العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ

استعجلت الرحيل أبا جميل

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لايزال الجمري حياً في قلوبنا، ولاتزال عمامته البيضاء تملأ سماء البحرين إشراقاً ونوراً. حقاً إن الموت قادر على الإدهاش والإحياء معاً، فقد اختطف من بيننا أبونا وهو لا يكاد يفرح بتحقيق أمله العتيد والكبير، فقد عاش بالناس وللناس. لم يكن الجمري رجلاً حالماً بالمستحيل، أو غارقاً في الأوهام، بل كان مدركاً أن شعب البحرين قادر على التغيير. كان مشغولاً بهم الوطن، فودّعه الوطن كله، ليقول له: نم قرير العين يا أبا جميل فقد استعجلت الرحيل.

ما الذي جعل الجمري قائداً؟ يشير كريس هاجين في صحيفة الـ «وول ستريت» بعنوان «فلنتخلص من الإدارة»: «لا يريد الناس أن يُداروا، إنهم يريدون أن يُقادوا، فالقيادة تعمل في بيئة تقوم على الثقة بينما تقوم الإدارة على السيطرة عن طريق الخوف». فالقيادة تُعطى ولا تُطلب، فقد سيقت للجمري من دون أن يسير نحوها، فأصبح من القادة المؤثرين في الشارع البحريني. ربما نرى ان شخصية الجمري جاءت متفقة تماماً مع القدرات الخاصة التي يتحلى بها القادة الأكفاء، كما حددها الخبير في فن القيادة جون أداير وهي:

- ثقة الإيمان بأنفسهم بصورة يمكن أن يشعر بها الآخرون.

- توجيه المبادرات والمشروعات، والإصرار والمطالبة بمعايير مرتفعة.

- الدفء في العلاقات الشخصية، ورعاية الأفراد، ومراعاة مشاعر الغير.

- التواضع، والرغبة في الاستماع للآخرين وتحمل اللوم.

- التكامل الشخصي، والصدق مع النفس، مع الرشد والأمانة التي تولد الثقة.

- الإلهام المتعلق بجاذبية الشخصية بالنسبة للآخرين والقدرة على تحفيز الآخرين.

- الارتباط بالدور والخدمة من أجل قضية ما.

- إحساس واضح بالغاية والأهداف الواضحة، مع التركيز والالتزام.

أي مجتمع سياسي على الإطلاق، وفي مجتمعاتنا بالذات، لا يمكن فك الارتباط والتكامل بين العقيدة وبين القيادة السياسية، فهو غير وارد بكل المقاييس العقلية والمنطقية والدينية والفطرية، ويخرج عن دائرة المعقول تماماً، لذلك كان الالتفاف حول رجال الدين من الضرورة التي يقتضيها الشرع. والشارع الإسلامي الشيعي في البحرين ظل رافضاً للتمازج مع الحكومة ردحاً من الزمن، وظل يعاني من التهميش والإقصاء دهراً، ما جعل حلقة التباعد بين الطرفين تزداد اتساعاً، فجاء الجمري يطالب الإصلاح من روح الجماعة الواحدة بعيداً عن الطائفية، فأرسل من خلال حركته رسائل عدة، أولاً: إن الوطن للجميع، والكل مسئول عن تحمل التبعات، ثانياً: إن الشعب مصدر التغيير، مؤسساً لقاعدة التغيير من القاعدة بعدما كان العرف السائد في البحرين ان التغيير من رأس الهرم، ثالثاً: إن الشيعة لا يريدون الحكم بل يريدون أن يتمتعوا بحقوق المواطن على قدم المساواة مع الغير، رابعاً: العمل على إيجاد وطن بعيداً عن الازدواجية والاستحقاقات الطائفية، إنما يقوم على العمل المؤسساتي.

كان الجمري يجنح نحو العمل السياسي السلمي، فهو يرفض العنف ويؤمن بالحوار، كان يرى أن الزمن سيلعب دوراً مهماً في نهاية المطاف لصالح إرادة الناس إذ كانوا جادين في التغيير، وان الحرب ضد الحكومة لا تنفع، إذ انتهت حالة الثورة بل المطالبة بإصلاح الحكومة أجدى على ألا يكون من جانب واحد وبآلية واحدة، لذا قدّم الجمري نموذجاً مثيراً لرجل الدين، مبتعداً عن القيادة الكلاسيكية.

كان خطابه الديني السياسي في حضور دائم لأنه يمس جميع الفئات الاجتماعية، ويقدم أجوبة للأسئلة الحائرة، إضافة إلى ما اتصف به هذا الخطاب من الصدق والإقدام والجرأة، وعليه استقطب الجمري نوعاً من الإجماع والرضا الوطني، فاستحق ان يكون دون منازع رجل التغيير الأول. رحل الجمري بهدوء حزين وفي وقت نحن في أمس الحاجة إليه، في وقت نعاني فيه من شدّ وتوتر ونزاعات بين القوى المختلفة?

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً