العدد 1816 - الأحد 26 أغسطس 2007م الموافق 12 شعبان 1428هـ

بلاد العرب التي رأيت (2)

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

بادئ ذي بدء، أنوه إلى أن هذه الحلقة الثانية من سلسلة «بلاد العرب التي رأيت».

قبل أن تربض الطائرة على مدرج مطار القاهرة الدولي، نهض أحد المسافرين، بلباسه الخليجي صارخا: «تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر». تعجب حضور الطائرة من هذا الزعيق، فالتفت على الرجل وقلت: لقد هام حبا في مصر. هكذا حال العرب، وتحديدا «الخلايجة»، مع مصر. ومع ما تحمله مصر من «عبقرية المكان والزمان» كما يشير المفكر جمال حمدان في موسوعته القيمة. ولما لها من رمزية قلما يوجد لها نظير في بلاد الدنيا، ولذلك سُميت «أم الدنيا»، فإن لمصر كذلك واجبا وديننا علينا، نحن العرب أن نوفيه. وهذا الدين للأرض والشعب المصريين.

ومن حق مصر وشعب مصر أن يهنأ بحياة طيبة رغيده. من حق مصر والمصريين أن نحفظ لهم كرامتهم وعزتهم، إنهم من علمونا كيف نبري الأقلام، وكيف نطوي الكتب تعليما وثقافة.

تعتبر مصر أم الدنيا وأم القانون العربي، لكثرة القانونيين والبحاثة في القانون، وقلما نجد بلدا عربيا لم يستعن بالقوانين المصرية أو بالقانونيين المصريين. ومع ذلك فإن مصر تعيش بلا قانون؛ فوضى في كل شيء، وسعة للذمم ما بعدها سعة! يحز في النفس أن نقول هذا، ولكن الواقع لا يعرف العواطف والمجاملات.

أول ما وطأت قدماي مطار القاهرة الدولي، قلت في نفسي: والله ورجعت لك يا مصر. وإذا بأحد ضباط الجوازات يقول لي: للخلف درَ. قلت له: أنا؟ قال: نعم أنت يا باشا، انتظر على جنب. وقفت قليلا، وأصبح الوقوف مملا، ودارت في رأسي أمور كثيرة. ولكن «كبرَت» دماغي. استعجلت ضابط الجوازات. فقال: كل سنة وأنت طيب يا «بيه». تذكرت عزيزي أبوفيصل، فهو كلما قال له أحد في مصر كل سنة وأنت طيب، كان رده عليهم: «ليش اليوم عيد عندكم». قلت أتشطر وأعمل «زي» بوفيصل، فقلت للضابط، ردا على عبارة «كل سنة وأنت طيب»: خير، عندكم عيد اليوم؟ قال لي الضابط: «آه، مادام حضرتك جيت يبىء عيد». فهمت المعنى: ايدك على البقشيش.

بعض الخليجيين «يناحس» وما يدفع «البقشيش»، وأنا قاطع عهد على نفسي أني ما أدفع «البقشيش» حتى لأكبر شنب! ظليت انتقل من ضابط للثاني، وكل واحد يحولني على الثاني، وكل واحد يقول لي: كل سنة وأنت طيب. و»اتعوذت» من «إبليس» ومن عبارة بوفيصل تلك، وكان جوابي: وأنت طيب يا «باشا». في النهاية، استلمت الجواز.

أخذت مقعدي بالتاكسي، فقال لي السائق: الدفع أولا. دفعت الأجرة وأعطوني رصيد، ويا كثر الأرصدة في مصر... والأرصدة ستتكرر معي في هذه الرحلة بكثرة غير متوقعة. المهم بعد وصولنا إلى المكان المتفق عليه، خرجت من «العربية» وحملت الأمتعة. في هذه الأثناء باغتني سائق التاكسي بقوله: ادفع «البقشيش»، قلت له: بقشيش إيه يا راجل، أنت أخذت أجرك وزيادة من البداية. قال لي: لا لا، أنا أسرعت بالعربية وجبتك من طريق مختصر، وبالتالي عليك دفع أجرة إضافية على ذلك! رفعت حاجباي تعجبا، ولم يفد ذلك، قلت له إنك من قلت بأنك ستأخذني بطريق مختصر، ولم أطلب منك ذلك، قال لي: إيه يا باشا، أنت حتعملي حكاية! قلت: لا حول الله يا ربي. دفعت وأنا أضحك، وشر البلية ما يضحك! وأفضل شيء في «مصر» أنك تدفع وأنت تضحك!

قلت في نفسي: هذه بلاد أم القانون. أصبحت بلاد مخالفة القانون. كل قانون في مصر قابل للكسر؛ من تعريفة الأجرة لغاية السكن في قصر الملك فاروق (السلاملك) بالمنتزه! يا سلام يا أم القانون. هل عجز القانونيون المصريون عن إلزام هذا «النظام» بتطبيق القانون. إيه النظام ده؟! وتحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر. وللحديث بقية، إن كان في العمر بقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1816 - الأحد 26 أغسطس 2007م الموافق 12 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً