العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ

المصيدة الانتخابية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اللجنة المشتركة لمراقبة الانتخابات تدعي في تقريرها المرحلي عن انتخابات 2006 بأن إجراءات العملية الانتخابية في المراكز العامة سليمة، على رغم الملاحظات التي سُجلت لبعض الممارسات غير «المنسقة»، وهي ملاحظات بحسب زعمها بسيطة لا تؤثر على سير العملية الانتخابية والنتائج، فيما لائحة الطعن التي دفعت بها المترشحة النيابية منيرة فخرو إلى محكمة التمييز تؤكد خلاف ذلك، ما معنى هذا؟

المعنى نجده في التفاصيل التي تضمنتها كل من لائحة الطعن، وتقرير لجنة المراقبة في توصياتها. فالأخيرة ترى أن توصياتها تحقق مراقبة حقيقية للانتخابات. من تلك التوصيات، اعتماد طريقة موحدة للإعلان عن نتائج الفرز، وهذه الطريقة تتضمن: كشفاً عن عدد من يحق لهم الاقتراع بحسب كشوف الناخبين التي سلمت للمترشحين، وآخر عن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، وعدد البطاقات التي سلمتها اللجنة العليا للإشراف على سلامة الانتخابات، وعدد البطاقات التي صرفت للمقترعين، وعدد البطاقات الموجودة في صناديق الاقتراع، وأعدادها الصحيحة والملغاة والبيضاء والباطلة والمستبدلة والتي نُظر في أمرها من قبل لجنة مركز الاقتراع والفرز، هذا إلى جانب جرد كامل ومدقق للأصوات التي حصل عليها كل مترشح، فضلاً عن التزام لجان مراكز الاقتراع والفرز واللجان المسئولة عن المراكز العامة بالآلية القانونية المتعلقة بكيفية تصويت الأشخاص من الأميين وكبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة. كل ذلك، بحسب التقرير، أقل مما تترقبه لجنة المراقبة من اللجنة المشرفة على الانتخابات! بمعنى، أنها اشتراطات مستوجبة لكي يدلي بالرأي أن الرقابة على الانتخابات سواء أكانت سليمة أم شابها الانحراف والتزوير.

السؤال موجه إلى اللجنة: هل تم تطبيق وتتبع الحد الأدنى من تلك الإجراءات، حتى يتم إصدار الحكم المرحلي بأن ما تم كان سليماً؟ ولاسيما أن التقرير ألمح إلى وجود تباين في أشكال الإعلان عن النتائج من مركز اقتراع وفرز إلى آخر في غالبية المراكز، إذ أعلن رئيس اللجنة عن عدد الأصوات التي حصل عليها كل مترشح، فيما لم يتم الإعلان عن النتائج العامة في مراكز الاقتراع والفرز. ورفض رؤساء اللجان إعطاء أي من المعلومات التي طلبتها فرق المراقبة التابعة للجنة المشتركة. أما الوقائع التي أبرزتها لائحة الطعن، فهي تؤشر إلى انعدام الرقابة الفعلية في اللجان العامة للانتخابات أصلاً، سواء أثناء عملية الاقتراع أو الفرز، ما رجح كفة منافس المتقدمة بلائحة الطعن في الحصول على 1191 صوتاً من المراكز العامة العشرة، مقابل 331 صوتاً فقط لها، و2868 له في مركز الاقتراع للدائرة و2854 صوتاً لها، أي بفارق 14 صوتاً فقط، هذا في الوقت الذي نادت فيه المعارضة السياسية وبح صوتها لإلغاء المراكز العامة لأن وجودها مخالف للقانون ويثير الشكوك والتوجس.

تضمنت اللائحة أيضاً إشارة إلى أن غالب المترشحين المنتمين إلى الجمعية نفسها التي ينتمي إليها المنافس قد فازوا بحصولهم على أعلى الأصوات في المراكز العامة. وعليه، هل يجوز القول بسلامة الإجراءات الرقابية في هذه الحال؟ هناك أمر آخر تمت الإشارة إليه ويدعو إلى الشك والريبة، وهو عدم ختم جوازات سفر بعض الناخبين، ما يعنى احتمالية تصويتهم أكثر من مرة، وما يزيد الطين بللاً هو الفيلم الذي تم تبادله في المواقع الإلكترونية وبه صورة جواز لطفل لم يتجاوز عشر سنوات، تم ختمه بختم «انتخابات 2006»، ما يدلل على أن جواز هذا الطفل قد تم استخدامه من قبل أحد ما لا يستحق التصويت. الرقابة منقوصة، ونسبية من مركز إلى آخر، هذا ما تشير إليه لائحة الطعن في خروج الناخبين من اللجان الانتخابية وعودتهم ثانية إليها من جديد للإدلاء بأصواتهم، هذا بالضبط ما يعني وجود تلاعب في الأصوات. تزعم لائحة الطعن، بأن رئيس اللجنة الانتخابية كان يؤشر على مترشح لا يرغب الناخب المسن أو الأمي أو ذوي الاحتياجات الخاصة في التصويت له، كما تؤكد اللائحة على غياب وكلاء المترشحين في اللجان العامة أثناء عملية الفرز، ما يثير الظنون في نزاهة فرز الأصوات المدلى بها. جمعية الشفافية بدورها، انتقدت تأخير إعلان نتائج التصويت وأرجعت السبب إلى نقص في تدريب أعضاء اللجان الانتخابية، بيد أن لائحة الطعن ترى أن السبب يكمن في شكوك تدور حول نزاهة عملية الاقتراع والفرز برمّتها، والتي تطالب بإعادة فرزها أمام عدالة المحكمة تحقيقاً للعدالة والإنصاف.

إن تقديم لجنة مراقبة الانتخابات حزمة التوصيات في بداية تقريرها، وما جاء في لائحة الطعن يحتمل أمراً واحداً، تحدثت عنه مداراة وتوجساً لجنة المراقبة، بينما طرحته لائحة الطعن بجرأة وشفافية، الأمر المحتمل والذي لا يقبل الشك بأن إجراءات الانتخابات التي جرت حديثاً في الدوائر التي ترشحت فيها شخصيات معارضة للنظام السياسي، قد رافقها انحرافات انتخابية. ومما لا جدال فيه كما هو متعارف عليه عالمياً، أن الإشراف الدولي على الانتخابات، فضلاً عن الإشراف القضائي على سير العملية الانتخابية ولجانها الفرعية والعامة يفترض منه القضاء على أي انحراف أو غياب للنزاهة. ولكن ما القول في غياب الإشراف الدولي، وانعدام التزام المراكز العامة بالآلية القانونية المتعلقة بكيفية التصويت التي أشرنا إليها أعلاه لأشخاص أميين وكبار في السن وذوي احتياجات خاصة. في الأعراف الدستورية يسمى هذا السلوك «انحرافاً انتخابياً» ومن أبرز مظاهره التزوير. يشير الباحثان علاء الدين عرفات وسارة بن نفيسة، في دراسة لهما بعنوان: «الانتخابات والزبائنية السياسية في مصر»، إلى ما ذكره آن جايجو: «إن المعايير تولّد الانحراف والعكس صحيح، فكلما ازداد تحديدها صرامة حرض ذلك على اختراع أساليب جديدة، وفي الوقت الذي ازدادت فيه المطالبة بأن تكون الانتخابات صحيحة ونزيهة أخذت الممارسات تنحرف...». هذا ما يدعو إلى التساؤل: هل الإصرار على المراكز العامة ورفض الرقابة الدولية، أدى إلى انعدام نزاهة الانتخابات الأخيرة وانحرافها؟ ذلك ما يدعو إلى أن يكون حكم لجنة المراقبة المشتركة على سلامة الانتخابات من عدمها، متناسباً لمستوى دقتها في نقل الوقائع!

إلى ذلك، يرى الباحثان، أن عملية الانحراف أو التزوير الانتخابي تعني إلماماً بالقواعد الانتخابية، وتعني من جهة أخرى إخلالاً في علاقة القوة بين المترشحين المتنافسين. إن ذلك يتطابق مع ما بينته نتائج المراكز التي ترشحت فيها المعارضة السياسية والتي أجبر مترشحوها على خوض دور ثانٍ بسبب تشتت أصوات ناخبيهم وزج العسكريين وتوجيههم في التصويت. يجد الباحثان أن الانحراف والتزوير الانتخابي يأخذ وضعه «الأعلى» و»الأسفل»، فالأول حكومي ومفروض ويتم في لجان الانتخاب من قبل الجهات العليا أثناء عملية الفرز وعد الأصوات. إن تعبيراته في تجربة الانتخابات البحرينية الأخيرة فاقعة، فيما أوردته الصحافة وما ذكرته لجنة المراقبة إلى ورود أنباء عن وجود توجيهات لمنتسبي السلك العسكري بالتصويت لبعض المترشحين الحكوميين في كثير من الدوائر الانتخابية في المحافظات المختلفة، بيد أن اللجنة من المؤسف، تستدرك أمرها قائلة: «إنها لا تمتلك دليلاً بيناً يؤكد هذه الأنباء». والسؤال: كيف يمكن للعسكري المنضبط أن يبوح ويدلي بشهادته البينة والقاطعة للجنة، بأن قيادته قد وجهته وضغطت عليه؟ أما النوع الثاني من الانحراف والتزوير فيأتي من «الأسفل»، أي من القاعدة، ويحدث في اللجان الفرعية والعامة ويقوم به أنصار المترشحين العاملون في اللجان الانتخابية، ولنا في ختم جواز الطفل مثالاً على هذا النمط من التزوير، فضلاً عما جاء في تقرير اللجنة المشتركة عن السيدة التي خرجت ببطاقة اقتراع من دون قيام الجهاز الآلي بإرسال إشارة صوتية تشير إلى خروج بطاقة اقتراع خارج القاعة، إذ تبيّن لاحقاً أن الجهاز لا يعمل بصورة طبيعية، أو عدم التحقق في بعض الدوائر من هوية المنقبات، أو قيام العاملين بوضع الختم في الصفحة الأخيرة من جواز الناخبين بدلاً من الصفحة الأولى، أو عدم ختم عدد محدود من جوازات المقترعين. هذا إلى جانب تكرار المشكلات التقنية في الحواسب الآلية ولفترات طويلة كما حدث في مركز اقتراع جسر الملك فهد.

هكذا، حين تسير العملية الانتخابية البحرينية عبر ممارسة الانحرافات الانتخابية ومكائد اللحظة الأخيرة كما في تجربة منيرة فخرو، فضلاً عن التغاضي عما جرى من خروقات في تدوير المال السياسي للحملات الانتخابية والقذف والتشهير بحق المتنافسين في ظل تطبيق قانون رادع لذلك، وعدم أخذ تلك الوقائع من قبل المراقبين على محمل الجد والمحاسبة والصرامة، وحينما لا يفي الإشراف الرقابي بمطلب توفير نزاهة حقيقية وضمانات في كل المراكز واللجان الانتحابية على قدم المساواة، فإنه يتوجب على المواطن البدء بالمناداة «بتطهير عملية الانتخاب» قبل أن يصيبها داء التلوث الذي اشتهرت به الدول النامية، والتي حكم ديمقراطياتها العريقة الغش والتدليس والخداع وتزوير الإرادة الشعبية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً