العدد 1809 - الأحد 19 أغسطس 2007م الموافق 05 شعبان 1428هـ

بلاد الغرب التي رأيت (4)

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

كانت زيارتي لمدينة «سالزبورغ» النمسوية، تلك المدينة القابعة خلف قضبان «موزارت». كل الأشياء تنطق: موزارت، موزارت، موزارت... هناك بيت موزارت، ومقهى موزارت، فندق موزارت ومتحف موزارت... إلخ من أشياء مطبوعة باسم «موزارت» العبقري في عالم الموسيقى الذي ألف ما يقارب ستمئة عمل موسيقي خالد... وكانت وفاته في عمر الخامسة والثلاثين.

نهر الزالخ يشطر المدينة نصفين، وكذلك يطل موزارت من النصف المقابل لحديقة الميرابل. تلك الحديقة كانت تشغلها فترة تجوالي فيها فرقة إنجليزية تعزف أشهر المعزوفات العالمي؛ طبعا موزارت كان حاضرا في تلك الأمسية أيضا.

قطعة من الجنة، وزخة من رحمات الله تلك البحيرة المسمى: «زيل أم سي» أو «زيلامسي». وهي بحيرة تبعد عن سالزبورغ قرابة الساعتين بالقطار، يشق طريقه عبر الجبال والوديان والأنهار والأراضي الخضراء؛ وبقية الجنان التي أنعم الله بها عليهم.

«زيلامسي». البحيرة الهادئة الرائعة البديعة، ذات الطبيعة الساحرة، فيها شفاء من كل أدواء النفوس وعلل القلوب. لا تراها عين الرائي حتى يزداد المرء يقينا في أن هناك، في الجنة، ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. نعم، فسبحان الخالق، سبحان الخالق... هذا ما أوصاني بقوله الأخ خالد الخاجه، حينما وصف لي بحيرة أخرى في سالزبورغ لم تسمح لي الظروف المرور بها.

الشعب النمسوي من الشعوب التي تنام باكرا، إذ نادرا ما تجد محلات مفتوحة بعد السادسة مساء. ويقال إن مفردة «النمسا» تعني في اللغة التركية «نوم صا»، أي النوم الباكر، أو الشعب الذي ينام باكرا. والعهدة على الراوي.

بعد سالزبورغ كان طريقنا إلى «بافاريا» أو «بايرن» بألمانيا، وتحديدا عاصمتها «ميونخ». ويشق القطار طريقة بين مناظر الطبيعة الرائعة؛ جبال وأنهار، ووديان خضراء تسر الناظرين. وهي تبعد قرابة الساعتين بالقطار. مدينة «ميونخ»، إضافة إلى المزارات المعتادة، فإن ما يميزها هو ساحة «مارية». وأسواقها مليئة بالماركات العالمية. وهي مدينة تجارية بالدرجة الأولى. ينقسم الألمان، كما يروي لي أحدهم، إلى قسمين، شعب بافاريا أو بافاريه، وهو الذي يقطن جنوب ألمانيا، ومعروف بأريحيته وحميميته، وقريب طباعا من النمسويين. وهم يعتبرون أنفسهم أصل وحضارة ألمانيا. والألمان بصورة عامة، ومقارنة بالنمسويين فإنهم جافين في تعاملاتهم بعض الشيء. ولا أدل على ذلك من صاحبة «الجام»، فقد نهرتني وأنا أقلب «الجام» بين يدي، وقالت ممتعضة: ضعه مكانه وأنا سآتي به إليك. وبعد التي واللتيا قالت بلغة إنجليزية وبنبرة متعالية: أنا آسفة. قلت في نفسي لم يكذبوا حينما وصفوكم بما وصفوكم به من صلافة. ولكني كنت مظطرا واشتريت «الجام» من عندها. ومرة أخرى شهدت ذاك التعالي الألماني، إذ من سوء حظي أني نسيت أن القانون الجديد يمنع حمل أكثر من مئة ملي غرام إلى الطائرة، فكانت المفاجأة عند نقطة التفتيش وكادت الموظفة العاملة في المطار أن ترمي بـ «الجام» في الزبالة، أجلكم الله، ولكن الله لطف، إذ عُدت وحزمته مع الأمتعة!

في النمسا وألمانيا، العاملون من الجالية العربية كثر، والسياح الخليجيون في الدولتين كثر، ما عدا البحرينيين، وياعيني على البحرينيين، فإن لهم هما آخر يشغلهم عن التعرف على بقاع العالم، لديهم الهم الكبير في المعيشة، وملاحقة الديون من كل حدب وصوب!

خلاصة السفر إلى دول الغرب، والنموذجين المذكورين (النمسا وألمانيا)، هو متعة وزيادة معرفة بما توصلت إليه الحضارة من رقي إنساني. فحقوق الإنسان لديهم محور مهم؛ حريته، مساواته، العدالة معه، كلها محاور أساسية لحقوق الإنسان يهتم بها الغرب اهتماما بالغا. هذا أرقى ما توصلت إليه الحضارة الغربية، فهل لنا، نحن العرب، أن ننهل من معينها يوما ما؟! الإجابة في بلاد العرب التي رأيت؛ إن كان في العمر بقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1809 - الأحد 19 أغسطس 2007م الموافق 05 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً