العدد 1829 - السبت 08 سبتمبر 2007م الموافق 25 شعبان 1428هـ

الإيرانيون والعرب وجدل «ملء الفراغ» الأميركي!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لم يعد سرا بأن الأميركيين فشلوا في تحقيق الأهداف الأساسية المعلنة التي رسموها للعراق وأنهم باتوا يغوصون أكثر فأكثر في أعماق المستنقع العراقي مع كل يوم إضافي يقضونه في بلاد الرافدين! كما لم يعد سرا ايضا بأن تحالف ما يسمى بالقوات المتعددة الجنسية الذي غطى غزو العراق قد انفرط عقده مع هروب البريطانيين من البصرة!

كما لم يعد سرا بأن «البطانة» السياسية التي أتت مع الاحتلال أو القوى الميليشياوية التي نشأت على أنقاض الدولة والكيان الذي فككه الأميركان، قد تشظت وتناثرت ولاءاتها بشكل لم يعد بمقدور الأميركيين المنهكين والذين باتوا منفورين من قبل الجميع، أن يعيدوا «اللحمة» إلى بطانتهم الأساسية أو أن ينجحوا في خلق تحالف «مطمئن» يمكن أن يضمن لهم نفوذهم في حال اضطروا لتنفيذ هروب مماثل لهروب البريطانيين من أرض الرافدين هو قادم لا محالة عاجلا أو آجلا!

وهنا تأتي أهمية وخطورة «الحرب الباردة» المفتوحة منذ مدة بين واشنطن وطهران حول مستقبل المنطقة وليس مستقبل العراق فحسب والذي بات على كف عفريت حسب جميع التقارير الخارجة من الميدان!

فالأميركيون ومهما أصبحوا ضعفاء في العراق إلا أنهم لن يقبلوا الخروج منه «بخفي حنين»! كما يقال وسيبذلون قصارى جهدهم لتعم فوضى التشظي والانفلات والتشتت العراقي إلى سائر دول المنطقة لا سيما إيران وسورية أو حتى دول مجلس التعاون إذا ما اضطروا إلى ذلك في لحظة عسيرة ستدفعهم إلى تطبيق القول العربي الشائع: «عليّ وعلى أعدائي يارب»!

وأما الإيرانيون فإنهم ومهما كانوا فرحين بتخبط عدوهم اللدود في مستنقع العراق فإنهم ولا شك سيبقون قلقين وغير مطمئنين إلى مستقبل بلادهم ما لم يتم ضبط التشظي والانفلات العراقي في دوائر محدودة وتحت السيطرة!

من هنا فإن استراتيجية الأميركيين فيما تبقى لهم من قوة تأثير في الشأن العراقي وهي لا بأس بها على رغم الضعف والهوان، هي كيفية تصدير الأزمة العراقية إلى خارج الدائرة العراقية لتسهيل مهمة الانسحاب التدريجي و»المشرف» لقواتهم المنهكة والمتوحلة في مستنقع العراق، الأمر الذي يعني فيما يعني تحميل البلاد العربية «وزر» الفشل الأميركي و»أثقال» أو وطأة تنامي القوة الإيرانية الاقليمية وصعودها وجعلها تبدو الخطر الداهم على الأمن القومي المتهالك أصلا لأسباب الوهن الأميركي نفسه!

هذا فيما تبدو الاستراتيجية الإيرانية فيما لها من نفوذ قديم مكتسب ذاتيا وآخر مستجد على حساب التراجع الأميركي، أنها بصدد ما يمكن تلخيصه على الطريقة الإيرانية التي سميتها يوما بـ «دبلوماسية حياكة السجاد».

بالقول أنها أشبه ما تكون بـ «الإدارة المشفقة»! للفشل الأميركي والإدارة المتأملة «للأنتصار» الإيراني!، الأمر الذي ظهر على لسان الرئيس أحمدي نجاد بالقول إن بلاده مستعدة «لملء الفراغ» الناتج عن الهزيمة الأميركية المرتقبة ولكن بالتعاون مع دول الجوار العربي لا سيما العربية السعودية.

أعرف أن هذا الكلام أثار حفيظة الكثير من القوى العراقية الوطنية والعربية القومية وغير القومية وقد يكونوا محقين في ذلك لأنه أمر صادم بالفعل لكن ذلك لم يأت من فراغ ولا يمكن أن يترك للفراغ أيضا!

لكن ما أعرفه ايضا أن الوقت ليس وقت العتاب أو اللوم المتبادل بين الإيرانيين والعرب برأيي بقدر ما هو وقت التشمير عن السواعد والبدء فورا ومن دون أي تردد أو تأخير للبحث عن استراتيجية مشتركة لإنقاذ العراق من حالة الضياع الداخلي الذي يعيشه وتخليص أهله من العبث الأميركي بما تبقى من بلاد الرافدين!

إن توازن القوى المحلي والإقليمي والدولي المحيط بالعراق لا يسمح لأي من الطرفين أن يدخل في مغامرة جديدة سواء من نوع الحروب العبثية القديمة التي أدت إلى استجلاب الشر الأميركي الراهن، ولا من نوع حروب الفوضى الهدامة التي تقترحها وتحمس عليها وتعمل من أجلها صباح مساء عصابة المحافظين الجدد لإنقاذ سفينتهم الغارقة والتي تكاد تلامس قاع المستنقع العراقي هذه الأيام!

وبما أن إيران غير قادرة أن «تبلغ» العراق فضلا عن إمكان هضمه أو استيعاب تداعيات «التفرد» في صنع مستقبله السياسي مهما أبدت من «حمية» تضامنية مع حلفائها التاريخيين أو استسلمت لإحساسات غرائزية يحاول بعض من حلفائها توريطها فيها بين الفينة والآخرى!

ولا العرب المتفرقين والمشتتين شيعا وأحزابا للأسف الشديد بقادرين على «لملمة» ما بقي من العراق المنهك والمستباح والنازف والرازح تحت وطأة ألاعيب عصابة المحافظين الأميركيين الجدد وبطانتهم السياسية «الهاوية» والمتهاوية معهم!

فإنه لا سبيل أنجع من أن يجلس العرب والإيرانيون إلى طاولة حوار جدية وشفافة وصريحة يفاتح بعضهم بعضا بحقيقة مشاعر القلق المتبادل وحقيقة التحفظات الموجودة لدى كل طرف على سياسات الطرف الآخر والهواجس الكثيرة المتبادلة وما أكثرها!

إن التطورات الإيرانية الداخلية الآخيرة وكذلك القادمة مشجعة جدا باتجاه مزيد من الحكمة والتوازن والتعادل في التوجه نحو الخارج، لا سيما نحو دول الجوار، وكل من يدّعي غير ذلك واهم أو واقع تحت تأثير التشويش المقصود والمتعمد الصادر من دوائر صغيرة معزولة ترفع صوتها من خارج إيران مرة ومن داخلها مرة آخرى! لكن القدر المتيقن هو أن التطرف والتزمت والتصلب في أجنحة الطبقة السياسية الإيرانية كافة بات من الماضي الذي لن يستطيع أحد استدعاءه مهما تسلح بالصوت العالي!

إن إيران المستقبل تتجه نحو العقلانية لا محالة سواء في السلم أو الحرب التي قد تفرض عليها ويكفي أن تتوقفوا مليا عند الخطاب الآخير الذي ألقاه مرشد الثورة على مسامع السلك الدبلوماسي الإيراني العام عندما حدد لهم خيار المواجهة فيما لو فرضت على الوطن بأن «تكون المواجهة مواجهة عقلانية»! وما انتخاب الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني لسدة رئاسة مجلس خبراء القيادة إلا مدماك جديد على طريق التوازن في مطبخ صناعة القرار والذي يقرأه العارفون هنا على أنه جزء من عملية إعادة ترتيب البيت الإيراني من الداخل لصالح كبح جماح الإفراط والتفريط في السياستين الداخلية والخارجية!

التغيير الذي تم آخيرا في قيادة حرس الثورة الإيراني وعلى رغم كل التنظير والتحليل البائس الذي سودت به عشرات الصفحات من الإعلام الغربي والعربي أقول وإن أزعم أنني أكثر من يلامس الواقع الإيراني من قرب أنه لم يحصل إلا على خلفية داخلية خاصة بالحرس الثوري نفسه وفي إطار «ضبط وربط» الأمور داخل البيت الإيراني بما يمنع من تسرب أية مياه آسنة إليه من الخارج وبما يمنع في الوقت نفسه من أي تصدع قد يعتريه في حال فرضت المواجهة عليه، المواجهة التي ازعم ايضا بأن القيادة الإيرانية مجتمعة متفقة على ضرورة تجنبها قدر الإمكان... ولكن ليس بأي ثمن كان! ويكون هنا بيت القصيد في حالة التباين والتباعد احيانا والتي بدأت تظهر وتتعارض يوما بعد يوم بين استراتيجية القيادة الإيرانية وبعض القيادات العربية الأمر الذي يجعل الحوار أكثر الحاحا والإدارة «المشفقة» للاختلاف بين أهل الدار أكثر إلزاما بعد خيار الإدارة «المشفقة» لهزيمة أعداء الدار!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1829 - السبت 08 سبتمبر 2007م الموافق 25 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً