العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ

سياسة تجارية أميركية في تخبّط

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

عندما كان أعضاء الكونغرس الديمقراطيون والمسئولون في إدارة بوش يهنئون أنفسهم الأسبوع الماضي لاتفاقهم على إدخال مستويات قاسية وقابلة للتنفيذ بالنسبة لقضايا العمل والبيئة، كانت سياسة الولايات المتحدة التجارية تزحف ببطء نحو الهاوية. وفي غضون ذلك، فإن الاتفاقات الثنائية التي وُقعت مع البيرو وبنما وكولومبيا وكوريا الجنوبية، وكذلك جولة الدوحة لمحادثات التجارة العالمية المتعددة الأطراف، قد تُركت يتيمة.

ومن الأمور ذات المغزى كيف أن التوقعات العريضة بالنسبة لتحرير التجارة العالمية قد تراجعت عندما اعتُبر الاتفاق بين الإدارة والكونغرس حول كيفية المضي في مفاوضات التجارة العالمية التي مضى عليها سنوات بمثابة اختراق مهم.

وعلقت الناطقة بلسان ممثلة الولايات المتحدة إلى محادثات التجارة العالمية سوزان شواب على ذلك بقولها: «أظن أن هنالك درجة متنامية من الثقة والشراكة بين الحزبين التي تسمح لأجندة التجارة بالتقدم نحو الأمام. لقد بيّنا للعالم بأننا نستطيع أن نعمل معا». ويبدو أنها تناست بأن اتفاقات التجارة تصاغ بين البلدان، وأن الاتفاق الذي تم على المستوى المحلي في الولايات المتحدة يجعل تلك الاحتمالات أقل حدوثا.

للمراقب الذي يستخدم مشاعره أكثر من عقله، فإن لا بد للاتفاقات التجارية التي تطالب ببنود أكثر صرامة في قضايا العمل والبيئة أن تبدو أكثر إحرازا للتقدم.

إنها قد تمثل تقدما لأعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي الذين يسعون إلى تأييد النقابات من أجل إعادة انتخابهم العام 2008، ولكنها لا تفعل شيئا لتحسين إمكانات التوصل إلى تحرير التجارة. وبدلا من ذلك فإنها تشكل عائقا أمامه. ومن خلال ذلك ستحرم البلدان النامية من فرص النمو الاقتصادي، وهو المفتاح لرفع مستويات العمال المحليين ونوعية البيئة.

في 1996 اختتم وزراء التجارة الذين يمثلون الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية اجتماعهم الوزاري في سنغافورة بإصدار بيانٍ قوي تم اتخاذه بالإجماع عن موضوع مستويات العمل. لقد أعرب البيان عن تأييده لجوهر القضية، بينما في الوقت ذاته عارض فكرة فرض مستوياتٍ عمالية كجزء من الاتفاقات التجارية.

المستويات العمالية المطلوبة إنما تتحقق نتيجة «النمو الاقتصادي والتنمية والتي تلقى الدعم من التجارة الدولية ومن تحرير آخر للتجارة العالمية،» كما جاء في البيان. وبكلمات أخرى، فإن فرض شروط على التجارة والاستثمار في البلدان الفقيرة إنما يؤدي فقط إلى إبطاء النمو الاقتصادي وبالتالي الحيلولة من دون ارتفاع مستويات العمل فيها.

واليوم، فإن منظمة التجارة العالمية تضم من البلدان النامية أكثر مما كانت تضم في العام 1996. المسألة ليست أن هذه الدول تُعارض مستويات أفضل لأحوال العمال والبيئة. بل السبب أنها تخشى من أن البلدان الغنية وانطلاقا من مصالحها الخاصة فيما يتعلق بسياستها الاستيرادية ستستخدم تلك البنود ورقة ضغط لتحقيق نتائج حمائية. القلق الأكبر هو أن إمكانات الزعم بمخالفة مستويات العمل والبيئة، وبغض النظر عن صحة تلك الاتهامات، ستُبعد المستثمرين الأجانب في المصانع المحلية وفي قطاعات أخرى من الاقتصاد المحلي، وهما المفتاح الحقيقي لرفع مستويات الرفاهية.

إن عودة الكونغرس إلى سيطرة الديمقراطيين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قلب المعادلة بشكل خطير. لقد كانت نقابات العمال الأميركية تطالب منذ زمن طويل بتحقيق مستوياتٍ قاسية بالنسبة للعمل والبيئة، وهي الآن تفرض شروطها من خلال قيادة الكونغرس. الاستجابة والتأقلم مع تلك المطالبات اعتبرت وسيلة لكسر الحاجز أمام التقدم في المفاوضات ودفع الأجندة التجارية إلى الأمام. ولكن الآن وتمت الاستجابة لتلك المطالب، فإن نقابات العمال على ما يبدو ترفع من سقف مطالبها.

ففي رسالة إلى ممثل الولايات المتحدة في مفاوضات التجارة العالمية قبل نحو عشرة ايام، فإن تشارلز رانغل، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأميركي، وهو ديمقراطي عن ولاية نيويورك، توصل إلى نتيجة مفادها أنه، وبغض النظر عن الصفقة التي تمت في الأسبوع الماضي، فإن الاتفاق مع كولومبيا ما زالت مسألة تدعو إلى الانتظار إلى أن يتمكن مكتب النائب العام في بوغوتا عاصمة كولومبيا من أداء أفضل في القبض على المجرمين الدمويين ومعاقبتهم!

وفي غضون ذلك ظل رئيس اللجنة الفرعية للجنة المالية في مجلس النواب عن ولاية ميشيغان ساندر ليفين، يعارض الصفقة التي تمت مع كوريا الجنوبية لأنها لا تشتمل على اقتراحه الداعي إلى جعل دخول السيارات الكورية إلى أسواق الولايات المتحدة مرتبطا بنجاح مبيعات السيارات الأميركية في كوريا الجنوبية!

المعارضة ليس لها أية علاقة مع قضايا العمال أو البيئة. يجب أن يكون واضحا تماما بأن نقابات العمال وحلفاءها في الكونغرس يعارضون معارضة شديدة أية اتفاقات تجارية جديدة. وعلى رغم أن الاتفاقات التي تمت مع البيرو وبنما قد تجد طريقها إلى الإتمام بسبب أن حكومتيهما قد ربطتا سمعتهما على التوصل إلى تلك الصفقات، فإن جولة الدوحة في محادثات التجارة العالمية هي الآن أكثر بعدا من أي وقت مضى بسبب الصفقة التي تمت بين الكونغرس والإدارة.

إن التوصل إلى اتفاقات تجارية في بيئة تؤمن بسياسة الحمائية هو أمر بالغ الدقة. إنها تنطوي على عملية توازن بين المطالب السياسية المحلية والأهداف المتوخاة من صياغة اتفاقاتٍ تكون ذات قيمة للولايات المتحدة ولمصالح شركائنا التجاريين. وكلما كانت التنازلات للاعتبارات السياسية الداخلية أكثر كلما كانت الاتفاقيات النهائية أقل قيمة. فبالإصرار على بنود عمالية وبيئية قاسية، تم الوصول إلى نقطة يمكن القول بأن الكيل فيها قد طفح.

*مدير معاون لمركز دراسات السياسة التجارية في معهد كيتو بواشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً