العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ

إدارة المطبوعات وسياسة الأسرار المكشوفة

نادر كاظم comments [at] alwasatnews.com

.

بانقضاء يوم الجمعة الماضي يكون كتابي الجديد «استعمالات الذاكرة: في مجتمع تعددي مبتلى بالتاريخ» قد أكمل ثلاثة أشهر بالتمام والكمال في ضيافة إدارة المطبوعات والنشر بوزارة الإعلام؛ إذ قدّم الكتاب إلى هذه الإدارة بتاريخ 19 يوليو/تموز 2007 من أجل الحصول على إجازة للطباعة والنشر، وذلك وفقا لما تنص عليه المادة (17) من مرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، إذ تشترط هذه المادة الحصول على إذن كتابي من أجل تداول المطبوع. لقد قدّمت الكتاب التزاما بهذه المادة من القانون، إلاّ أنّ هذه الإدارة لم تكلّف نفسها بالرد لا سلبا ولا إيجابا حتى بعد انقضاء مدّة الأشهر الثلاثة، وكأنّ الكتاب بحاجة إلى كلّ هذا الوقت ليتنقل بين أيدي متعددة ولجان مختلفة تقرأه وتقلّب أوراقه قبل أن تصدر الإدارة العتيدة إذنها الكتابي المبارك! وأنا لا أستبعد أنْ تعلن هذه الإدارة قرار المنع لرفع الحرج خصوصا بعد تحرّك جمعية الصحفيين وتفاعل القضية دوليا، ولا أستغرب أنْ تقوم هذه الإدارة بتلفيق أيّ تهمة لتبرير منع الكتاب كتلك التهم المستهلكة حول إثارة الفتنة الطائفية وغيرها، وهي تهمة، إذا ما صدرت، لا تليق إلاّ بمَنْ أطلقها حيث «ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله»(فاطر:43)

والحق أنّ هذا الموقف السلبي قد صار مألوفا من قبل هذه الإدارة تجاه كلّ المؤلفات التي تتناول التاريخ المحلي أو الشأن السياسي، ومَنْ يتابع عمل هذه الإدارة سيكتشف، دون جهد كبير، أنها لم تجز أيّ كتاب بحريني سياسي أو تاريخي إلا إذا كان يعبّر عن وجهة نظر رسمية. وقد كان الواحد منّا يظن أنّ هذا الموقف فرضته معطيات قانون أمن الدولة، إلاّ أنّ الحاصل هو أنّ مماطلات الإدارة مازالت مستمرة حتى هذه اللحظة وكأنّها غير عالمة بأن تلك الحقبة المظلمة قد ولّت إلى غير رجعة، أو كأنّها عاجزة عن التكيّف مع حقبة مختلفة عن تلك التي تكوّنت وتنشّأت فيها.

ذكرتني هذه المماطلة بالمرحوم فؤاد إسحاق خوري وحكاية حظر كتابه «القبيلة والدولة في البحرين» من قبل هذه الإدارة ذاتها في العام 1983. ولم يكن الباعث على هذه الذكرى هو وجود تشابه بين محتوى كتاب خوري وكتابي (ومن يودّ عقد الصلة بين الاثنين سيلزمه وضع الطائفية مكان القبيلة في عنوان الكتاب)، ولا هو تشابه في المنظور المنهجي الثقافي الذي يشترك فيه الكتابان، ولا في الحياد الذي يتطلبه الاقتراب من مناطق حسّاسة في بلاد تريدها إدارة المطبوعات أنْ تكون بلاد «الأسرار المكشوفة» open secrets، كما يقول فؤاد خوري أو كما يقول وزير الداخلية آنذاك. لم أرجع إلى حكاية حظر كتاب «القبيلة والدولة في البحرين» لهذه الأسباب على وجاهتها، ولكني أتذكّر خوري هنا لتشابهين اثنين جمعا بيننا: الأوّل هو الوهم أو الظن الجميل الذي كان يحمله خوري تجاه دولة جَهِد أيّما جهد من أجل أنْ يخرج كتابا بهذه القيمة من أجلها، والثاني هو التأويل المغلوط للرسائل والإشارات التي تصدر عن المسئولين في إدارة المطبوعات بوزارة الإعلام.

انتقل فؤاد خوري إلى جوار ربه في العام 2003، إلا أنّه قبل وفاته بيومين سلّم مسودة كتابه الأخير «دعوة للضحك» An Invitation to Laughter إلى زوجته، ونشر الكتاب بالإنجليزية في هذا العام 2007 بعد وفاته بأربع سنوات. في هذا الكتاب دوّن خوري- رحمه الله- ملاحظاته وذكرياته المتعلقة بسيرته العلمية والمهنية، واشتمل الكتاب على فصلين خاصين عن البحرين، والفصل (11) هو الذي يعنينا لكونه ينطوي على الحيثيات التي أحاطت بقرار (أو لا قرار) حظر الكتاب في البحرين. وقد وضع خوري لهذا الفصل عنوانا صائبا وبالغ التعبير عن سياسات وزارة الإعلام وطريقة تعاملها مع الفكر والثقافة والكتاب في البحرين، وهو كالتالي: «أسرار مكشوفة قابلة للنقاش ولكن غير قابلة للنشر» open secrets discussable but not publishable.

يذكر فؤاد خوري أنه كان مقتنعا بأنّ كتابا عن تاريخ البحرين وتحوّل السلطة السياسية والاجتماعية في هذا البلد سيجذب قطاعا عريضا من القرّاء، وأكثر من هذا، فقد ذهب به ظنه إلى حد أنه تخيّل أنّ الحكومة البحرينية ستتقبل الكتاب بإيجابية وستبادر «إلى شراء نسخ منه لتقديمه كهدية إلى أصحاب المقامات الرفيعة والزائرين» (An Invitation to Laughter, P.120)، ظنا منه بأن الحكومة ستتعامل مع النقد البناء المتضمن في الكتاب وفق قاعدة «رحم الله مَنْ أهدى إليّ عيوبي»!. بقي هذا الظن في ذهنه حتى انتهى من مسودّة كتابه في العام 1978. وكبادرة حسن نية ومن أجل الاطمئنان على أنّ الكتاب لا يشتمل على ما هو مزعج ومؤذٍ للبحرينيين قام الرجل بمكاتبة وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وهي الجهة الحكومية التي استضافته في 1974/1975م، وذلك من أجل مناقشة أمر الكتاب مع المسئولين البحرينيين. وحين وصل البحرين استقبله المستشار البريطاني لوزير العمل آنذاك بل برّي، ورحّب به، وأخبره بأن وزير العمل طلب منه أنْ يقرأ الكتاب ويكتب تقريرا بشأن محتوياته.

وقد كُتب التقرير بالفعل في حدود 20 صفحة، وكانت الاستجابة الرسمية، كما ينقل المستشار البريطاني، إيجابية، وأكبر دليل على ذلك أنّ الوزير عرض على فؤاد خوري، صاحب الكتاب، أن يكون مستشارا له، وأنه جهّز متطلبات سكنه وسكن عائلته. إلاّ أن خوري رفض هذا العرض حبا منه لتخصصه ومهنته كأنثروبولوجي وأستاذ في الجامعة. بعد أيام قليلة التقى خوري بالوزير وتبادلا وجهات النظر في موضوعات عديدة لم يكن الكتاب ومصيره من بينها. إلاّ أنّ الرجل استنتج من تعليقات الوزير أنّ هذا الأخير لم يكن لديه اعتراض على الكتاب، ولهذا تابع إجراءات طباعة الكتاب، ونشر بالإنجليزية في العام 1980، ولم يمض شهر على طباعته حتى عرض للبيع في مكتبة العائلة بالمنامة من دون حظر أو مصادرة. ثم قرر أنْ يصدر الطبعة العربية من الكتاب فكانت المفاجأة، حيث تقدّم أحد أصدقائه البحرينيين بطلب الحصول على إجازة الطباعة من وزارة الإعلام، إلاّ أنّ هذه الوزارة لم ترد على الطلب لا سلبا ولا إيجابا. أما الصديق البحريني فقد فهم الرسالة على أنها عدم موافقة على الطباعة، إلاّ أنّ فؤاد خوري كان حسن الظن مع هذه الوزارة حتى آخر لحظة تماما كما كنتُ أنا. لاحقا تبيّن أننا كنّا على خطأ، وأن ظننا الجميل لم يكن في محله، وأن ما فهمه صديق خوري البحريني هو الصحيح. لقد كان فؤاد خوري حسن الظن حقا بهذه الوزارة وباستجاباتها الملتبسة وغير المفهومة، بل كان يتصوّر أنّ استجابة الوزارة ينبغي أنْ تؤول كما تؤول استجابة المرأة في عقد الزواج حيث «السكوت علامة الرضا»!

إلا أنّ معهد الإنماء العربي تكفّل بترجمة الكتاب وطباعته، وبالفعل طبع الكتاب في العام 1983، إلاّ أن المفاجأة أن وزارة الإعلام حظرت تداول الكتاب، وبقي هذا القرار ساريا حتى اليوم، إلاّ أن فؤاد خوري نفسه قد لاحظ بأن الكتاب انتشر بقوة بين البحرينيين الذين حرصوا على اقتنائه من لندن وباريس وبيروت وجنيف والكويت. ويذكر خوري أنْ حظر الكتاب قد خلق له سوقا واسعة ما كان سيحظى بها لو أنه ترك وشأنه. لقد قدّم الحظر دعاية مجانية للكتاب، والسبب أنّ القرّاء يتصوّرون أن الكتاب الرديء لا يستحق الحظر؛ لأن الحظر شرف لا يناله إلاّ الكتاب الجيّد!

ومع هذا كان فؤاد خوري مصرّا على معرفة سبب منع الكتاب في البحرين، فزار البحرين في العام 1983، ورتّب من أجل مقابلة المدير المسئول بوزارة الإعلام بغية مناقشة أسباب منع الكتاب، وفي اللقاء وصف هذا المدير كتاب خوري بأنه «مثير» provocative، ووعد بأن يعيد النظر في شأن الموافقة. ومرة أخرى يقع خوري في خطأ تفسير الرسائل والإشارات التي تصدر عن هذه الوزارة. حيث لم يكن على يقين من المعنى المقصود في كلمة «مثير»، فهل هو «مثير للإعجاب» أم «مثير للفتنة» أم «مثير للاستفزاز»؟ وحين سأل خوري هذا المدير عن مقصوده وعن أيّ إثارة يتحدّث كان الرد هو الضحك! ومرة ثالثة كان على خوري أنْ يخطئ في تفسير رسالة الضحك حين تصدر من مسئول في هذا الوزارة! وفي المرة الرابعة استعرض خوري مقاطع مما اشتمل عليه كتابه مما يمكن أن يكون هو سبب منع الكتاب، فما كان رد هذا المدير إلا سلسلة متتالية من الـ»آه» التي يمكن أن تعكس مشاعر الابتهاج والندم، والاستياء والدهشة في الوقت ذاته (غريب أمر هؤلاء فحتى آهاتهم ملتبسة ويمكن تفسيرها بأكثر من اتجاه!). وأمام هذه الحيرة كان على فؤاد خوري أنْ يجتهد في تأويل هذه الآهات! إلاّ أنّ اجتهاده لم ينته إلى نتيجة، فخرج من هذا اللقاء بخفي حنين وبجملة آهات فارغة. وفي الخلاصة لم يخرج بشيء نافع من هذه الوزارة إلا أنه سمع من وزير الإعلام آنذاك عبارة «أنّ الكتاب تضمّن أشياء وأشياء»، ففهم خوري أنّ سبب المنع يرجع إلى محتوى الكتاب، ولكن هل كان ثمة شك في أنّ سبب المنع يرجع لشيء آخر غير محتوى الكتاب؟ أتراه سيكون في شكل الغلاف أو في حجمه أو ألوان صفحاته؟! (سامح الله الوزير!).

ما عجز فؤاد خوري عن الحصول عليه من وزارة الإعلام سيحصل عليه من وزير الداخلية الذي التقاه في منزله (فبالله عليكم أليست هذه مفارقة أنْ تصبح وزارة مثل الإعلام أكثرغموضا وضيق أفق وبعدا عن الشفافية من وزارة الداخلية؟!). وفي هذا اللقاء بادر خوري بالسؤال عن سبب منع الكتاب، فلم يحصل على جواب شافٍ، إلاّ أن لحظة المغادرة كانت حبلى بالكثير، حيث صافح الوزير خوري بقوة وقال له: «كثير مما كتب في الكتاب - إضرابات العمّال، الاحتجاجات، الاضطرابات الاجتماعية، تمرّدات الشيعة، حلّ البرلمان - هي قضايا نتحدّث عنها، ولكننا لا ننشرها، إنها أسرار مكشوفة، حيث الناس تعرفها ولكننا لا نكتب عنها علنا» (P.123).

يذكر فؤاد خوري أنْ منع الطبعة العربية من كتابه في البحرين كان سابقة ستتكرر مع معظم الطباعات العربية من كتبه التي كانت تمنع من التداول في العالم العربي باستثناء لبنان والكويت قبل العام 1991. ومن هذه السابقة سيتوصل خوري إلى نظرية «الأسرار المكشوفة» في العالم العربي حيث الكل يعرف الأحداث والوقائع والمعلومات، إلا أنه محظور على الجميع نشرها علنا في كتاب، فهي أسرار مكشوفة إلا أنه لا يجوز تداولها إلاّ بيننا، وإذا صححنا عبارة وزير الداخلية فسنقول: إنّ هذه الأسرار «اسرار مكشوفة، يعرفها الجميع إلا أننا لا نسمح لأحد بنشرها علنا».

وأتصوّر أنّ إدارة المطبوعات بوزارة الإعلام تعاملت مع كتابي وفق هذه النظرية، لأني لا أشك في أن الكتاب تضمن «أشياء وأشياء» تماما مثل كتاب فؤاد خوري وأكثر، إلاّ أنّ الفرق بين «الأشياء والأشياء» التي تضمّنها كتاب «القبيلة والدولة في البحرين» وبين «الأشياء والأشياء» التي تضمّنها كتابي «استعمالات الذاكرة» هو أنّ كتاب خوري منع في ظل سيادة قانون أمن الدولة، في حين أنّ كتابي يُمنع بعد أن دفن هذا القانون وحقبته. ثم إنّ كتابي قد نُشر كاملا في الصحافة المحلية، مما يعني أنّ الأسرار ما عادت أسرارا، وما كان «بيني وبينك» أصبح منتشرا بين الجميع، كما أنّ موقع جريدة الوسط على الإنترنت مفتوح ويمكن لأيّ امرئ في العالم أجمع أنْ يطلع عليه إذا ما أراد ذلك. فبأية ذريعة تتعلل الوزارة بحظر الكتاب؟

أتذكر أنّ جريدة الوسط أعلنت قبل أشهر أنها ستنشر كتاب عبد الرحمن الباكر «من البحرين إلى المنفى»، فتدخلت وزارة الإعلام لمنع النشر بحجّة أنّ الكتاب ممنوع وغير مصرّح بنشره. ويوحي هذا التدخل أنّ ما تمّ نشره في الصحافة من دون اعتراض الوزارة يصبح حائزا، وبصورة تلقائية، على صلاحية النشر في كتاب، وإلاّ ما المبرر لمنع نشر كتاب الباكر في الصحافة؟ ثم ماذا ستفعل هذه الإدارة لو أني نشرت المقالات الصحافية في كتاب منعتْ هي إجازته، ثم عدتُ لأنشر الكتاب مرّة أخرى في الصحافة المحلية؟ هل ستمنع نشره كما فعلت مع كتاب الباكر؟ وكيف تبرر نشره أوّل مرّة دون اعتراض؟ بالنسبة لقانون الصحافة والطباعة والنشر فليس هناك ما يوضح هذه الإشكالية، إلاّ أنّ التدخل الإداري من الوزارة لمنع نشر كتاب الباكر في الصحافة يمثل سابقة يفهم منها أن عدم الاعتراض على النشر الصحفي يكون بمثابة الإذن غير المباشر بإجازة النشر في كتاب. هذا إذا كانت الوزارة تعتقد أنّ الكتاب والنشر الصحفي من طبيعة واحدة، وأن إجازة الأول تعني إجازة الثاني تلقائيا، والعكس بالعكس. أما إذا كانت الوزارة تعتقد بأن الكتاب شيء والنشر الصحفي شيء آخر فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: بأيّ حجة إذا تدخّلت الوزارة لمنع نشر كتاب الباكر في الصحافة؟ وفي كلّ الأحوال فإنّ هذه قضية تدخل في تفسير القانون، والإدارة ليست جهة مخوّلة دستوريا بذلك. مما يعني أنّ المطلوب هو رفع الرقابة المسبقة على الكتب كما هو حاصل في حالة النشر الصحفي، بحيث يكون القضاء هو الحكم في أيّ مطالبة ترفع إليه بعد نشر الكتاب. فلماذا ترفع الرقابة المسبقة عن الصحافة وتبقى قيدا بغيضا على الكتب في حين أنهما يحتكمان إلى قانون واحد؟

ثم إلى متى ستستمر هذه الوزارة في تدخلاتها غير المبررة، وقراراتها (لا قراراتها) الإدارية الخاطئة في مراكمة قوائم الكتب المحظورة والتي أصبحت تضاهي «فهرس الكتب المحظورة» الذي أصدرته الكنيسة الكاثوليكية في العام 1559م في أوروبا؟ أتحسب هذه الوزارة أنها تجني شيئا من وراء قوائم الكتب المحظورة غير السمعة السيئة والتسبب في تراجع مرتبة البلاد في سلّم التقييمات الدولية المعنية بحرية التعبير والذي كان آخرها تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2007؟ أتظن هذه الوزارة أنّ قرار المنع سيجبر المؤلف على التراجع عن قرار نشر كتابه؟ أو أنّ تبريراتها الواهية والمستهلكة ستنطلي على أحد؟ ثم لماذا تتعامل الوزارة مع الكتاب المعروض أمامها على أنه كتابها ويمثلها وأنّ الإجازة تعني أنها تصادق على الأفكار التي تضمنها؟ أما حانَ الوقت لتقتنع هذه الوزارة أنّ الكتاب يمثل صاحبه فقط وأنّ مؤلفه هو المسئول عن كل «الأشياء والأشياء» التي تضمّنها كتابه؟ أم تتصوّر أنها وصية على المثقفين ومؤهلة لتوزع صكوك البركة والغفران على الناس، بحيث يكون هذا الكتاب طائفيا وذاك يهدد الوحدة الوطنية؟! «ألا ساء ما يحكمون»!

والغريب في أمر هذه الوزارة أنّ القرارات التي تتخذها اليوم لا تختلف قيد أنملة عن تلك المتخذة قبل عشرين عاما ويزيد. والدليل على هذا الجمود هو أنّ اتصالاتي الودية التي أجريتها مع المسئولين كانت أشبه ما تكون بتلك التي أجراها المرحوم فؤاد خوري مع مسئولي هذه الوزارة في العام 1983، مما يعني أنّ الزمن في هذه الوزارة لا يتحرّك، وأن موجة التغيير أعجز من أن تخترق أسوار هذه الوزارة، وأنّ عهد الإصلاح الذي افتتحه عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لم يعرف سبيله بعدُ إلى هذه الوزارة ومسئوليها، وإلاّ كيف تجرؤ هذه الوزارة على منع كتاب بعد أيام معدودة على الدعم الكبير الذي نالته حرية التعبير في الخطاب السامي لجلالة الملك في افتتاح دور الانعقاد الثاني لمجلس النواب بتاريخ 17/10/2007؟ لكن الأدهى والأمر أنْ تتعلّل هذه الإدارة بأنّ الكتاب أصبح «فوق». وكنتُ، على خطى فؤاد خوري، أفسّر هذه الكلمة على أنّ الكتاب أصبح بيد الوزير، وفاتني أنّ «فوق» ربما تعني أنّ الكتاب انتقل إلى السماء وبقي أنْ نعلن الحداد عليه، أو ربما أنّ «فوق» تعني أنّ الكتاب أصبح في ضيافة «جهات عليا» كما ألمح إلى ذلك مسئولون في إدارة المطبوعات. والسؤال هو كيف تسمح هذه الإدارة لنفسها بأن تخالف قانون المطبوعات الذي لا ذكر فيه لـ «الجهات العليا»، فإذا كانت هذه المعلومة صحيحة فهي تنطوي على مخالفة قانونية صريحة، وإذا كانت مفتراة فإني أناشد «الجهات العليا» بضرورة التدخل والتحقيق مع المسئولين عن هذا الافتراء الذي يذكر بافتراءات كثيرة مماثلة أطلقتْ في حقبة قانون أمن الدولة المقبور.

وفي الختام، فإذا كان فؤاد خوري قد ضمّن حكاية حظر كتابه في العام 1983 في كتاب وضع له هذا العنوان اللافت: «دعوة للضحك»، فإنّ حظر أيّ كتاب اليوم، وبعد زوال قانون أمن الدولة وحقبته، وبعد كلّ هذا الانتشار المدوّخ لوسائل النشر الإلكتروني، ليس مدعاة للضحك والسخرية فحسب كما كتب فؤاد خوري، بل هو مدعاة للقَهْقَهَةُ والقَرْقَرَةُ والكَرْكَرَةُ والطَّخْطخَةُ والإِهْزَاقُ والزَّهْزَقَةُ حتى آخر مرتبة من مراتب الضحك في لسان العرب!

إقرأ أيضا لـ "نادر كاظم"

العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً