العدد 1752 - السبت 23 يونيو 2007م الموافق 07 جمادى الآخرة 1428هـ

الكوارث الطبيعية وصحافة الكوارث... إعصار «جونو» نموذجا

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

بعد أن ضرب إعصار «جونو» سواحل عمان والإمارات وإيران مخلفا وراءه الدمار الذي شاهده الجميع، سألتني صحافية من إحدى الصحف المحلية أثناء انعقاد فعالية بيئية سؤالا مباشرا: هل يمكن أن يصيب مثل هذا الإعصار البحرين؟ ورددت أنه من الصعب الإجابة على هذا السؤال من دون دراسات علمية، وقد تعطي أية إجابة علمية انطباعا خاطئا للقارئ.

ومع إلحاح الصحافية بضرورة الكتابة عن الإعصار وعلاقته بالبحرين بسبب أهميته للمواطن البحريني، حاولت أن أبين أن هناك فرقا بين «المحتمل» و«الممكن» من وجهة النظر العلمية، وأنه لكي نستنتج بأنه «محتمل» فعلينا أن نعتمد على الحوادث التاريخية السابقة، وأن ندخل في نظرية الاحتمالات، ونجري عمليات حسابية إحصائية احتمالية للحصول على نسب احتمالات حصول الحدث. بينما لكي نستنتج بأنه «ممكن» فعلينا أن ندرس الماضي ومن ثم ننظر إلى المستقبل ونقوم بعمل الإسقاطات من خلال الكثير من المتغيرات من أهمها اتجاهات التغير المناخي العالمي بسبب ظاهرة الدفيئة والتغير في نمط ومسار هذه الأعاصير واستخدام نماذج حركة المناخ العالمية للتنبؤ بالمستقبل، وبأنه للأسف فإن دول مجلس التعاون لا توجد لديها مراكز البحوث المتخصصة في هذا المجال ولا يشارك خبراؤها في عملية تطوير هذه النماذج العالمية.

وللدلالة على تأثيرات ظاهرة الدفيئة في نشوء التقلبات والاضطرابات المناخية في الكثير من بقع العالم، تم الاستشهاد بالظواهر المناخية المتزايدة في المعدل في الأعوام العشرة الماضية في المنطقة، التي يرى الكثير من العلماء أنها البوادر الأولية لتأثيرات هذه الظاهرة العالمية مثل التباين الشديد في درجات الحرارة وحالات الجفاف والأمطار الشديدة والعواصف الرملية التي مرت بها المنطقة في الآونة الأخيرة، وأن هناك حاجة لتعاون دول المجلس في وضع جهاز إنذار مبكر للتعامل والتكيف مع هذه التقلبات والاضطرابات المناخية. ولذا، فإنه من «الممكن» أن تغير هذه الأعاصير مساراتها في المستقبل وأن «تتأثر» البحرين بهذه الأعاصير.

... بعد عدة أيام نشرت الصحيفة الخبر بالعنوان التالي «بيئيون للـصحيفة: جونو قادم... والبحرين ضمن مساره!» هكذا. وعلى رغم من أن نص الخبر كان يحتوي على أجزاء تم الإدلاء بها، إلا أنها لم تكن موضوعة في السياق الصحيح كما أن الخبر زخر بكلمات غير علمية ولا تتناسب ومضمون الموضوع مثل: «أكد» و«شدد» و«توقع».

... بعد يومين أتصل بي هاتفيا أحد الصحافيين الأجانب من صحيفة محلية تصدر باللغة الإنجليزية، وطلب تعليقا على الموضوع نفسه، وبينت له أنني لا أثق بالطريقة المثيرة التي قد يتم تناول الموضوع بها، وبعد مناقشة طويلة طمأنني بأنه سينشر تعليقاتي بالشكل الصحيح وسيقرأها عليّ قبل نشرها، وبعد تردد وجدت بأنها فرصة لإصلاح الخبر السابق، وقمت بترديد ما قلته سابقا.

... في اليوم التالي نشر الخبر بالعنوان التالي (باللغة الإنجليزية) «الزباري: البحرين في مسار الإعصار!»، وللأمانة، فإن نص الخبر كان موضوعيا جدا ويمثل ما قلته بالضبط. وفي محادثة هاتفية مع الصحافي الذي كتب الخبر عاتبته على العنوان الذي لا يمثل ما تم الإدلاء به، وأخبرني بأن مسئوليته هي في نص الخبر المنشور، أما العناوين فهي مسئولية شخص آخر يقوم على وضع المانشيتات (أي العناوين)!

ولقد تلقيت بناء على هذين الخبرين المنشورين الكثير من المكالمات من المواطنين والأصدقاء القلقين للتأكد من صحة الخبر، وإذا كان إعصار مثل «جونو» سيضرب البحرين في السنوات المقبلة كما حدث في سلطنة عمان، وصادف أن التقيت بعض المتخصصين في الأرصاد في إحدى المناسبات الاجتماعية وتمت إثارة الموضوع وشرح ملابساته.

إلى هنا تنتهي القصة، ولكن دعونا ننظر إلى الموضوع من أعلى ونحلل الأوضاع التي أدت إلى حدوثه.

كما هو معروف، فإن لكل مهنة أو مجال تخصص خصوصيته ولغته الخاصة وطريقته في التعامل مع الأمور، وعندما يتلاقى أي مجالين مختلفين فإنه من المتوقع ظهور المشكلات. وإذا نظرنا إلى حقلي الصحافة والعلوم فسنجد أن هناك اختلافا منهجيا واضحا وعميقا بين المجتمع العلمي والمجتمع الصحافي في طريقة الوصول إلى الحقائق، فبينما تكون الصحافة منحازة بقوة نحو الحقيقة والنظريات الاستنتاجبة، نجد أن العلم يلتزم الحياد ويركز على الوقائع والقياسات التجريبية ولا يمكن تعدي ذلك.

ومن إحدى المشكلات الواضحة بين هذين الحقلين هي معاني الكلمات أو التعابير العلمية المستخدمة من قبل المتخصصين ومعناها للصحافي والقارئ. وفي حين تقع المسئولية بالدرجة الأولى على المتخصص في إجراء التوضيح الدقيق للمعنى المطلوب، يقع أيضا جزء من هذه المسئولية على الصحافي في نقل هذه المعاني إلى القراء بشكل دقيق. فعلى سبيل المثال في مجال البيئة، وأثناء انعقاد «قمة الأرض للتنمية المستدامة» في جوهانسبرغ في العام 2002، وجهت إحدى الوكالات الإخبارية العالمية المشهورة مراسليها الذين يغطون الفعالية بالابتعاد عن ذكر تعبير «التنمية المستدامة» إلا عند ذكره في عنوان المؤتمر، والسبب في ذلك أن هذا التعبير لا يحمل تعريفا واضحا ومتفق عليه في العالم. هذا على رغم من تعريف «تقرير برنتلاند» الصادر في العام 1987 للتنمية المستدامة على أنها «تلبية المتطلبات الحالية من دون التعريض للخطر فرص الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها».

إلا أن الجدل الذي أثير بشأن هذا المبدأ لم يكن قد انتهى بعد وما زال، وكان الخوف من أن يقوم الصحافيون بزج هذا التعبير الرنان وتتقاذفه تقاريرهم وقصصهم بغرض الإثارة من دون الفهم الكامل والواعي لمعناه.

لقد تعود المتخصصون في مجالات العلوم المختلفة في تعاملهم مع وسائل الإعلام المختلفة - سواء في التعليقات أو الكتابات أو التصريحات - أن يخاطبوا أنفسهم وأعضاء المجتمع العلمي الذي ينتمون إليه، وبلغة يصعب فهمها من قبل غير المتخصص. ولذلك، فإن هناك حاجة، أو لنقل مسئولية ملقاة على عاتق المتخصصين في توصيل هذه المعلومات أو المفاهيم إلى المجتمع عموما، سواء إلى صناع القرار أو للعموم، والذين في غالبيتهم من غير المتخصصين في فروع العلوم المختلفة، وعليهم تبسيط هذه المعلومات العلمية الدقيقة والمعقدة وتسهيل المبادئ العلمية المتخصصة لكي يتسنى فهمها للقارئ العادي، كما عليهم أن يسألوا أنفسهم دائما عند الكتابة: ما الذي يعنيه هذا الموضوع لرجل الشارع العادي، وما هو تأثير ذلك عليه؟

من جهة أخرى، وبشكل عام، تفتقر الصحافة الخليجية إلى الصحافيين العلميين المتخصصين في مجالات العلوم والبيئة، كما هو الحال في التخصصات العلمية الدقيقة الأخرى مثل الاقتصاد والطب وفروع الهندسة، وتعتبر الصحافة العلمية فرعا جديدا نسبيا في تخصص الصحافة، ويهتم هذا الفرع بإيصال المعلومات المتعلقة بالموضوعات العلمية للعامة بأسلوب صحافي شيق ومبسط ودقيق. وبسبب هذا النقص الواضح وأهميته بدأت الكثير من الجامعات، وخصوصا الجامعات الأميركية والأوروبية، بطرح تخصصات علمية ضمن تخصصات الإعلام، مثل تخصص الإعلام البيئي وذلك بسبب أهميته للمجتمع والتزايد الكبير في تفاعل المجتمع مع القضايا البيئية التي تمسه وتؤثر فيه. وفي المجال نفسه، أنشأت في الولايات المتحدة جمعية خاصة بالصحافة البيئية تسمى بـ «جمعية الصحافيين البيئيين»، وتهدف إلى رفع مستوى الفهم العام في المجتمع بالقضايا البيئية بواسطة تحسين نوعية ودقة النشر البيئي، والوصول إلى مجتمع عارف بالقضايا البيئية من خلال التميز في الصحافة البيئية.

في الفترة الأخيرة، زادت كمية الأخبار العلمية بشكل متسارع، وبدأ العلم يلعب دورا أكبر ومركزيا في حياة المجتمعات وخصوصا في المجالات والقضايا البيئية بسبب تماسها بحياة المجتمع، وزاد معه التفاعل بين المجتمع العلمي والمجتمع الإعلامي. ويتطلب هذا الوضع وجود إعلاميين وصحافيين متخصصين في العلوم لديهم القدرة على التعامل مع المعلومات العلمية التي تهم المجتمع، ويقومون بتحويل هذه المعلومات العلمية التفصيلية والمعقدة التي ينتجها المتخصصون في العلوم إلى صورة يستطيع الشخص المتوسط أن يفهمها ويقدر قيمتها، وفي الوقت نفسه إيصال هذه المعلومات بشكل صحيح ودقيق. ولذلك، ندعو جامعات المنطقة إلى النظر في طرح هذا التخصص في كليات الإعلام لسد هذه الثغرة المهمة.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1752 - السبت 23 يونيو 2007م الموافق 07 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:42 ص

      ما في منه...

      الا يبا يكذب لا يكذب على ولاد العرب امثالنا ... أعصار جونو كان وانتهى 2006 ...
      حوسنية رافعة حواجبها والا ما عايبنه حوليه أربع أطواف..

اقرأ ايضاً