العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ

حقيقة النوايا الأميركية تجاه المنطقة!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة شكوك جدية تحوم في أفق المنطقة حول حقيقة النوايا الأميركية تجاه الملفات الساخنة المختلفة في إقليمنا العربي والإسلامي فهي من جهة تزعم أنها لا تريد اللجوء إلى الخيار العسكري لحل أي من المخاصمات الأخرى المتورطة فيها غير العراق وأفغانستان كما تزعم وأنها بصدد تدوين قواعد لاستراتيجية جديدة لما بات يعرف في الأروقة الأميركية الخلفية بـ «الخروج المشرف» من هذين المستنفعين!

لكنها لا تنفك من جهة أخرى بممارسة أقصى درجات الحروب النفسية والدعائية ضد كل من إيران وسورية وقوى المقاومة اللبنانية مهددة إياها بأنها ستواجه عقوبات قاسية وقد تكون مدمرة إذا ما استمرت في نهج الممانعة تجاه البرنامج الأميركية الذي بات يعرف بـ «الشرق الأوسط الجديد»!

من ناحية أخرى فإن واشنطن تسعى جاهدة وبكل الطرق والأساليب العلنية والسرية لممارسة أعلى درجات الضغط على دول المنطقة لاسيما دول الخليج من أجل وضعها في جو نفسي وأمني ضاغط يجعلها تقف أمام خيارين «أحلاهما مر». فلابد أن تنخرط كما تطالبها يوميا وبإلحاح في معركة مفروضة بين معسكر ما تسميهم بـ «الراديكاليين» ومعسكر ما تطلق عليهم «المعتدلين» والذين تطالبهم بالانضمام إليهم حبا أوكرها!

وفي هذا السياق يرى المعتقدون بأن الأحادية الأميركية في المعادلة الدولية قد انكسرت وأن المحافظين الجدد وحلفاءهم الإسرائيليين وقلة من الأوروبيين ممن لايزال يتودد إليهم، أن سبب هذه الإشارات الأميركية المتناقضة إنما يهدف إلى تأمين «الانسحاب المشرف» من المنطقة بأقل الخسائر الممكنة ومن خلال إبقاء الجميع في حال استنفار دائم مترجرجة بين خيارات السلم والحرب مبقية بذلك زمام المبادرة دوما بين القوة الأميركية العسكرية والدبلوماسية والدعائية الضاربة! مانعة في المقابل قوى الممانعة والمقاومة من التقاط الأنفاس فضلا عن التخطيط لتوسيع دائرة التعاون الإقليمي والدولي بوجه تيار الحرب والمواجهة وهو ما يعني عمليا ترويع الجميع وإرعابهم وجعلهم أسرى السيف المسلط على رقابهم بحجة وجود قوى غير متعاونة مع صاحب الطموح الامبراطوري الذي يسعى بكل جهده إلى منع إعادة إحياء العالم المتعدد الأقطاب كما كانت عليه الحال قبل الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والحرب الباردة.

غير أن أي متتبع دقيق للتحركات الأميركية في المنطقة والعالم سرعان ما يكتشف إذا ما تمعن جيدا بصورة الأميركي المنكسر والمنهك في كل من العراق وأفغانستان بأن هذا الأخير إنما يتخبط في سياساته العامة، ولا يملك استراتيجية واضحة لمستقبل المنطقة والعالم، فضلا عن كونه أعجز ما يكون عن شن أي حرب جديدة ضد أي بلد «عاق» أو «متمرد» على المشروع الأميركي الامبراطوري، ولا حتى توجيه ضربات عسكرية جدية أو مؤثرة وفاعلة تجاه أي من أعضاء «محور الشر» التقليديين ولاتجاه أي من القوى التي تفكر بالتمرد عليه مستقبلا، بعد أن «أصبح مثل هذا الخيار أقرب إلى المستحيل منه إلى الممكن والمتاح!

فالعالم قد تغير تماما وأميركيا لم تعد أميركا التي عرفناها في أوج عنفوان المحافظين الجدد، فها هي روسيا تتجرأ في مهاجمة سياسات أميركا وتصفها بالمهددة للأمن والسلام الدوليين منذ الخطاب الناري للرئيس بوتين في ميونيخ، وها هي الصين لم تعد تبالي برضا أميركا عليها وهي تعبر القارات لتأمين مصالحها من الطاقة المباشرة بعيدا عن أعين مراقبة الأميركيين، وها هي أميركا اللاتينية التي ظلت حتى الأمس القريب حرية الولايات المتحدة الأميركية الخلفية تتمرد ضد واشنطن وتتجرأ عليها بقرارات شجاعة من بينها تأميم المصالح النفطية والمعدنية الحيوية كما فعل تشافيز من دون أن تتمكن واشنطن حتى من أن تقول له «فوق عينك حاجب!» وها هي إيران تمضي قدما في برنامجها النووي غير مبالية بكل تهديدات أميركا وموجات الهلع والرعب والتهويل التي تنشرها من حول محيطها الإقليمي.

وها هي حكومة «حماس» المتحدة مع «فتح» مستمرة في صمودها ومقاومتها، وها هو حزب الله الذي حركت واشنطن قاعدتها العسكرية المتقدمة في المنطقة في الصيف الماضي لتدميره يبدو وكأنه قد أعاد تدريب قواته وتسليحها ليبدو أصلب عودا من ذي قبل، بل وها هي المقاومة الصومالية الطرية العود تظهر وكأنها الأقوى في معركة عض الأصابع التي تشنها ضدها القوات الإثيوبية المحتلة المدعومة أميركيا... هذا ناهيك عن إجمالي الممانعة العراقية التي تتقدمها قوى المقاومة العراقية وصولا إلى التململ الذي تبديه مختلف الأطياف السياسية والدينية العراقية من سوء الإدارة والأداء الأميركي في المسألة العراقية، هذا بالإضافة إلى التخبط الخطير الذي تعاني منه واشنطن هي وحلفاؤها من قوات حلف الأطلسي في أفغانستان، حتى باتت قاب قوسين أو أدنى من إعادة الاعتبار لحركة طالبان التي بدأت شن الحروب في منطقتنا منها باعتبارها حركة «ظلامية» إرهابية متخلفة غير قادرة على إدارة شئون الناس في عصر الديمقراطية والتحرر والتقدم والرفاهية والأمن والاستقرار العالمي!

ثم أين هي الإدارة الأميركية اليوم من مواقف عقلاء أميركا وأكثرية الرأي العام الأميركي الذي بات يسخر منها ويطالبها كل ستة من أصل عشرة بالانسحاب من العراق وأفغانستان ويعتبر عتاة السياسيين والمحنكين الأميركيين أمثال بريجينيسكي وكيسنجر أن «النصر بات مستحيلا» ولم يبقَ أمامها إلا استراتيجية «الخروج المشرف» وإن هذا «الخروج المشرف» لا يمكن أن يتحقق من دون الجلوس مع السوريين والإيرانيين على طاولة مفاوضات مشتركة؟!

إن إدارة بمثل هذه الحال من الظروف المحيطة بها كيف بإمكانها أن تخيف أحدا مهما ضعفت قواه وكيف بها أن تخيف دولة مثل إيران أو منظومة إقليمية ممتدة من خوست إلى طهران إلى النجف إلى دمشق إلى بيروت إلى غزة والقرن الإفريقي؟!

ثمة من يقول إن الإدارة الأميركية تحاول الإيحاء للرأي العام عندها بأن حكام المنطقة ممن تسميهم بالمعتدلين هم الذين يطلبون منها القيام بمهمة «تأديب» الخارجين على الشرعية الدولية من دول الجور العراقي الذين لا يسايرونها في سياسة بسط نفوذها انطلاقا من السيطرة الكاملة على العراق إلى سائر منطقة «الشرق الأوسط الكبير»! وبالتالي فهي ترسل رايس مرة وديك تشيني بين الفينة والأخرى إلى دول المنطقة تحت ذريعة «إنقاذ» العراق مما تسميه الإدارة الأميركية من «النفوذ الإيراني» المتزايد هناك، هذا في الوقت الذي لا ينفك فيه زعماء دول المنطقة بالتصريح بأنهم لا يريدون حروبا جديدة وأنهم يريدون حلولا سلمية للنزاع الأميركي الإيراني بالذات! الأمر الذي يجعل أهداف المحافظين الجدد من تحركاتهم أكثر شبهة من أي وقت مضى!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً