العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ

المناخ يتغير... فهل نتغير نحن أيضاً؟

كوفي عنان comments [at] alwasatnews.com

لو كانت هناك بقايا من شك في الحاجة الماسة لمواجهة تغير المناخ، فقد صدر تقريران في الأسبوع الماضي ينبغي أن يدفعا العالم إلى الوقوف منتبهاً. فأولاً، تشير أحدث البيانات التي وردت إلى الأمم المتحدة إلى أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن البلدان الصناعية الكبرى لاتزال تتزايد. وثانياً، وصفت دراسة أعدها كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي سابقاً، السير نيكولاس ستيرن وهو من المملكة المتحدة، تغير المناخ بأنه «أضخم إخفاق للأسواق وأوسعه نطاقاً حتى الآن»، وأنه من المحتمل أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 20 في المئة وإلى اضطراب اقتصادي واجتماعي يضارع في وطأته الحربين العالميتين والركود الكبير.

إن توافق الآراء العلمي، الذي أضحى الآن واضحاً ولا مراء فيه، يتجه الآن إلى النتيجة الأكثر إثارة للانزعاج. فهناك علماء كثيرون من المعروفين منذ مدة طويلة بحذرهم يقولون الآن إن الاحتراز قد وصل إلى مستويات تندر بعواقب وخيمة، تتولد معها حلقات مفرغة من الفعل ورد الفعل ستأخذنا عبر سبيل محفوف بالمخاطر إلى نقطة اللاعودة. وربما كان هناك تحول مماثل ينتشر الآن في أوساط خبراء الاقتصاد، إذ يذهب محللون ممن كانوا في السابق من المتحفظين إلى أن كلفة خفض الانبعاثات ستكون أقل بكثير من التكيف مع نتائجها لاحقاً. وفي غضون ذلك، تدفع شركات التأمين المزيد والمزيد كل عام في قطاع الشركات والقطاع الصناعي الذين يعربون عن القلق إزاء تغير المناخ باعتباره خطراً يهدد أعمالهم. ولذلك، ينبغي النظر إلى القلة القليلة من المتشككين الذين يحاولون بث بذور الشك نظرة تضعهم في وضعهم الحقيقي: فهم يغردون خارج السرب ولا حجة لهم، ويكاد الزمن يتجاوزهم.

إن هناك مؤتمراً رئيسياً للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ تتوالى وقائعه الآن في نيروبي. وما يتهدده الخطر هو بالغ الأهمية بالنسبة إلينا. فتغير المناخ له آثار بالغة على سلامة حال الإنسان بكل جوانبها تقريباً، بدءاً من الوظائف والصحة إلى الأمن الغذائي والسلام داخل الأمم وفيما بينها. ومع ذلك فإن تغير المناخ ينظر إليه كثيراً جداً على أنه مشكلة بيئية بينما ينبغي أن يشكل جزءاً من الاهتمامات الإنسانية والاقتصادية الأعم. وإلى أن يحين الوقت الذي نعترف فيه بالطابع الشامل للخطر المحدق بناء فستظل استجابتنا أقل من المستوى المطلوب.

وإذا كان وزراء البيئة يسعون ببسالة إلى تعبئة العملا الدولي، فإن حلبة النقاش قد غاب عنها عدد كبير جداً من نظرائهم، من وزراء الطاقة والمالية والصناعة بل والدفاع والخارجية. فتغير المناخ يجب أن يكون من بين ما يهتمون به هم أيضاً. ولابد من تحطيم الحواجز التي كانت تفصل بينهم، حتى يمكنهم التفكير، بطريقة متكاملة، في كيفية «تحضير» الاستثمارات الهائلة في إمدادات الطاقة التي ستلزم لتلبية الطلب العالمي المتنامي على مدى السنوات الـ 30 المقبلة.

وكثيراً ما كانت السيناريوهات المتشائمة جداً التي أريد بها إصابة الناس بالصدمة لحملهم على اتخاذ إجراء تنتهي إلى عكس ما أريد منها، وقد حدث هذا أيضاً مع تغير المناخ في بعض الأحيان. إن تركيزنا لا يجب أن ينصب على الأخطار فحسب، بل أيضاً على الفرص التي يأتي بها تغير المناخ. فقد وصلت أسواق الكربون إلى ما بلغ حجمه 30 مليار دولار هذا العام، ولكن لاتزال طاقة هذه الأسواق غير مستغلة إلى جد كبير. وقد أصبح بروتوكول كبوتو معمولاً به بالكامل حالياً، بما يشمله من آلية للتنمية النظيفة يمكن أن تولد البلدان النامية 100 مليار دولار. ويشير الاستعراض الذي أجراه السير ستيرن إلى أن من المحتمل أن تبلغ قيمة أسواق منتجات الطاقة القليلة الكربون إلى ما لا يقل عن 500 مليار دولار كل عام بحلول العام 2050. بل إن من المحير اليوم أن هناك تكنولوجيات ومعارف فنية موافرة للطاقة ومتاحة بسهولة لا تستخدم حالياً بصورة متزايدة، على رغم أن استخدامها سيعود بالنفع على الأطراف كافة وسيقلل التلوث والاحترار وسيزيد من الطاقة الكهربائية والإنتاج. وتقليل الانبعاثات ليس معناه تقليل النمو أن خنق التطلعات الإنمائية لبلد ما. ويمكن أن تستخدم الوفورات المتحققة لشراء وقت يُستغل في تنمية مصادر الطاقة الشمسية والطاقة المستمدة من الرياح وغيرها من مصادر الطاقة البديلة وجعلها أكثر فعالية من حيث الكلفة.

وينبغي عدم السماح للجهود المبذولة لمنع الانبعاثات في المستقبل بأن تلفت الأنظار عن الحاجة إلى التكيف مع تغير المناخ، فذلك سيكون مسعى بالغ الضخامة بالنظر إلى الكميات الهائلة من الكربون التي تراكمت حتى الآن. كما أن أشد بلدان العالم فقراً، التي يوجد كثير منها في إفريقيا، هي الأقل قدرة على النهوض بهذا العبء الذي لم يكن لها دور يذكر في إيجاده، وستحتاج إلى المساعدة الدولية إذا أريد وقف عرقلة جهودها المبذولة لبلوغ الأهداف الإنمائية للألفية.

ولكن لايزال الوقت متاحاً لأن تغير كل المجتمعات مسلكها. وعلينا ألا نخاف من الناخبين أو نبخس تقدير رغبتهم في توظيف قدر كبير من الاستثمارات وإحداث تغيرات طويلة الأجل. فالناس لديهم رغبة قوية في القيام بما يلزم من عمل لمواجهة هذا التهديد والانتقال إلى نموذج إنمائي أسلم وأكثر أماناً. ويتزايد عدد الأعمال التجارية الراغبة في فعل المزيد، وهي تنتظر فقط الحوافز المناسبة. إن مؤتمر نيروبي يمكن - بل يجب - أن يكون جزءاً من هذا الزخم الحيوي. ويجب أن يبعث برسالة واضحة وموثوقة مؤداها أن ساسة العالم يأخذون تغير المناخ بجدية. والمسألة ليست هي ما إذا كان تغير المناخ يحدث فعلاً، بل ما إذا كنا نحن أنفسنا قادرين، في مواجهة حالة الطوارئ، على أن نتغير بالسرعة الكافية

العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً