العدد 1906 - السبت 24 نوفمبر 2007م الموافق 14 ذي القعدة 1428هـ

ومن النواب مَنْ حسب الآخرين مثله

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

كلما أُثير مطلب من الحقوق ذات العلاقة بالملفات السياسية، انبرى بعض النواب مذكّرين بأهمية التركيز على الحاجات المعيشية.

لا أحد ينكر أهمية توفير الحاجات الحياتية المادية كهدف أساسي، ولكن لا يعني ذلك إهمال القضايا السياسية، والإصلاح السياسي.

أولوية الحاجات المادية لا تعني مطلقا وضع الملفات السياسية على الرف. ومحاولة هؤلاء النواب إشغال المجلس النيابي بالقضايا المعيشية فقط، يذّكرنا بما نُسب لأحد الحكماء، من أنّ الحكومة التي تريد تهميش شعبها؛ لتتمكن من إبقاء استبدادها بالقرار، تلجأ لثلاثة أمور: إشغاله بحاجاته المادية عن طريق سلاح الفقر، فالفقر سلاح الطغاة، وتشغله بالفساد الأخلاقي، وتغرقه في الجهل.

أين التناقض بين تحريك الملف المعيشي والملفات السياسية في خطين متوازيين، قد يتفاوتان في السرعة وفقا للضرورة؟ وإهمال الملفات السياسية، يعني تعمّد تضييع فرص التغيير الأهم، الذي يؤسس للقواعد التي تحدد العلاقة بين الشعب والحكومة، وتقيم توازن عادل يحول مستقبلا دون استمرار الاستبداد بالسلطة.

ثم إنّ الناس ليسوا مجموعة أغنام، تحتاج إلى زريبة وبرسيم؛ الإنسان السوي ليس مجرد حيوان، يسعى لما لذ وطاب من الطعام ومسكن وكفى. والصراع في الحياة والخلاف مع الأنظمة الحاكمة لا يقتصر على الحاجات المادية، ولا يرضى مَنْ يحتفظ بإنسانيته أنْ يُعامل مثل البقرة. الإنسان كما إنه حفنة من التراب يحتاج لإشباع حاجاته المادية؛ فله حاجات معنوية كونه أيضا نفخة من السماء؛ وجزء من تلك الحاجات المعنوية التي تميّز الإنسان عن الحيوان، وهو ما أكدت عليها أدبيات التنمية الحديثة، إشراك الشعب في القرار، والمساواة بين المواطنين.

وتعمد البعض التأكيد على المطالب المعيشية، تهدف لإهمال وتضييع المطالب السياسية، وهذا تزييف لوعي الناس، وتغابي عن حقيقة مهمة هنا، وهي أنّ المطالب السياسية لو تحققت لكانت هي الأساس الذي يضمن استدامة تحقق المطالب المعيشية مستقبلا.الحاجة ملحة على تعديل دستوري، وتغيير القوانين المعيقة للحريات، والتخلّي عن سياسة التمييز الطائفي بين المواطنين في مختلف المجالات، خصوصا عندما تكون ممارسة التمييز بقانون، كقانون الدوائر الانتخابية الذي يساوي بين ألف صوت من المواطنين من مناطق معينة مع 33 ألف صوت من مناطق أخرى على أساس التمييز الطائفي غير المكتوب. ومع أنّ الشعب مصدر السلطات جميعا، إلاّ أنّ دستور 2002 كرّس تفوق سلطة الحكومة على سلطة الشعب، فلا سلطة له على حكومته، ولا يد في اختيارها ، وحتى وسائل الضغط والتقويم، ضعيفة ولا تكاد تبين.ولم تقتصر الصعوبة على التشريع، بل سرت إلى المراقبة، وامتدّت لتحاصر المسآلة، وصار مجرد استجواب وزير للتأكّد من صحة أمر ما، صعبة من دون إرادة فوقية.

التوازن بين سلطة الحكومة وسلطة الشعب هو المدخل لتحقيق إصلاح حقيقي، وهو ضمانة استدامته في حال تحققه، فلا استدامة للإصلاح بلا توازن ، ولا استقرار مع تفرّد بالرأي، واستبداد بالقرار؛ والتوازن بين الحكومة والشعب هو الضمانة لمستوى معيشي عادل وفقا لما يتوافر في البلد من ثروات؛ أما مجرد علاقة كعلاقة الأب بطفله، ومطالب تُقدّم للحكومة كما يقدم الطفل مطالبه لأبيه، فلا ضمان لاستدامتها مطلقا، وما نراه من تصرفات رسمية مزاجية خير شاهد على هذا القول.

الفئة الأكبر من المواطنين، يعانون من التمييز، وتُحاك ضد بعضهم خطط الإقصاء؛ فمثل التجنيس أشد فتكا عند المواطن من النقص في مأكله ومشربه، والشعور بالخطرعلى الوجود هو الذي تسهد له الأجساد وتوجب له القلوب، ومن دون وضع حد لمثل هذه الممارسات، لن يُرضي هؤلاء مجرد إشباع بطونهم وكسوة أجسادهم، وتوفير المأوى لهم؛ فهذا ما يوفره الراعي لمجموعة من الخراف التي ترعى نهارا وتأوي لزريبتها ليلا، ولكن حتى مأكلها ومشربها ومأواها لا قرار لها فيه، وحتى مصيرها ليس بيدها. فكيف والحال أنّ حتى الحاجات المادية يتم محاربة فئة من المواطنين فيها، وتمعن بعض الجهات الرسمية في سياسة الإذلال والتهميش المنسجمة مع ما جاء في ذلك التقرير المثير، فتنشر بعض صحف الأردن وتونس وغيرها وظائف شاغرة لبعض الوزارات، وتُرسل وفود من وزارات أخرى لغرض استجلاب الأجانب، بينما يتلهف أبناء فئة من هذا الوطن من أصحاب الشهادات الجامعية للحصول على مثل هذه الوظائف فلا يرون سوى سرابها؟

ولطالما أدانت الحكومة على لسان بعض مسئوليها الكبار التمييز الطائفي، ولكن التمييز يُمارس في صبح أبلج فضلا عن ليل لجلج، لا ينكره سوى مَنْ أعمى الله بصيرته، وتمارسه بعض الشخصيات الرسمية الكبيرة بلا حياء، حتى وصلت عدواه للمؤسسة التربوية وتوابعها، وامتدّت نازلة إلى الدرجات السفلى من مناصب صغيرة ووظائف حقيرة. وبالتالي لا يُستغنى عن قوانين تجرّم التمييز وتعاقب عليه. ومن خلال تجربة لا تنظير، في مدّة خمس سنوات أو تزيد من عمر الحياة النيابية، اتّضحت جيّدا ملامح الصورة الشوهاء، حتى أبصرها من وضعوا على أبصارهم غشاوة العمى، فأكّدت التجربة ضرورة إجراء تعديل دستوري يحقق توازن بين السلطات، يلزم كلّ سلطة بتنفيذ واجباتها تجاه السلطة الأخرى، لا أن تنفذ الحكومة القانون الذي تشاء على مَنْ تشاء وقتما تشاء، أو تهمل تنفيذه كيفما شاءت ووقتما شاءت.إنّ ما يقض المضجع ويثير الحنق، سياسة التهميش والإقصاء الساري تنفيذها حذوا بحذو وقذا بقذ كما جاءت في ذلك التقرير المريب، ونموذجها الأبرز، وآثارها العملية تتجسّد في ممارسة التمييز بين فئات الشعب على مستوى توزيع الثروة والدخل والمناصب، وحتى المعاملة في بعض الدوائر الرسمية.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1906 - السبت 24 نوفمبر 2007م الموافق 14 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً