العدد 1661 - السبت 24 مارس 2007م الموافق 05 ربيع الاول 1428هـ

حساب «العراق الجديد» في الميزان!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

قبل أربع سنوات من الآن وفي مثل هذه الأيام بالذات، وبينما كانت القوات الغازية تتقدم بسرعة نحو عاصمة الرشيد بغداد وهي تحرق الأخضر واليابس غير عائبة بأحد، سألت المعارضة العراقية في حينها وفي مقال نشر في صحف المهجر العربي تحت عنوان «بأي وجه ستدخلون؟» الأسئلة الآتية:

1- ماذا سيكون حجم مسئوليتكم في الخراب والدمار اللذين سيحصلان في نفوس العراقيين ودمائهم التي سالت وستسيل من غير ذنب وانتم تعرفون أن صدام حسين لطالما قال انه مستعد لحرق العراق بأكمله إذا ما هدد بالترحيل النهائي تحت وطأة السلاح؟!

2- ما موقفكم الفعلي والحقيقي تجاه زملاء لكم ومنضوين بين صفوفكم الذين أعلنوا ودون مواربة بأن ما سمعوه من أصوات القنابل والصواريخ وهي تنهال على العراق «أعذب من أجمل موسيقى سمعتها أذناي في حياتي» كما ورد في مقال نشر لكنعان مكية في الصحافة الأميركية أو الذين قالوا: إن اليهود العراقيين سيكونون درة التاج العراقي»! كما ورد في تصريحات علنية لاحمد الجلبي، أو الذين باعوا نفط العراق ورهنوه لدى الشركات الأجنبية قبل دخولهم العراق كما ورد في التقارير التي تسربت آنذاك - وها هي الأيام تثبت ما ذهبنا إليه آنذاك من خلال قانون النفط العراقي الجديد الذي تستنكره العقول الغربية النيرة والحرة قبل العقول العراقية!

3- ما هو حجم مسئوليتكم عن اخطار الحروب الأهلية والفتن العرقية والطائفية المتوقع اندلاعها لا سمح الله في العراق الجديد بعد كل الذي حصل من انتهاك لكل اشكال الحرمات؟!

4- ما هو حجم مسئوليتكم التي سيسجلها التاريخ في الترويج لمقولة مناشدة الأجنبي والاستقواء به لتغيير السلطة في أقطار العالمين العربي والإسلامي وتسويق ذلك كـ «أمر طبيعي» بعد أن كان بدعة وسابقة يعاقب عليها في العمل السياسي ويتهم رجالها بالخيانة العظمى؟!5- ما هو حجم مسئوليتكم التي سيسجلها التاريخ في إخراج العراق من محيطه العربي والإسلامي عمليا وتحويله الى لقمة سائغة بيد أرباب «المجتمع الدولي» ووضع سيادته ووحدة أراضيه واستقلاله في عهدة الدول الخمسة الكبار في أحسن الأحوال إن لم يكن في عهدة طاغية العصر الأكبر للدولة الأعظم في العالم حصريا؟!

وأضفت لهم قائلا:

اعرف جيدا أن لديكم جميعا أجوبة «عراقوية» جازمة على كل الأسئلة الانفة الذكر مفادها أن صدام حسين وحكمه الاستبدادي هو المسئول عما آلت إليه الحالة العراقية، لكن السؤال الذي سيحاسبكم التاريخ عليه هو أنكم وانتم تعرفون بان صدام وعهده ذاهب بكم أو بدونكم كما تقولون وانكم لن تستطعيوا إيقاف الحرب الملعونة التي صمم لها أن تمضي شاء من شاء وابى من أبى لم تقفوا وقفة عز وصدق للتاريخ أو حتى وقفة مصلحة سياسية وعقلية وبراجماتية كما فعل شرودر الألماني أو شيراك الفرنسي أو بوتين الروسي الذين رفضوا إضفاء الشرعية العرفية أو الأخلاقية أو الرسمية على هذه الحرب الملعونة فيما انتم منحتم الاحتلال «عبادة» شرعية هكذا مجانا ودون مقابل؟!كان هذا الكلام قبل أربع سنوات، ووقتها كانت هناك عدة فرص مؤاتية أضاعها النظام كما أضاعتها «المعارضة» برأيي عندما لم يستمعوا إلى صوت الحكمة الذي انطلق من عدة جهات لحل «المشكلة» العراقية بطرق غير دموية أو اقل دموية على الأقل، ورفضوا الانصات في حينها إلى صوت العقل الذي انطلق من المرحوم الشيخ زايد آل نهيان مرة ومن أمين عام حزب الله لبنان السيد حسن نصر الله أخرى ومن وزير خارجية إيران كمال خرازي ثالثة، وهو الصوت الذي حاول المزج بين تحقيق بعض مطالب المعارضة وبعض مطالب السلطات الرسمية التي كانت حاكمة في بغداد آنذاك بعيدا عن تدخل الدول الكبرى السافر الذي نرى الآن ماذا حل بالعراق بعد مرور أربع سنوات على غزوه واستباحته ونزيفه المستمر والأسئلة لاتزال نفس الأسئلة بأعناق كل من ساهم بما حصل بعاصمة الرشيد وبلاد الرافدين ومنهم من هم الآن في سدة الحكم.غير أنها لحظة مؤاتية جديدة للاعتبار من الماضي! لحظة إعادة قراءة التاريخ من جديد! لحظة مراجعة الحسابات والضمير والوجدان لإنقاذ ما تبقى وما يمكن إنقاذه من العراق المستباح دما ونفطا وهوية ومستقبلا!المطلوب ايجاد طريق ثالث بين الارتهان الأجنبي والاستظلال بعلمه وبين الركون إلى الأنا والفئوية والاستبداد بالرأي والديكتاتورية وحب الجاه والسلطة والتمسك بالكرسي والمحاصصة وحس الانتقام على حساب الوطني ومستقبل البلاد والإقليم والمنطقة والأمة التي نعترض أن يكون العراق من أركانها طريقا لا يقبل بذلك ولا بهذا! بل طريق يلجأ إلى الوجدان الجمعي للعراقيين الوجدان الجمعي للعرب والمسلمين بكل أطيافهم وفئاتهم وأعراقهم ومللهم ونحلهم وثقافاتهم ومكوناتهم الاثنية والطائفية والمذهبية والدينية التي إن أجمعت على شيء فإنها لن تجمع بالتأكيد لاعلى الديكتاتورية والاستبداد ولاعلى الاستقواء بالأجنبي والرهان عليه!

اعرف أن الكلام في هذا السياق سهل واعرف أنكم ستقولون «ان الذي يأكل الحصى ليس مثل الذي يعدها» وخاصة وهو من خارج الميدان، لكن القدر المتقين الذي بدأ يبان للجميع بعد هذه السنوات الأربع العجاف هو أن الأمة العراقية في غالبيتها بدأت «تترحم» على أيام زمان من حيث الأمن والأمان والاستقرار، وان ليس من حيث الحريات وما إلى ذلك مما كانوا يفتقدونه في عهد الاستبداد وهو أمر يتطلب المصارحة والمكاشفة والاعتراف بالأخطاء وهي فضائل يثاب عليها كل من يلجأ إليها لاسيما في الملمات!

وهذا الأجنبي الذي «يستر» العورات الآن على البعض فلا تبان لابد انه راحل يوما أن عاجلا أو آجلا فيما الشعب باق والأمة باقية والأعراق والاطياف والطوائف والمذاهب والعراق باق ويوم الحساب قادم على الجميع فبماذا ستجيبون ونجيب يوم لا ينفع علم ولا بيرق ولا خيمة الا علم وبيرق وخيمة الإسلام والعروبة والتآخي والمصالحة الحقيقية القائمة على احترام بعضنا بعضا وليس الانجرار وراء غرائزئنا الملعونة واهوائنا الضيقة وأنانيتنا.

إن يوم الحساب الدنيوي يقترب من الجميع والعراق بحاجة إلى مساعدة الجميع ولا يستأهل مزيدا من الاستباحة والذبح والتقتيل على الهوية و انفلات الغرائزية، بل وقفة مع العقل والتوبة والعودة إلى حضن الأمة والناس!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1661 - السبت 24 مارس 2007م الموافق 05 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً