العدد 1535 - السبت 18 نوفمبر 2006م الموافق 26 شوال 1427هـ

تطور الفكر والعمل الخليجي بشأن المياه... الوضع الراهن (6)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

في المقال السابق تم استعراض تطور الفكر والعمل الخليجي في مجال المياه في الخمس سنوات الماضية، وذكر أنه خلال هذه الفترة بدأت بعض دول المجلس في التعامل بجدية أكبر مع المشكلة المائية واتخاذ خطوات جريئة في هذا المجال بعد أن أثبت أسلوب زيادة الإمدادات المائية فشله في تحقيق قدر معقول من استدامة موارد المياه أو توفير الأمن المائي لدول مجلس التعاون، بل نتج عنه الكثير من أنماط الاستهلاك غير المستدامة، وأن هناك ضرورة للتوجه نحو جانب إدارة الطلب والتنظيم والترشيد إذا أريد التخفيف من المشكلة المائية. وقامت بعض الدول بإعادة النظر في الترتيب المؤسسي لإدارة الموارد المائية بتوحيد الجهات المسئولة عن الموارد المائية والبدء في صوغ سياسات مائية وطنية متكاملة، وبعضها في إعادة النظر في السياسات الزراعية لتقليل الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي، كما بدأت جميع هذه الدول في النظر بجدية في قضية إشراك القطاع الخاص لرفع الكفاءة وتقليل الإعانات وخفض الأعباء عن كاهل موازناتها العامة وقامت بعض الدول بالخصخصة الجزئية لمرافق إنتاج التحلية.

وباستطاعة المرء أن يقول هنا إن كل دول مجلس التعاون أدركت في الوقت الحاضر أنه يتوجب عليها القيام بإصلاحات في سياساتها المائية لتحقيق إدارة فاعلة لمواردها المائية، بحيث ترتكز هذه الإصلاحات على تطبيق إجراءات إدارة الطلب والمحافظة على المياه وتطوير التدابير التشريعية والمؤسسية. وبأن التصدي للتحديات الكبيرة المرتبطة بإدارة موارد المياه يتطلب القيام بإصلاحات جريئة لكل من المؤسسات والسياسات المائية الحالية في دول المنطقة على حد سواء، لإنشاء بيئة ملائمة ومُمكّنة لإدارة الموارد المائية.

معدل استهلاك الفرد الخليجي من المياه

وعلى رغم اعتبار هذه المرحلة بمثابة منعطف مهم وواضح في تطور الفكر والعمل الخليجي في مواجهة تحديات المشكلة المائية في بعض الدول، فإن الكثير من مشكلات وقضايا قطاع المياه الملحة لم يتم التعامل معها بجدية إلى الآن، مثل ارتفاع متوسط استهلاك الفرد من المياه البلدية، إذ تدل التقارير على ارتفاع هذا المعدل وتزايده مع الوقت، ويصل هذا المعدل إلى نحو 745 لترا/ يوم في قطر ونحو 630 لترا/ يوم في الإمارات ونحو 500 لتر/ يوم في الكويت والبحرين، والتي تعتبر معدلات عالية جداً مقارنة بالمعدلات العالمية والتي لا تزيد في أسوأ الأحوال عن 300 لتر/ يوم.

وترجع أسباب هذه الزيادة في معدل استهلاك الفرد لعدة أسباب منها حجم التسربات الكبير من الشبكة البلدية (تصل في بعض الدول إلى 40 في المئة)، وعدم معالجة قضايا الرسوم والعدادات وإصدار الفواتير والتحصيل. فعلى سبيل المثال تستخدم بعض الدول أنظمة رسوم موحدة من دون النظر إلى معدلات الاستهلاك، بينما تقوم بعض الدول بإعفاء المواطنين من دفع أية رسوم مقابل المياه المستخدمة، ما يسهم في الإسراف في استخدام المياه واستمرار عدم كفاية الوعي المائي، مؤدياً إلى انخفاض معدلات استرداد التكاليف وزيادة الإعانات وإرهاق موازنات دول المجلس.

هذا ولم تنظر دول المجلس إلى الآن في تطبيق الأدوات الاقتصادية كأحد الأدوات الإدارية الفعالة في إدارة الموارد المائية، ومنها وضع التعرفة المناسبة لاستخدامات المياه في القطاعات المختلفة، ليس بهدف تغطية الكلف واستدامة خدمات المياه والموارد المائية فحسب، بل كذلك لزيادة كفاءة الاستخدام. وفي القطاع الزراعي، المستهلك الأكبر للمياه الجوفية، وبالرغم من تدهور المياه الجوفية بسبب السحب المفرط لها مازالت هذه المياه تستخدم بشكل مجاني، بل وفي بعض الأحيان يتم دعم حفر الآبار من قبل الحكومات، وبشكل غير مقنن وغير منظم، ولا ينظر بعقلانية إلى طاقة هذه المصادر الطبيعية واستدامتها المستقبلية.

كما يبدو أن عدم كفاية الوعي المائي في المجتمع الخليجي مازال يمثل عائقاً في إدارة الموارد المائية والمحافظة عليها، والذي من الممكن أن يلعب دوراً حاسماً في تخفيف حدة المشكلة المائية. و بينت التجارب أن المجتمعات التي تثمن هذه الموارد وتقدر قيمتها هي الأكثر قدرة على التكيف مع ندرتها، بل وتستطيع قلب المعادلة السالبة وتعظم القيمة المضافة لها. ويبدو كذلك أن النهج التشاركي، أي إشراك القطاعات والمجتمع المدني (مشكلة مجتمعية عامة في دول المجلس) وذوي العلاقة بالمياه واستخداماتها في حل المشكلة المائية والمحافظة على الموارد المائية، مازال غائباً في نهج الإدارة المائية المتبعة في معظم دول المجلس.

من جهة أخرى، يعتبر موضوع عدم كفاية القدرات البشرية الوطنية والضعف النسبي في المجالات ذات الصلة بتخطيط الموارد المائية واستخدام المنهجيات والتقنيات العلمية الحديثة من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع المياه في دول المجلس، ويرجع ذلك إلى عدم الاهتمام ببناء القدرات البشرية والتدريب في هذه المجالات الإدارية والتركيز على الجوانب الفنية في المرحلة السابقة، وحالياً تفتقر دول المجلس عموماً إلى ربط البحث العلمي بتخطيط وإدارة الموارد المائية وإجراء الدراسات المستقبلية وبناء السيناريوهات وإتباع منهجيات التخطيط متعدد المعايير كأجزاء مهمة في التخطيط الاستراتيجي لقطاع المياه، لاستباق المشكلات واختيار الحلول المثلى لمواجهتها على المدى الطويل.

وعلى رغم وجود الكثير من مراكز البحث العلمي والجامعات في المنطقة، فإن ضعف ترابط الباحثين ومسئولي المياه وعدم وجود تعاون بين الجهات البحثية والجهات المسئولة عن المياه (وهي مشكلة مجتمعية عامة أخرى في دول المجلس) أدى إلى قلة الاستفادة من هذه المراكز العلمية في إجراء البحوث والتدريب وبناء القدرات للقطاع المسئول عن المياه.

وفي 2005 عقد مؤتمر الخليج السادس للمياه في دولة الكويت تحت شعار «المياه في الخليج... نحو إدارة متكاملة»، وحضر المؤتمر نحو 250 مشاركاً. وركزت مواضيع المؤتمر على تخطيط وإدارة الموارد المائية وإدارة المياه في القطاعات الرئيسة المستهلكة (البلدي والزراعي والصناعي)، ومشاركة مستخدمي المياه والتوعية المائية، والبيئة والصحة، وتقنيات المياه، وأدوات تخطيط المياه.

وقد مثل المؤتمر فرصة لمراجعة وتقييم التقدم المحرز في دول المجلس نحو تحقيق الهدف الذي اتفقت عليه جميع دول العالم، بما فيها دول المجلس، في قمة الأرض حول التنمية المستدامة بجوهانسبرغ (2002) والمتمثل في تبني سياسات واستراتيجيات الإدارة المتكاملة للموارد المائية وتطبيقها بشكل فعال في كل دول العالم بحلول العام 2005. وتبين أن معظم دول المجلس، باستثناء سلطنة عمان، لم تحقق هذا الهدف الذي صادقت عليه!

وقد نادى المؤتمر باعتبار المياه ثروة وطنية ينبغي إدارتها على أنها سلعة عامة بدول مجلس التعاون، وأن يتم جدولة وضع المياه على قائمة الأولويات الوطنية بدلاً من وضع قضية تزويدها كأولوية وطنية كما هو حالياً، وكذلك باعتبار أن مسئولية المياه هي مسئولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص مع ضرورة إشراك المستهلكين كطرف ثالث رئيس مستفيد، يمكنه تفعيل زيادة كفاءة الاستخدام والمحافظة على هذا المصدر. كما أوصى المؤتمر بدراسة جميع الخيارات المتاحة لمشاركة القطاع الخاص في مجالات المياه المختلفة، وأن تكون أهداف الخصخصة واضحة ومحددة في دول المجلس، وألا تكون هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق هدف أسمى وهو زيادة الكفاءة الاقتصادية وتحسين جودة الخدمة، مع الأخذ في الاعتبار ذوي الدخل المحدود.

أما بالنسبة للقطاع الزراعي، فقد نادى المؤتمر بوضع سياسات وخطط زراعية واقعية تتلاءم مع قدرة الموارد المائية المتاحة من موارد مائية متجددة ومياه صرف صحي معالجة، والتوجه نحو طرق الري والزراعة الحديثة، مثل الزراعة بدون تربة والزراعة المحمية، لخفض استهلاك المياه في القطاع الزراعي وزيادة المردود الاقتصادي من المياه. وحذر المؤتمر من التبعات الاقتصادية والاجتماعية لنضوب المياه الجوفية غير المتجددة، وضرورة وضع وتطبيق استراتيجيات مستقبلية تشمل خيارات اقتصادية واجتماعية متوازنة لاستخدام مخزون هذه المياه والتحول إلى اقتصاديات أقل اعتماداً على المياه، وتوفير المصادر المائية البديلة لمرحلة ما بعد نضوب هذه الموارد.

في المقال المقبل والأخير، سنلقي نظرة تحليلية شاملة على ما توصل إليه الفكر والعمل الخليجي في مجال المياه

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1535 - السبت 18 نوفمبر 2006م الموافق 26 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً