العدد 1632 - الجمعة 23 فبراير 2007م الموافق 05 صفر 1428هـ

الحرية الاقتصادية وفوائدها الاسترجاعية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

طبقا لدراسات اقتصادية رياضية، فإن الحرية الاقتصادية، أو تطويراتها، تعمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي، إلا أن ظواهرها ستكون تحت سيطرة ظواهر مستوى التنمية الاقتصادية ورأس المال البشري. فهل تشير هذه النتائج - ضمنيا - إلى أن المناصرين أو المدافعين عن الرأسمالية وعن الحرية الاقتصادية يبالغون في قضيتهم؟ ليس ذلك على الإطلاق.

فكِّر في مستوى التنمية الاقتصادية التي تعمل على تحديد الفوائد الكامنة في الاسترجاعية. فعلماء الاقتصاد، العادة، يقومون بمناقشة أسباب وجود هذه الفوائد كالآتي: يمكن للاقتصاد الأقل تطورا أن يستعير أو يستلف التقنيات التكنولوجية ونماذج الأعمال التجارية وإجراءات التسويق من الدول الأكثر تطورا، وقد يكون التقليد أكثر سهولة وسرعة من الابتكار الذي تعتمد عليه الاقتصادات المتطورة الرائدة.

وهذه الفوائد تكون، من الناحية المعقولة ظاهريا، أضخم وأعظم عندما تكون مسـتويات الاسترجاعية معتدلة بحيث يسمح مستوى تكوين رأس المال البشري أن يتم الاستفادة واستغلال فرص الاسترجاعية، أو عندما يكون لدى الاقتصاديات الأقل تطورا نطاقا واسعا بالنسبة إلى إعادة توزيع العمالة بحيث يكون هذا النطاق أكبر من الأعمال الأقل إنتاجية في الزراعـة ليصل إلى الأعمال الأكثر إنتاجية في مجال الصناعة أو في الخدمات، أو على سبيل الاحتمال، عندما يكون من السهل أن يتم إيجاد استثمارات مربحة في الدول النامية، ولنفترض أنها ستكون في مجال البنية التحية للنقل، بحيث يكون أكثر سهولة من إيجاد مثل تلك الاستثمارات المربحة في الاقتصاديات العالية التطور والتي تمت بها، وبشكل مسبق، تأسيس عدد كبير من الاستثمارات المهمة البارزة.

أود أن أؤكد ما هو واضح والذي ينزع، على رغم ذلك، إلى أن يتم نسيانه، وهو أن مصالح الاسترجاعية بالنسبة إلى بعض الدول النامية تستلزم وجود دول متقدمة. فإذا كانت الدول المتقدمة، ولنفترض أنها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية واليابان، غير موجودة، فإن نمور شرق آسيا الأوائل (كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة) لا يمكن لها أن تنمو بالسرعة التي نمت بها مطلقا، كما أنه من غير الممكن للصين والهند أن تحققا ما تحققانه هذه الأيام. وقبل أن يحل منتصف القرن العشرين وتبايناته السابقة المجهولة في الدخل في تلك الفترة بين المجتمعات الصناعية الغربية والدول الأقل تطورا، فإنه، في تلك الفترة، لن تجد، مطلقا، دولة كبرى يمكنها أن تحقق النمو الاقتصادي بشكل سريع كسرعة النمو الاقتصادي الذي حققته كوريا الجنوبية وتايوان خلال أعوام الستينات والسبعينات من القرن الماضي أو كما تقوم الصين بتحقيقه منذ أعوام الثمانينات من القرن الماضي وكما تقوم الهند وفيتنام بإنجازه في الوقت الحاضر. وهكذا، فإن عدم المساواة العالمية (أو التفاوت بين دول العالم) يعتبر جزءا أساسيا من فوائد الاسترجاعية، وان هذا التفاوت سينفع تلك الدول المتخلفة التي تعمل على الإمساك بالفرص المتاحة.

وتعتبر الدول المتقدمة والدول الحرة إلى حد ما دولا أساسية في استحداث الفرص الخاصة بالاسترجاعية. فهي تقدم أنموذجا ليتم تقليده وتوفر مصدرا للتكنولوجيا وسوقا خاصة بالمنتجات المنخفضة الأجور. فإذا أصبحت الدول المتقدمة غنية بشكل يسبق الدول الأخرى نظرا لأنها قامت بتأسيس وتثبيت حقوق ملكية سليمة خصوصا بالتجار وبالمنتجين بوقت أكر من الآخرين، ونظرا لأنها استفادت من حكومة محدودة بوقت أبكر من الآخرين، وقامت باختراع الرأسمالية واستفادت من الحرية الاقتصادية منذ البداية، ستكون، عندئذ فوائد الاسترجاعية إحدى ظواهر الحرية الاقتصادية أو الرأسمالية. إلا أن فوائد الاسترجاعية لابد أن تكون صغيرة قبل أن يتم تأسيس الرأسمالية نظرا لأن معظم الحضارات الكبرى (المكونة من عشرات الملايين من الأفراد) قد كان لديها آنذاك إيرادات متماثلة في الدخل لنصيب الفرد الواحد. وهكذا، فان فوائد الاسترجاعية تستحق أن يتم تفسيرها بحسب تفسير عالم الاقتصاد فريدرك هايك: لا تنحصر منافع الحرية، إذا، في الحرية... فمما لا ريب فيه أن الغالبيات غير الحرة على مدى التاريخ الماضي استفادت من وجود الاقليات الحرة وستستفيد المجتمعات غير الحرة في الوقت الحاضر مما ستحصل عليه وتتعلمه من المجتمعات الحرة.

هذه الإفادة تتفق مع العلاقة القائمة حاليا بين جمهورية الصين الشعبية والغرب كما لو أنها قد تمت كتابتها يوم أمس مع وجود هذا المثال تحديدا في الذاكرة. وفيما يخص اليابان والدول الآسيوية الأخرى التي تطورت بشكل مبكر كتايوان أو كوريا الجنوبية، يعمل أنموذج التطور الآسيوي الذي تم تمجيده والإعلان عنه من قبل واضعي النظريات التجارية الاستراتيجية بنجاح فقط إذا تم وضعه ضمن سياق الأنموذج الانجلو - أميركي في التجارة الحرة. فليس هناك من قام بالإثبات بأن اليابان أو أية دولة آسيوية أخرى ستكون قد حققت النجاح في تجارتها واستراتيجياتها الاقتصادية، مهما كانت درجات تدخل الحكومة، لو لم يكن لديها دخول ووصول إلى الأسواق العالمية، وخصوصا إلى السوق الأميركي. ولو تم عزو مثل ذلك النجاح إلى أنموذج التطور المتفوق في الصناعة المحلية فمن المرجح أن تشكل التكنولوجيا وتدخل السياسات التجارية، بناء على ذلك، نصف الحقيقة.

إن الأمر يبدو وكأن للحرية الاقتصادية في الاقتصاد العالمي - والذي يعني وجود اقتصادات حرة مهيمنة ورائدة - أهمية عليا في تحسين معدلات النمو الاقتصادي وفي التغلب على الفقر الجماعي في كل مكان آخر غير دول الغرب. إضافة إلى ذلك، فإن الحرية الاقتصادية داخل الأمم، أو تطويراتها، ستساعد أولئك الذين يقومون بممارستها وتطبيقها.

*بروفيسور علم الاجتماع لدى جامعة بون بألمانيا،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1632 - الجمعة 23 فبراير 2007م الموافق 05 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً