العدد 1825 - الثلثاء 04 سبتمبر 2007م الموافق 21 شعبان 1428هـ

مصانع الأسمنت بيئيا

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

عدت إلى البحرين في أوائل يوليو/ تموز على خلفية مقالات وموضوعات كثيرة في جرائدنا المحلية بشأن مصنع من المزمع إقامته واحتجاج الأهالي ممثلين في نائب المنطقة ومن ثم رد وزير الصناعة ومحاولات من بعض المسئولين عن حماية البيئة للتوفيق والإصلاح وتسويق المصنع على أنه مصنع مستوف للشروط ولا خوف من ورائه، ليتلو ذلك رد من صاحب مشروع المصنع مع شركات أخرى بإعلان اعتزامهم إنشاء مصنع أكبر كذلك في منطقة اخرى ليتكرر رفض نواب وأهالي المنطقة ويتكرر تصريح وزارة الصناعة بأن المنطقة صناعية وهي وحدها من يقرر ما يتم فيها.

ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن فرصة لبيان وجهة نظرنا البيئية في الموضوع كواجب يقتضيه موقعنا كجمعية بيئية تعود الناس التعرف على وضع البيئة من خلال تواصلها معهم، ويقتضيه علمنا بما قد لا يكون معلوما لدى الآخرين، وكحق للناس وللأجيال القادمة وللبحرين علينا. وبسبب كثرة وإلحاح القضايا البيئية وبسبب التزاماتنا الكثيرة لاسيما مع قادة مستقبل بيئة البحرين، فلقد مرت أسابيع من دون أن نعلن رأينا، لذلك قمنا بتنظيم مؤتمر صحافي بمقر جمعية أصدقاء البيئة بمدينة حمد حضره عدد من نشطائنا البيئيين وزملاؤنا من أعضاء التكتل البيئي الذي نتشرف بانتمائنا له.

وجهت الدعوة لجميع أعضاء المجلس النيابي، هذه المرة حرصت على دعوة كل منهم على حدة وعدم الاعتماد على وسيط، كما وجهت الدعوة للمجالس البلدية وأعضاء مجلس الشورى. اعتذر عدد من الشوريين والنواب والبلديين لأسباب طارئة وآخرون لأسباب عادية والأكثر لم يعتذروا ولم يحضروا. عقد المؤتمر وخرجنا منه بنتائج أكثر مما توقعنا وتلك من نعم الله التي تجعل العراقيل والصعوبات التي نواجهها أسهل وأقل إيلاما.

أدرت المؤتمر باسم جمعية أصدقاء البيئة المنظمة له وباسم التكتل البيئي الذي ننضوي جميعا تحت لوائه. تم تقسيم المؤتمر إلى أربع أطروحات الأولى تعطي خلفية لموضوع مصانع الأسمنت والمواقف المختلفة تجاهها. الأطروحة الثانية أطروحة بيئية لا تعبر عن آراء خاصة بقدر ماهي تشرح الواقع البيئي لمصانع الأسمنت وتتكون من ثلاث وقفات بيئية في الموضوع. الأطروحة الثالثة للحضور للتعبير عن آرائهم ومرئياتهم في الموضوع، والأطروحة الرابعة تقدم توصياتنا للنواب والبلديين والشورى بشأن الموضوع.

في غياب ممثلي المنطقة طلبنا من عضو التكتل البيئي الناشط البيئي رئيس الجمعية الأهلية للهوايات البحرية تقديم الأطروحة الأولى وليوضح كذلك رأيه بشأن مصانع الأسمنت. وخلال الأطروحة الثالثة تحدث رئيس لجنة المرافق والبيئة النائب جواد فيروز فأثنى على الجهود التطوعية للجمعية شاكرا المبادرة الطيبة بتنظيم هذا المؤتمر المهم، وشدد على أهمية ما تم عرضه من معلومات ونقاط للتفكير. وأكد ماورد في الأطروحة البيئية بشأن التخطيط، مبينا أن غياب هيئة عليا ووزارة خاصة للتخطيط هو من الاسباب الرئيسية في الكثير من المشكلات في جميع المجالات مبشرا الحضور بأن النواب وعلى رأسهم رئيس المجلس يسعون حثيثا لإيجاد حل حقيقي ومتقدم. كذلك تعجب في أطروحته من تهميش دور البلديين في الوقت الذي يجب أن يكون لهم فيه دور رئيسي في اختيار المنطقة التي تقام عليها المشروعات في بلدياتهم وكذلك إعطاء اذونات البناء فيها. كذلك أكد أن موضوع مصانع الأسمنت وخليج توبلي هما على قائمة أولويات موضوعات يوم الاثنين الأول لاجتماع النواب.

وتحدث النائب سيد حيدر الستري عن أن القضية البيئية هي قضية عالمية، رابطا ذلك بتغيرات المناخ والاحتباس الحراري وآثارها المدمرة على البيئة والإنسان في كل مكان، وأكد على ضرورة تكاتف الجهود لأجل حماية البيئة وخلق اهتمام جماهيري بالبيئة وشئونها وكرر ما قاله في اجتماع سابق لنا معه بشأن ضرورة وجود مجلس أعلى للبيئة متوازن نصف طاقمه على الأقل من المهتمين بالبيئة من نشطاء بيئيين وعلماء وباحثين غير محسوبين على المؤسسة الرسمية.

بقى أن أنقل لكم أهم ما أوردته في الأطروحة البيئة والتي قسمتها إلى ثلاث وقفات بيئية.

الوقفة البيئية الأولى حول مصنع الأسمنت نفسه:

ما هي آثاره المتوقعة على البيئة وبالتالي على الصحة؟ وهو السؤال الذي يريد الجميع معرفة إجابته من نواب وبلديين وشوريين وأهالي المناطق القريبة من المصانع، إلا أن إجابة هذا السؤال تعتمد على إجابات عدد من الأسئلة الأولية وهي:

(أ‌) ما هو المصنع؟ ماهي العمليات التي ستتم فيه؟ هل سيتم تصنيع الأسمنت من مواده الأولية (والتي هي غير متوافرة في البحرين)؟ أم ستجلب مواد نصف مصنعة وسيتم في المصنع فرمها وخلطها crushing and mixing (وهو الأرجح)؟

(ب‌) ماهو نوع الأسمنت الذي نتحدث عنه؟ هل هو النوعية الاعتيادية (Portland) والتي يحتاج تجنب أضراره البيئية إلى درجة عالية من التحكم عند التعامل معه؟

(ت‌) ما هي النفايات التي من المتوقع أن ينتجها هذا المصنع؟ مشتملة على التي قد تلوث الهواء أو التربة أو الماء؟

(ث‌) ما هي التقنيات التي سيستخدمها المصنع لمنع انبعاث الملوثات؟ هل هي أفضل ما هو موجود؟ هل هي قادرة على منع تلويث المصنع للبيئة؟

وفي ظل غياب إجابات هذه الاسئلة فمن الصعب معرفة إجابة السؤال الذي يريد الجميع معرفة إجابته، ولكن عموما فإن مصانع الأسمنت قديمة وتمت دراستها في أماكن كثيرة من العالم وهناك حقائق عامة بشأنها. فمن الملوثات المتوقعة من مصانع الأسمنت عموما الغبار والمواد العالقة التي تلوث الهواء وتستطيع التسبب في أمراض تنفسية كثيرة وفي سرطانات معروفة فضلا عن الأمراض الجلدية، مايزيد من الوضع سوءا لدينا في البحرين هو الرطوبة العالية والتي تنبئ بأن أهالي المناطق القريبة من مصانع الأسمنت ستزداد معاناتهم بعد غروب الشمس أكثر من أي وقت آخر.

كما أن المواد المتوقع استخدامها للتخلص من الغبار والمواد العالقة (foam) تشكل بنفسها نفايات صلبة تهدد البيئة وقد تتسبب في تلويث المياه الجوفية والتربة والبحار إن لم يتم التخلص منها بطريقة صحيحة.

ملوثات الهواء من غبار متطاير ومواد عالقة لا يمكن منعها خلال عمليات الفرم والخلط باستخدام الرش بالماء كما يحدث في صناعات أخرى، ويحتاج منع تطايرها وانتشارها تقنيات خاصة مثل (sustainable bio-filters) وهي غالية الثمن وتحتاج إلى صيانة دائمة، فمن القضايا التي قرأت عنها ضمن قضايا كثيرة في دول مختلفة كنيجيريا وتركيا أن أحد مصانع الأسمنت يتعرض للمقاضاة على رغم من أن لديه مرشحات (filters) والسبب في ذلك أنه لم يكن يشغلها في أوقات كثيرة لتوفير كلفة الطاقة والصيانة، ما يوصلنا إلى سؤال مهم جدا وهو:

هل ستستخدم هذه التقنيات العالية (والتي لانجد مثيلا لها في مصانعنا البحرينية الشبيهة كمصانع غسيل الرمال ونحوها) في مصنع الأسمنت المزمع إقامته؟

والسؤال التالي:

هل اشترطنا على صاحب المصنع أن يتأكد من ذلك؟ ومن الذي اشترط؟ وهل هناك من يراقب ويتابع ويرصد ليتأكد أن أفضل التقنيات قد استخدمت فعلا وأن صيانتها مستمرة (وهي مكلفة أيضا) وأن أداءها في كل دقيقة هو أفضل ما يمكن؟

يوصلنا ذلك إلى السؤال الذي أختم به وقفتي الأولى وهو:

هل عملت دراسة تقييم أثر بيئي لهذا المشروع؟

يشترط القانون البحريني ذلك، فهل عملت؟ من عملها؟ لماذا لم يتم استشارة مؤسسات المجتمع المدني المعنية كجزء مهم وأساسي من أساسيات دراسات تقييم الاثر البيئي (EIA)؟

ما يجعلنا نتساءل:

هل أجريت تلك الدراسة بشكل صحيح يحمي البيئة وبالتالي صحة الناس؟ من الذي تأكد من ذلك؟ هل اطلع النواب والبلديون والشوريون على تلك الدراسة؟

ثم...

هل النواب والبلديون والشوريون قادرون على فهم تلك الدراسة لو أعطيت لهم، ومراجعتها ودراستها وتقييمها؟ هل كلفت جهة استشارية بيئية متخصصة محايدة بإنجاز ذلك ومساعدة ممثلينا على اتخاذ القرار الأفضل؟

الوقفة البيئية الثانية:

بعد أن عرفنا باختصار بعض الإشكالات البيئية بشأن المصنع، دعونا نتوقف ونتساءل فيما بيننا ونسأل من اتخذ قرار التصريح للمصنع: هل البحرين بحاجة حقيقية وماسة لإنشاء مصنع أسمنت بها؟ (البحرين وليس أفراد قلائل منها).

تلك المملكة الصغيرة التي ما زال سكانها يشتكون من عدم وجود مساحات من الأرض كافية لإقامة بيوت يسكنون فيها، لماذا عليها أن تحضر إلى أرضها كل الصناعات الملوثة في العالم؟

هذا التوجه بحاجة إلى وقفة ومراجعة...

الوقفة البيئية الثالثة:

هناك أبعاد أعم للمشكلة قد نستشفها من رد وزير الصناعة حيث ذكر بأن المناطق التي من المزمع إقامة المصانع عليها هي مناطق صناعية وبالتالي فوزارته هي من يقرر ما يقام فيها؛ ما يذكرنا بموضوع جوهري قلناه وقاله آخرون غيرنا في كل المجالات: غياب التخطيط...

يجب أن يكون لنوابنا وشوريينا وبلديينا أيضا دور في مرحلة التخطيط وتقسيم الأراضي إلى سكنية وزراعية (إن تبقت أراض زراعية!) وصناعية. هل أخذوا هذا الدور؟ وإذا كانت الإجابة لا، فلماذا لم يكن لهم أي دور؟

وأذكر بمثال ليس ببعيد: جسر قطر - البحرين، عندما طالبنا ألا يمرر المشروع قبل أن يطلع النواب على الدراسات ويعرفون تماما ما هي الآثار المتوقعة للجسر وكيف سيقام ونحوه من تفاصيل، تم تمريره من دون كل ذلك وقيل لنا: مازلنا كمجلس نيابي قادرين على وضع جميع اشتراطاتنا وقت إقرار الموازنات المختلفة...

وكرأي بيئي ومنطقي أقول لهم: الصحيح يا أصحاب السعادة أن يكون لكم رأي في البداية... من وقت التخطيط!

ومرة أخرى لايمكن لذلك (بعد تحملكم مسئوليتكم تجاه المطالبة بالدراسات كاملة قبل اتخاذ أي قرار) أن يتم إلا باستعانتكم بجهة استشارية بيئية محايدة قادرة على دراسة ماهو موجود وتقييمه وإعطاءكم رأي محايد وقادر أيضا على عمل الدراسات التي تحتاجها لإعطائكم صورة واضحة دقيقة تمكنكم من اتخاذ القرار الأفضل وأنتم مطمئنون أن المعطيات التي على طاولتكم كاملة، صحيحة وحديثة.

من دون كل ذلك لن يتمكن نوابنا (وشوريونا وبلديونا) من تأدية واجبهم كنواب لنا وأمناء على إرث الأجداد للأحفاد...

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1825 - الثلثاء 04 سبتمبر 2007م الموافق 21 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً