العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ

المياه والتنمية البشرية... الزراعة تواجه أزمة مستقبلية

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

يشير تقرير التنمية البشرية للعام 2006 الصادر بعنوان: «ما هو أبعد من الندرة: القوة والفقر وأزمة المياه العالمية» إلى أن المزارعين الفقراء في أنحاء العالم يواجهون ما يمكن أن يكون أزمة مياه كارثية بسبب ترافق التغير المناخي مع المنافسة على الموارد المائية الشحيحة وأنهم معرضون لأن يصبحوا غير قادرين على كسب قوتهم. ويرى التقرير أن التحدي الأكبر في المستقبل هو كيفية إدارة الموارد المائية في مواجهة اشتداد المنافسة على المياه والتغير المناخي لتلبية الحاجة المتنامية للغذاء، وفي الوقت ذاته حماية إمكان المزارعين الصغار والفقراء في الوصول إلى المياه. ويشير التقرير إلى أن اشتداد المنافسة على المياه يمثل حالياً التهديد الأكبر للتنمية البشرية المستدامة، إذ إن الطلب المتزايد على المياه بسبب النمو السكاني، وانتشار المناطق الحضرية، ونمو القطاع الصناعي، بالإضافة إلى أن زيادة حمولات التلوث للمياه الطبيعية، يسبب إجهادات لا سابق لها على الأنظمة المائية، وكذلك على القطاع الزراعي المستخدم الأكبر للمياه. ومع اشتداد المنافسة، من المرجح أن تزداد النزاعات على الموارد المائية، ويكون المزارعون الصغار الطرف الخاسر فيها. وبالإضافة إلى هذه المنافسة على موارد المياه، تهدد ظاهرة تغير المناخ العالمي (ظاهرة الدفيئة) بتزايد انعدام الأمن المائي إلى مستوى غير مسبوق، إذ تشير نماذج محاكاة المناخ العالمي إلى أنه من المتوقع أن يكون المناخ أكثر سخونة، وبالتالي ستزداد معدلات البخر من أسطح التربة والنباتات، مؤدية إلى زيادة الرطوبة في الجو وزيادة حالات الأمطار الشديدة والأعاصير، وستؤدي عموماً إلى تقلبات حادة في الجو تزيد من فترات الفيضانات والجفاف وبشكل أكثر حدة مما هي عليه الآن. كما تشير الدراسات المستقبلية إلى أن ظاهرة تغير المناخ ستكون مسئولة عن 20 في المئة من ندرة المياه المتوقعة في المستقبل، ما سيؤدي إلى زيادة التحديات في إدارة الموارد المائية في جميع مناطق العالم الرطبة منها والجافة. ويرى التقرير أنه حتى في حال تطبيق وتنفيذ اتفاقات خفض انبعاثات الدفيئة من خلال التعاون الدولي، فإن التغير المناخي أصبح حالياً أمراً لا يمكن تجنبه. ومن المتوقع أن تعاني البلدان والشعوب التي لا تقع عليها أية مسئولية عن المشكلة أشد التبعات من هذه الظاهرة. ويوصي التقرير باتخاذ ثلاث خطوات عمل ضرورية وفورية لتجنب حدوث أزمة خطيرة تهدد المزارعين الصغار والفقراء في شتى أنحاء العالم، وهي: ترسيخ حقوق الفقراء في الريف، وزيادة إمكاناتهم في الحصول على أنظمة الري والتكنولوجيا الحديثة، ومساعدتهم على التكيف مع التغير المناخي الذي لا يمكن تجنبه. ففي مجال الري والتكنولوجيا، هناك ضرورة لتوفير طرق الري الحديثة ومساعدة المزارعين في تطبيقها ليس فقط لتخفيف آثار المنافسة على المياه على هؤلاء المزارعين والتكيف مع شحة المياه المتوقعة بسبب التغير المناخي، بل أيضاً للمحافظة على المياه وزيادة الإنتاج الزراعي. وفي مجال التكيف يشير التقرير إلى أن تغير المناخ ليس تهديداً ننتظر حدوثه في المستقبل، بل أصبح أمراً واقعاً، ويحتاج المزارعون، وخصوصاً الفقراء منهم، إلى مساعدات أكبر إذا كان يراد لهم التكيف معه. كما يوصي بزيادة المعونات الدولية المعنية بالتكيف لتكون بمثابة حجر الزاوية لإطار تعاون متعدد الأطراف للتعامل مع ظاهرة تغير المناخ. ويشير التقرير إلى أن الجهود التي بذلت لغاية الآن لمساعدة الفقراء على التكيف مع التغير المناخي غير كافية. فالمناطق الجافة أخذت تصبح أكثر جفافاً، والمناطق الرطبة أكثر رطوبة، كما ازداد انتشار الظروف الجوية المناخية غير العادية، وسيصبح الفقراء أكثر عرضة للجوع والفقر والتدهور البيئي، فهم عادة الأكثر تعرضاً لعوامل الطبيعة والأكثر اعتماداً عليها.

ويتوقع التقرير أن تكون الزراعة هي المجال الأكثر تأثراً من ظاهرة تغير المناخ، ففي بعض المناطق سيؤدي التغير في أنماط سقوط الأمطار وانخفاض توفر المياه إلى تقليص المحاصيل بمقدار الربع بحلول العام 2050. كما يتوقع أن يزداد معدل سوء التغذية في العالم بنسب تتراوح ما بين 15 إلى 26 في المئة، وقد يزداد عدد الأشخاص الذين يواجهون سوء التغذية ما بين 75 إلى 125 مليون شخص بحلول العام 2080.

ويشير التقرير إلى أن المعاناة من نقص المياه ليست مشكلة للأجيال المقبلة فحسب، بل هي موجودة في الوقت الحالي في الكثير من مناطق العالم، فعلى سبيل المثال يوجد في الوقت الحالي ثلاثة ملايين شخص في شمال شرق كينيا معرضون للمجاعة بسبب انحباس المطر، وتوجد هناك مجتمعات بأكملها تعتمد على تربية الماشية شهدت تناقصاً شديداً في أعداد الماشية وفي الممتلكات، ما تركها أكثر عرضة للأخطار المستقبلية، وتزايدت المواجهات العنيفة بين المزارعين وبين مربي الماشية بسبب التنافس على المياه، كما تراجع الناتج المحلي الإجمالي في كينيا بمقدار 16 في المئة بين عامي 1998 و2000 بسبب انحباس المطر. ويشدد مؤلفو التقرير على أن الكلف الاقتصادية الكلية قد تكون أكثر من ذلك بكثير، إذ لا تأخذ هذه الأرقام بالاعتبار التبعات المترتبة عن سوء التغذية، وانكماش الاستثمار في الزراعة، وتراجع الاستثمار في الصناعة. ويبين التقرير أن خسارة المزارعين أصبحت تتزايد بصفة مضطردة أمام الطلب المتزايد على المياه من قبل المدن والصناعات والخدمات الأخرى، إذ يتم تحويل مصادر المياه التي كانت تذهب إلى المزارعين بشكل مستمر إلى هذه القطاعات الحيوية بسبب العائد الاقتصادي لها مقارنة بالزراعة، إلا أن ذلك سيؤدي إلى عدم تمكن هؤلاء المزارعين الصغار والفقراء من إنتاج مورد غذائي آمن لأنفسهم، كما لن يستطيعوا منافسة كبار المنتجين، ناهيك عن منافسة القوى الزراعية الكبرى في العالم المتقدم التي تتمتع بإعانات هائلة.

وإذا تم أخذ الموضوعين الرئيسيين اللذين وردا في التقرير، أي المنافسة على الموارد المائية وظاهرة تغير المناخ العالمي وتأثيرهما على مستقبل القطاع الزراعي، ومحاولة ربطهما بالوضع في دول مجلس التعاون، فسنجد أن المنافسة بين القطاع الزراعي وبين القطاعات المستهلكة للمياه الأخرى هي في مراحلها الأولى. وتشير الدراسات المائية المتوافرة عن المياه في المنطقة إلى أن منافسة القطاع الزراعي تأتي أساساً من القطاع البلدي، وأن حصة الزراعة من المياه الكلية في دول المجلس انخفضت من أكثر من 85 في المئة في العام 1990 إلى نحو 80 في المئة في العام 2000. وفي ظل الطلب المتنامي للقطاع المنزلي والقطاعات التجارية الأخرى مثل السياحة والتجارة والصناعة، وفي ضوء المساهمة المحدودة للقطاع الزراعي في اقتصادات دول المجلس والخطوات التي اتخذتها بعض دول المجلس بخفض الإعانات الزراعية وبرامج الدعم، فإنه من المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض ويزداد تحويل المياه الطبيعية إلى القطاع البلدي والقطاعات المتنامية الأخرى ذات القيمة المضافة الأعلى. ولذلك فإن القطاع الزراعي في دول المجلس، إذا أريد له أن يستمر، مطالب بالتأقلم مع هذا التوجه منذ الآن لمواجهة انخفاض المياه المتاحة له في المستقبل، وكذلك للتكيف مع ظاهرة تغير المناخ (انظر مقال «تغير المناخ العالمي... التأثيرات المتوقعة على الموارد المائية»، «الوسط»، 16 أبريل/ نيسان 2006). وقد تكون أحد مناطق التكيف هي التوجه نحو الزراعات المحمية المتطورة، مثل الزراعة المحمية من دون تربة، التي أثبتت جدواها التقنية والاقتصادية في معظم دول العالم الجافة وتتناسب مع ظروف دول مجلس التعاون بسبب قضائها على الكثير من معوقات الزراعة في هذه الدول (المياه والمناخ والأراضي وضعف التربة)، كما أثبتت التجارب التي أجريت في جامعة الخليج العربي، أن هذا النوع من الزراعة يمكنه مضاعفة الإنتاج بمقدار يصل إلى عشرة أضعاف الزراعة الحقلية التقليدية، وتقليل استهلاك المياه بنسب عالية تصل إلى أكثر من 75 في المئة (سيتم التطرق إلى موضوع ثنائية المياه والزراعة ومستقبلها في دول المجلس في المقالات المقبلة). في المقال المقبل، وهو المقال الأخير من مقالات استعراض تقرير التنمية البشرية للعام 2006 وربطه بواقع دول مجلس التعاون، إلقاء الضوء سيكون على موضوع الصراع على الموارد المائية المشتركة?

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1563 - السبت 16 ديسمبر 2006م الموافق 25 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً