العدد 1634 - الأحد 25 فبراير 2007م الموافق 07 صفر 1428هـ

سر تخلف العرب في العصر الحاضر

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

كان المجتمع العربي قبل البعثة المحمدية مجتمعا أميا غارقا في متاهات الجهل والتخلف، يمارس أفراده طقوس الجاهلية والوثنية، يعبدون الأصنام، ويتعاطون الخمر، ويلعبون الميسر، ويتمسكون بعادات سيئة كوأد البنات والتعصب الأعمى، والحروب التي تهلك الحرث والنسل لسنوات طويلة لأسباب تافهة يمقتها العقل. وسيطرت الخرافات والأساطير على أفراد المجتمع العربي آنذاك وكان مبعثها الكهنة المستفيدون من تخلف القبائل العربية في العصر الجاهلي.

كانت الأمية هي سر تخلف العرب والسبب الرئيسي في تفشي تلك الأمراض الاجتماعية.

وقد شخص الرسول (ص) سرّ تخلفهم فوجده في جهلهم وأميتهم، وهذا ما جعل رسولنا الكريم يحارب الأميّة منذ البداية.

وتضمن القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث على العلم وطلبه، بل إنه الكتاب السماوي الوحيد الذي بدأ بكلمة (اقرأ). وصدحت أحاديث الرسول (ص) بالتعريف بأهمية العلم لدرجة قوله: «صداق المرأة تعليمها».

استطاع الرسول في فترة وجيزة تحقيق المعجزة، وهي تحويل المجتمع العربي الأمي المتخلف إلى مجتمع واع يقدر العلم وأهله، وعمل أفراده على تعمير الأرض، وبناء الحضارات بعد افتتاحهم البلدان في الشرق والغرب، وشهدت الحضارة العباسية والحضارة الفاطمية وحضارة العرب في الأندلس تطورات في مجال العلم والمعرفة، وأحرز العرب تقدما في جميع مجالات الحياة، وكان لهم الدور الرائد في نشر العلم والمعرفة، حتى أنهم توصلوا إلى صنعة الورق قبل غيرهم من الأمم. فقد أسس أول مصنع للورق في بغداد العام 794م، بينما أسس أول مصنع للورق في صقلية العام 1102م، وفي إيطاليا 1154م، وألمانيا في العام 1228م، وانجلترا في العام 1309م، أي بعد مضي 500 سنة على إنشاء أول مصنع للورق في بغداد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما سر تخلف العرب في وقتنا الحالي؟ والجواب بكل بساطة هو العودة إلى ما كانت تشكو منه القبائل العربية في العصر الجاهلي وفي مقدمة المشكلات، الأمية، فالأمية أصبحت منتشرة في الوطن العربي حاليا لدرجة أن معدلها وصل إلى 40 في المئة من السكان، وكان من نتيجة ذلك بروز الأمراض الاجتماعية التي كان يعاني منها العرب في العصر الجاهلي من جديد. فقد تفرقت الكلمة وعمّت الفوضى، وبرزت نتيجة الجهل والتخلف ظاهرة التعصب المذهبي الأعمى الذي وصل حده إلى تكفير المسلم أخاه المسلم، مما ينذر بعودة العصبية البغيضة إلى العرب من جديد، ولكن بصورة أخطر مما كانت عليه في الجاهلية.

ومن يذكر أن الكثير من المتعلمين المثقفين العرب هم الذين يروّجون فكرة بث العصبية الجاهلية من جديد. ويكفي أن يشاهد المرء المحطات الفضائية؛ ليجد التناحر بين المسلمين أنفسهم في الكثير من البرامج، إذ يصل الأمر إلى القذف والسب والشتم وهي أمور خارج قيم الدين الإسلامي.

إن التعصب المذهبي أدى إلى خسارة العرب كل شيء، وأصبحوا أمة ضعيفة واهنة، ينظر إليها الآخرون بأنها أمة الإرهاب لما يشاهدونه من قتل بعضهم بعضا والتمثيل بالجثث، وقطع الرؤوس والأعضاء والاعتداء الفاحش على النساء والأطفال.

ومما زاد الطين بلة صدور فتاوى من بعض علماء المسلمين يحللون دماء بعضهم بعضا لدرجة أن من يقتل الآخر من دينه، ولكن من خارج مذهبه يذهب إلى الجنة تزفه الحور العين جرّاء ما قام به من عمل فاحش وممقوت.

لم يكن التعصب المذهبي هي الظاهرة السيئة الوحيدة، بل تلتها ظاهرة التعصب القبلي والاثني كما كان الحال أيام الجاهلية، وقد زاد ذلك من معاناة الأمة العربية ودخولها في حروب أهلية كما يلحظها الجميع في بعض البلدان العربية. وفي فترة امتدت العصبية إلى الأحزاب، كالحزب الشيوعي والقومي والبعثي وغيرها من الأحزاب، وأخذت المؤامرات والدسائس تعمل فعلها في تفريق الكلمة.

ومن الغريب أن يمتد التعصب المذهبي والقبلي من الدول العربية إلى بعض الدول الإسلامية وهي دول ليست بعيدة عن المحيط العربي. وفي المقابل نرى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا واليابان والصين وغيرها ينعمون بالهدوء والانسجام والوئام، على رغم وجود اثنيات أو قوميات متعددة، وأديان متنوعة، ومذاهب مختلفة، إلا أنها أمم متعلمة مثقفة واعية، آمنت بالعلم فابتعدت عن التعصب الأعمى، وأدركت أهمية وجود الإنسان على هذه الأرض ؛ليعمر الكون، أخذت من قيم الإسلام ومبادئه الشيء الكثير، فهم لا يفرقون بين هذا، وذلك إلا بعلمه ومهارته وقدراته وإبداعاته.

في الجانب الآخر تعيش الأمة العربية جرّاء تخلفها عن ركب العلم والمعرفة ظاهرة الضعف والتمزق - وكأنّ التاريخ يعيد نفسه - وقد أدى ذلك إلى هيمنة الأجنبي على مقدرات الوطن العربي.

إن إصلاح الأمة العربية يكمن في التمسك بقيم الإسلام التي تمسكت بها الأمم الأخرى من غير الديانة الإسلامية، والمتمثلة في الحث على العلم، والتسامح والابتعاد عن روح العصبية مهما يكن نوعها ؛لأنها سر تخلف العرب وعامل تمزقها وتفتيت وحدتها.

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 1634 - الأحد 25 فبراير 2007م الموافق 07 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً