العدد 1604 - الجمعة 26 يناير 2007م الموافق 07 محرم 1428هـ

مأساة كربلاء في وجدان الشاعر المسيحي بولس سلامة

لم يكنِ الشاعر بولس سلامة المسيحي الوحيدَ الذي آمن بنهضة الإمام الحسين (ع)، فمأساة كربلاء اتخذت طابعا عالميا؛ لأنها كانت رسالة للإنسانية جمعاء، سطّرت حروفها بالدم؛ ما جعلها تحفر في ذاكرة التاريخ، إلاّ أنه تميز بنظم ملحمة إسلامية بعنوان «عيد الغدير» في خريف العام 1947، ومحورها أهل البيت النبوي الشريف في أهم الحوادث التي ارتبطت بهم إلى ختام واقعة كربلاء، نظم فيها كل ما أيقظ وجدانه وأثار كوامن عقله باقتراح من العلامة السيدعبدالحسين شرف الدين.

ويمضي سلامة في تمهيده لملحمته مجيبا عما قد يتبادر إلى أذهان قرائه من استفهامات عن تصدي مسيحي لملحمة إسلامية بحتة قائلا: «أجل... أنا مسيحي ولكن التاريخ مشاعٌ للعالمين، وأنا مسيحيٌّ ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيقة. مسيحيٌّ ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها»، في إشارة إلى الإمام علي (ع). ويضيف «بقي لك أن تحسبني شيعيا، فإذا كان التشيع تنقصا لأشخاص أو بغضا لفئات أو تهورا في المزالق الخطرة فلست كذلك، أما إذا كان التشيع حبا لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين وثورة على الظلم وتوجعا لما حل بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التاريخ... فإني شيعي».

وسطر سلامة في ملحمته - التي اعتبرها مجموعة كبيرة من النقاد أنموذجا للتجربة الشعرية الناضجة فنيا - مجموعة كبيرة من القصائد التي انطلق فيها ممجدا القيم النبيلة التي نهض من أجلها الحسين بن علي (ع)، وقدّم أهله وأصحابه وروحه الطاهرة فداء لها. وما يرفع القيمة الفنية والأدبية لملحمته، استعانته بالمصادر التاريخية التي تعود معظمها إلى أهل السنة والجماعة، قطعا للظنّ والشبهات، إذ قال في مقدمته: «ولمّا عزمت على النظم انصرفت إلى درس المراجع التاريخية، ولكن قلّما اعتمدت على مؤرّخي الشيعة بل الثقات من أهل السنة والجماعة الذين عصمهم الله من فتنة الأمويين». وكانت قصائده ناطقة بأدق تفاصيل واقعة كربلاء مفصّلة الكثير من المعاني والمعاناة، فكان من أبياته عنها:

كسر النسر طرفه إعياء

بعدما قرح الجفون بكاء

لو أصاب الفرات رزء حسين

لانطوى النهر كالرداء انطواء

ولغاضت شطآنه واستطار الرمل

في خاطر الأثير هباء

ويقول في موضع آخر:

لا يموت الحسين إلاّ هصورا

لن يموت الحسين موت الشاة

والذي سيد الحسام أبوه

لا يعد المنون في الموبقات

إن صدرا يستهدف الحق صرفا

ليس يخشى طعن القنا والظبات

وفي موضع ثالث يصف المأساة:

خفق السهل رعدة واضطرابا

فالكنانات ملت النَشابا

ورمته إلى النحور بريدا

دمويا وقاتلا خضابا

السهام العطاش أردت عطاشا

والنجيع الكريم هلّ انسكابا

فأجاب الشوس الميامين بالنشاب

نثرا وبالحسام ضرابا

يا رجالَ الحسينِ قال حسينٌ

ظمئ السيف فامحضوه الشرابا

ويختم إحدى قصائده بقوله:

أي فضل لشاعر منك يعتام

اللآلي يصوغ منها رثاء

شاعر مقعد جريح مهيض

كل أيامه غدت كربلاء

ملحمة بولس سلامة شهادة للتاريخ على الظلم الذي حلّ بأهل البيت النبوي الشريف (ع)، وتخليدا لمآثرهم وفضائلهم بقلم مسيحي قال عن نفسه في إحدى قصائده الشهيرة مخاطبا الإمام علي (ع):

يا إمامَ الإسلام حسبي فخرا

أنني منك مالئ أصغريا

جلجل الحق في المسيحي حتى

عُدّ من فرط حبّه علويا

أنا من يعشق البطولة والإلهام

والعدل والخلاق الرضيا

فإذا لم يكن علي نبيا

فلقد كان خلقه نبويا

إلى أن قال:

يا سماء اشهدي ويا أرض قري

واخشعي... إنني ذكرت عليا

العدد 1604 - الجمعة 26 يناير 2007م الموافق 07 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:13 م

      ...

      طوبى لك من شاعر...‏ اقشعرت له البدون...‏ مسيحي علوي ‏...‏ وللحق صوان تصون

    • زائر 2 | 8:38 م

      عاشق بولس

      ياصاحب الغبطة _عشقك بالفطرة _وعلمك قطرة من بحر عليا

    • زائر 1 | 2:12 م

      طوبى لمن لا يرضى إلا بالحقيقة

      إلى السيد الأسد في قول الحق والحقيقة بولس سلامه إني أهنئك من قلب كقلبك عشق الحقيقة ولا يرضى بأقل منها إلا أنك أشجع مني فقول الحقيقه في وسط مسيحي -مع جل احترامي للمسيحيين ومعتقداتهم,ونحن نقدس السيد المسيح كما نقدس الحسن والحسين - ليس كقولها في وسط أخر وثق تماما" أن الله والسيد المسيح والحسن والحسين أحبوك يا سيد بولس سلامه وطوبى لك ولأمثالك

اقرأ ايضاً