العدد 1689 - السبت 21 أبريل 2007م الموافق 03 ربيع الثاني 1428هـ

متى يغادر العرب مقاعد «المتفرجين»؟

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الإقليمي الإسلامي والعربي و «الوطني القُطري» - أي على مستوى كل قُطر على حدة - ثمة شيء مشترك يُلحظ على مستوى القاعدة كما على مستوى القمة ولاسيما على المستوى العربي الجماعي عموما... أي على مستوى مجمل الفعل العربي... ألا وهو أن كل شيء - تقريبا - عندنا شبه متوقف على مستوى المبادرة ونكاد نتحول إلى متفرجين أو كما وصف الأمين العام لحزب الله لبنان الوضعَ في لبنان وهو يشرح أحد احتمالات تطوره بالقول: «إنه قد يستمر (يعس)... لمدة سنتين»... ويعس باللبناني المحلي يعني المراوحة في الحال نفسها مترافقة مع فقدان زمام المبادرة على التحرك بأي اتجاه... بسبب فقدان اتجاه البوصلة أو سوء تقدير الموقف!

هذا «العس» الإسلامي والعربي و «الوطني القُطري» يمكن أن يمر من دون كوارث أو حوادث كبرى أو مفاجآت خطيرة إذا ما كانت الظروف السلم طبيعية... وستقتصر التداعيات على التنمية وهي وإن كانت مهمة أيضا ولكنها لا تظهر كارثيتها بصورة مباشرة... ولكننا ونحن في حال حرب حقيقية واستنزاف دموي وبشري مادي ومعنوي وفي منعطف لا نظير له في التاريخ المعاصر لا يجعل هذا «العس» غير محمود فحسب بل قد يكون وبالا على الأمة أو سببا لحصول الحوادث وأزمات مستفحلة لا يُحمد عقباها!

ثمة قوى مسلحة تخريبية قوية ومقتدرة وذات أبعاد امبراطورية سَمِّها إرهابية أو متطرفة أو عسكريتارية، أو سَمِّها ما شئت من التسميات، تعرف بالضبط ما تريد وتفعل يوميا ضمن برنامج طويل الأمد واستراتيجية متكاملة وأهداف بعيدة المدى تسعى إلى تحقيقها، تمسك بطرف من اللعبة وتدير مجموعة من الخطط والمشروعات ولا يضرها هذا «العس» الآن لأنها تشعر - على ما يبدو - أنها لم تعد قادرة على حسم الكثير من الملفات وبالتالي فهي تعيش حال انتظار اللحظة المناسبة للحسم وعندما تحين لحظة اختلال ميزان القوى فستضرب ضربتها!

في المقابل، هناك قوى ممانعة ومقاومة... أو سَمِّها ما شئت من التسميات كأن تقول عنها: تغرد خارج السرب الدولي أو خارجة على إجماع ما بات يُعرف بالمجتمع الدولي أو المتمردة على القانون الدولي! ولكنها تمسك بالطرف الآخر من الخيط واللعبة وهي بدورها لها خططها ومشروعاتها البعيدة المدى كما تعرف بالضبط ما تريد ولم يعد يضرها هذا «العس» أيضا وإن كانت لا تستسيغه وكانت تتمنى الحسم وتحقيق الغلبة على الطرف الآخر، ولكنها تشعر في الوقت الراهن بأنها غير قادرة على الحسم لأسباب عدة، وهي بالتالي بدأت تعمل أشبه ما يسمى «الخلايا النائمة» التي تتهم بها خلايا العمل القاعدي المنتشرة في العالم... وتنتظر بدورها هي الأخرى اللحظة المناسبة لاختلال التوازن لصالحها لتضرب ضربتها وتحقق الأهداف المنشودة الموضوعة ضمن استراتيجيتها.

وحدهم العرب سواء الحكام منهم أو النخب أو العامة من الناس إلى حد ما... والعرب هنا إنما أضعهم بالإجمال محصلة للعمل العربي المشترك سواء الذي يتبلور بالجامعة العربية مرة أو في منظمات المجتمع المدني مرة أخرى أو النخب المنتشرة في أكثر من ساحة فعل وعلى أكثر من مستوى مؤثر يعطون الانطباع للعالم وكأنهم «المتفرجون» الأكثر انتشارا في ميادين السباق والذين يدفعون الأثمان الباهظة لبطاقات أو تذاكر السباق من دون حتى أن يعرفوا أو يسمح لهم أو يبذلوا هم الجهد المطلوب والمناسب لتشجيع الفريق الذي قد يتصورون أنه المناسب لهم والمطلوب أن يربح الرهان مثلا!

إنهم فقط وفقط يتصرفون وكأن المطلوب منهم أن يعددوا مواصفات الفريقين المتنافسين أو يشرحوا نقاط ضعفهما أو قوتهما وفي أحسن الأحوال يعربون عن قلقهم من احتمالات أن يفوز هذا الفريق أو ذاك وما قد يترتب على أي الفوزين من تداعيات ونتائج كارثية عليهم - أي على العرب - ولاسيما إذا كان الفوز بالضربة القاضية!

وهم يذكّروني في حالهم هذه بتلك العبارة الشهيرة التي سمعت أنها مكتوبة على قبر أحد المغدورين في تاريخ الإسلام من الشخصيات المثيرة للجدل على يد أحد الولاة والحكام المثيرين للجدل أيضا ولا أدري في إن كان فعلا ذلك موجودا أو مجرد قول مشهور متناقل ولكنه في كل الأحوال ينطبق على حال أمتنا العربية المُستَضعَفة... والقول هو: «هذا قبر حجر بن عدي رضوان الله عليه قتله سيدنا معاوية رضوان الله عليه»... ولسنا هنا بصدد تقييم التاريخ القديم بل بعيدا عنه تماما ولكن تماهيا مع القول الآنف الذكر يمكنكم رسم جردة متكاملة لأهم وأبرز المواقف والتصريحات العربية تجاه أبرز ما يجري في بلادنا أو من حول بلادنا فستجدون أنها أشبه بذلك القول التاريخي!

فنحن في بلاد العرب قلقون من دورة العنف وندينها! وقلقون من احتمال نشوب حرب جديدة وندينها! وقلقون من استمرار النزاعات الإقليمية وندين عدم التوصل إلى حل لها! وقلقون من تطورات الملف النووي الإيراني وندين كل التعقيدات التي تفاقم الوضع ولا توجد حلولا سلمية له! وقلقون من النزاع المدمر في دارفور وندين عمليات الإبادة التي تحصل هناك! وقلقون من تفاقم الاقتتال في الصومال وندين قتل المدنيين والأبرياء! وقلقون من تفاقم القتل والقتل المضاد في العراق ومن حروبه المذهبية والطائفية ونحذر من التقسيم والحروب الأهلية التي تنتظر هذا البلد العزيز وشعبه الحي وندين فرق الموت ومشعلي الفتن والحروب فيه من داخليين وخارجيين ونريد للعراق أن ينتصر على أعدائه! وقلقون طبعا على مستقبل لبنان ولا نريد له أن ينجر إلى ما حصل في العراق ونرفض وندين أية مؤامرة ضده ونريد له الخير كل الخير! وقبل ذلك وبعده نريد السلام لفلسطين وكل دول المنطقة والحقوق الثاتبة للشعب الفلسطيني وعودة مقدساته إليه وعودته إلى مقدساته وندين كل الأعمال المناهضة للأعراف الدولية ضده ونريد إنهاء النزاع وصناعة السلام والتطبيع مع «إسرائيل» بعد أن تطبق القرارات الدولية الخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم!

وهذا الكلام بدوره يذكرني هو الآخر بكلام شهير وطريف لرئيس وزراء لبنان المرحوم المغفور له رشيد كرامي - المقتول غدرا - والذي يؤخذ عليه في السياق نفسه عندما كان يردد أثناء الحرب اللبنانية المقيتة: «... لمصلحة ما فيه مصلحة هذا البلد» ولكنه لم يعرف ولا مرة ما هو مفهومه أو تعريفه لمصلحة البلد وهو العاشق الحقيقي والصادق لمصلحة لبنان!

كما يذكرني بالبرنامج الإذاعي الشهير لزياد الرحباني ابن فيروز والذي كان ينتظره الناس مع بزوغ كل فجر جديد في أيام الحرب اللبنانية المقيتة... وبرنامجه هو: «بعدنا طيبين قول الله...» عندما علق ساخرا في إحدى الحلقات على إجماع الدنيا كلها على وحدة وسيادة واستقلال لبنان... بمن فيهم ممثل أصغر كتلة لبنانية وهو عثمان الدنا يومها... ومع ذلك كانت وحدة وسيادة واستقلال لبنان تنتهك يوميا ومن قِبل الجميع ولا من معين!

فماذا يفيدنا الموقف الهلامي العام؟ وماذا يفيدنا الموقف الوصفي العام؟ وماذا يفيدنا الموقف التشريحي العام؟ وماذا يفيدنا الموقف التحليلي العام؟ من دون أن نسمي الأشياء بأسمائها أو نقدم المبادرات الجريئة والشجاعة التي تخرج بلادنا وأمتنا وشعوبنا وأقطارنا من الأزمات المتفاقمة ومن حال «العس» الغامضة والاستنزافية الطويلة الأمد!

المطلوب كلام واضح يضع النقاط على الحروف ويسمي الأشياء بأسمائها ويقدم الحلول المناسبة لكل أزمة أو نفتح جبهة ثالثة بكل شجاعة وجرأة وندافع عن تحليلها وعن مواقفها وعن تقديراتها ونضع الناس والتاريخ يحكمون بيننا للتاريخ بعيدا عن «العس» المفروض، الذي قد يكون واحدا من أهم أسباب استمراره هو موقف «المتفرجين» منا!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1689 - السبت 21 أبريل 2007م الموافق 03 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً