا تفسح في المجال لإظهاره كشخصية عربية مناهضة للمشروع الأميركي الصهيوني، لكونه تماهى مع هذا المشروع إلى أبعد الحدود، وذلك حتى رأت أميركا بأن مهمته قد انتهت، فقررت أن تسقط نظامه لحساب مصالحها ومصالح «إسرائيل» في المنطقة.

كما أن على الشعب العراقي الذي تعرض بجميع أطيافه لظلم صدام ونظامه، ألا ينظر إلى المسألة في النطاق الطائفي، بل أن يعتبر المسألة بمثابة الفرصة المتاحة أمامه لمنع ولادة أي ديكتاتور جديد من شأنه أن يمنع تقدم هذا الشعب أو أن يحقق آماله وطموحاته في الاستقلال والوحدة وإخراج المحتل من العراق وإقامة الدولة العادلة الحرة ورفض كل أشكال التقسيم والتجزئة

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1523 - الإثنين 06 نوفمبر 2006م الموافق 14 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً