العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ

ولكن ما الحل إن أصبح أكثرهم فقراء؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

وجود نسبة من الفقراء في مستوياتها المعقولة أمر طبيعي لا يمكن الفرار منه، إذ لابد من وجود عاجزين، وهذا ناتج عن طبيعة الحياة والعمل فيها، فيصاب الإنسان بالمرض فيعجز عن الكسب، أو يموت نتيجة حادث أو موت طبيعي، فيخلّف أيتاما صغارا عاجزين عن توفير ما يكفيهم من الحاجات. ولكن حين ترتفع نسبة الفقراء، وتشمل القادرين على العمل وأصحاب الكفاءات، فهذا يدلل على وجود ظلم اجتماعي. المجتمع الذي تسود فيه العدالة، يكون الفقر من نصيب العاجزين، وفيه تتضاءل نسبة الأثرياء ونسبة الفقراء، والنسبة الأكبر تقع في الوسط بينهما، بمعنى اتساع رقعة الطبقة الوسطى، ما ينتج عن ذلك استقرار المجتمع. ووجود نسبة ضئيلة من العاجزين والمحتاجين أمر قادرة الدولة والمجتمع على احتواء آثاره، خصوصا بوجود النزعات المعنوية الأخلاقية المغروسة في أعماق النفس البشرية، كالإيثار والشجاعة والكرم والإنفاق وإغاثة الملهوف. وبالتالي فإن القلة العاجزة عن الكسب لا تعيش الفقر، إذ من الطبيعي أن تتسابق غالبية المجتمع الإسلامي الصالح إلى جانب الدولة العادلة، في قضاء حاجات هذه الأصناف من العاجزين، فيسود الود ويقوى التماسك المجتمعي، وتُنزع الشحناء والحقد الذي يمكن أن ينبت في قلوب المحرومين عندما يعيشون في وسط، تكتنفه مظاهر البذخ، وصرف الأموال الطائلة على وسائل الترف واللهو، في الوقت الذي يكون أقصى مطمع هؤلاء، إشباع حاجاتهم الضرورية.

المشكلة تكمن، حين تكون أقلية من المجتمع، تمتلك أكثر الثروة، وتستحوذ على جلّ الدخل، فتتضائل الطبقة الوسطى، وتعيش الأكثرية في ضنك وشدّة، وهذا يعني وجود ظلم اجتماعي فاحش، مكّن فئة من الناس في وقت سابق، ونتيجة ما تمتلك من وسائل قوة وقهر، على امتلاك هذا القدر من الثروة، فلم يفتح الجيل الحاضر عينيه، إلا وقد أصبح كل العالم الموجود حوله ملكا خاصا.أتذكر قبل تدشين عصر الإصلاح بسنوات، وفي أيام الانتفاضة التسعينية، كان أحد الزملاء يراقب ما يحدث من استيلاء على الأراضي، ويقول: ستحصلون على برلمان، ولكن بعد أن لا يبقى شيء من الثروة.هذه النبوءة تجسدت فيما بعد في امتلاك متنفذين للسواحل بلا وجه حق، وأصبح المتاح منها أقل من 3 في المئة للمواطنين، ووصل الأمر لحد حرمان بعض القرى الساحلية بشكل تام من سواحلها، كقرية صدد، إذ لم يترك لهم حتى بضعة أمتار يجتازونها للوصول إلى البحر.

حين تم فتح العراق أيام الخليفة الراشدي عمر بن الخطّاب (رض)، ألحّ عليه الصحابي بلال وآخرون بتقسيم سواد العراق (الأراضي الخراجية) على المقاتلين، فأشار عليه بعض الصحابة وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) بعدم الامتثال لهذا الطلب، «وترك هذه الأراضي فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا»، فهي ملك لعامة الأمة حتى تقوم الساعة. والمبرر وراء موقف الإمام علي (ع)، هو أن تقسيم هذه الأراضي الشاسعة على قلة من المسلمين ممن شاركوا في فتح العراق، سيترك الأجيال القادمة بلا شيء.هذه الحادثة يذكرها المؤرخون والعلماء، ومنهم أبوعبيد القاسم بن سلام في كتابه (الأموال)، إذ يذكر أن الخليفة عمر رفض طلب بلال بتقسيم سواد العراق، وقال: «تريدون أن يأتي آخر الناس ليس لهم شيء؟». فكيف يستقيم العدل في بلدنا بعد أن تم امتلاك أراضي الملك العام كلها حتى لم يبق للدولة سوى 10 في المئة؟ الثروة الأكبر متمثلة في الأرض، أصبحت ملكا لفئة قليلة، تجني من ورائها الأموال الطائلة بلا جهد ولا عمل تقدمه يصب في خدمة جهود التنمية.

وفي أدبيات الأمم المتحدة الإنمائية «بأنه إذا بقيت امتيازات غير معقولة، وغنى فاحش وظلم اجتماعي، عندها تكون التنمية قد فشلت»، والمؤكد وجود تفاوت فاحش في المملكة، لابد أن ساهم في حصوله التملك للثروات الطبيعية وعلى رأسها أراضي اليابسة والبحر، إذ لا يُعقل أن يكون متوسط دخل الفرد البحريني أكبر من السعودي وحتى أكبر من الفرد الكويتي، بينما الفقر ظاهر للعيان، حتى أصبح الكثير من المواطنين يشكون من صعوبة شراء السلع الحيوية من الأغذية، فضلا عن الكمالية؟ إن البحرين من الدول القلائل ذات التنمية البشرية العالية. وتوجد ثلاث مؤشرات للتقييم الذي بموجبه تنال الدولة درجتها في تحقيق التنمية البشرية سواء متدنية أو متوسطة أو مرتفعة، الصحة والتعليم ومتوسط دخل الفرد، وهذا الأخير حتما رفع المملكة بدرجة كبيرة وأوصلها لمصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، ولكن بين واقع نصيب المواطنين من الدخل وأرقام متوسط دخل الفرد الذي يتم تزويد الأمم المتحدة بها، بعد المشرقين. من دون تدخّل جاد لإيقاف هذا النزيف في ثروة البحر واليابسة، وتوظيف فائض النفط لإعادة التوازن المجتمعي، واسترداد الأراضي المصادرة، حينها ستتسع فجوة التفاوت. وإذا كانت الأقلية الفقيرة تنعشها الأكثرية المتوسطة، حينها وبعد أن تتضاءل الطبقة الوسطى بصورة أكبر من الوضع الحالي سنسأل: من للأكثرية الساحقة إن أصبحوا فقراء؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً