العدد 1926 - الجمعة 14 ديسمبر 2007م الموافق 04 ذي الحجة 1428هـ

اتساع الفجوة الطبقية ومؤشراتها... الولاء مقابل الوجاهة والنفوذ

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تطرقت في مقال سابق إلى ملامح اتساع الفجوة الطبقية وعلاقتها بزيادة مرتبات الوزراء والشوريين والنواب وثبات مرتبات غالبية المواطنين عند مستوياتها الدنيا، بيد إن حليم بركات يفيدنا في هذا الإطار بمقاربة تحليلية مفيدة لواقع مجتمعاتنا العربية، والبحرين بالطبع لا تشذ عن هذا الواقع، بل إنها تمثل أحد نماذجه، فما الذي يقوله؟

يقول بركات: «أن الطبقة الاجتماعية في هذه المجتمعات تتحدد بثلاثة عناصر متداخلة ينحصر أولها، في مواقع الأفراد والعائلات والجماعات في بنية الإنتاج الاقتصاد -أي ملكيتها لوسائل الإنتاج وسيطرتها عليها- وثانيها، في عدم المساواة والتفاوت في ملكية الأراضي والثروة الوطنية وبالتالي في المكانة الاجتماعية والنفوذ والجاه وثالثها، في تناقضات المصالح على صعيد العلاقات الاجتماعية من حيث هي علاقات استغلال وتحكم».

ثروات وجاه

واستغلال للمناصب

ويضيف: «ان مفهوم استغلالية المنصب هنا يتضمن من بين عناصره الأساسية موقع الأفراد والعائلات والجماعات في السلطة أو الحكم، خصوصا حين تملك الدولة وسائل الإنتاج والأراضي وتفرض هيمنتها على قطاع عام واسع من الخدمات، فالطبقة البرجوازية الكبرى أو الأرستقراطية التقليدية من وجهاء البلد وأعيانه، تحتل موقعا مهما في البنى الاقتصادية والاجتماعية بسبب ملكيتها لمصادر الثروة وسيطرتها عليها، وتنعمها بالنفوذ في السلطة السياسية وبالجاه والمكانة الاجتماعية، وممارستها للاستغلال والتسلط والقهر في علاقتها بالطبقات الأدنى منها فضلآ عن أن أهم ما تتسم به في علاقتها القائمة هو الاستزلام. وتتكون الطبقات العليا من شرائح تقليدية للعائلات الارستقراطية وكبار التجار والصناعيين وشيوخ القبائل الكبرى والسادة وكبار علماء الدين والأثرياء الجدد المرتبطين بالنفط وكبار النافذين في السلطة من الإداريين والقطاع العام والقادة والعسكريين والموظفين الكبار».

في هذا الصدد، يشير أيضا إلى ارتفاع معدلات ثروات الأسر الحاكمة المتحالفة بشكل خيالي مع الطبقات السابقة الذكر، ما ينعكس على ارتفاع أسهم الطبقة الثرية الجديدة نتيجة للمداخل النفطية الفائضة حيث تكتسب هذه الطبقة أهمية على مختلف الصعد ويحتكر أفرادها السلطة وينعم معظمهم بثروات هائلة ونفوذ غير محدود. كما أن من أسباب ذلك الإثراء بحسب «جلال أمين»، هو أعمال المقاولات والمضاربات والعمولات وأعمال الوكالات للشركات الأجنبية.

إلى هنا نتوقف للسؤال: هل من شك يراودنا إضافة لما سبق، حول ما ستساهم به زيادة رواتب الوزراء والشوريين والنواب من تعزيز لدورهم في توسع الفجوة الطبقية وإعادة تشكلهم كطبقة متنفذين جدد ينضم إليهم كبار موظفي المؤسسة الرسمية وإدارييها، ما يعزز من نفوذهم ومكانتهم وسلطتهم وتسلطهم وولائهم الذي يدفعهم لتبرير القائم والسائد من علاقات طبقية وطائفية غالبا ما تكون على حساب مصالح العامة في الوقت الذي يعرقل فيه بعضهم المطالبة بإقرار أي زيادة شحيحة لمعاشات العاملين في القطاع الخاص والعام والمتقاعدين بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية؟

هنا يستوجب التنويه إلى أن هذا الواقع سيؤدي حتما إلى حراك اجتماعي عمودي في سياق البنية الاجتماعية، بمعنى تحرك فئة الوزراء والنواب والشوريين ذوو الدخول المرتفعة من مواقع اقتصادية واجتماعية مختلفة في السلم الاقتصادي والاجتماعي وتأهيلهم للحصول على مكاسب أكثر في مجال التملك والدخل أو المكانة، بينما ستنحدر فيه النسبة الأكبر من العامة ممن يفتقدون لهذه المكاسب في الاتجاه المعاكس، لذا فإن درجة الحراك الاجتماعي هنا تعد دليلا فاقعا على ما يتسم به المجتمع البحريني من تراتبية طبقية، وما يسوده من تمييز غالبا ما يعبّر عن نفسه كقضية سياسية بامتياز تجاه اختلال عدم تكافؤ الفرص وتوافرها في المجتمع على قدم المساواة بين المواطنين. (راجع حليم بركات-المجتمع العربي في القرن العشرين، ص 326-332).

وراثة النفوذ

والمكانة الاجتماعية

من جهتها تلخص الباحثة ثناء فؤاد في كتابها «الدولة والقوى الاجتماعية في الوطن: علاقات التفاعل والصراع»، المحدّدات التي استندت عليها أدبيات علم الاجتماع بثلاثة عناصر، وهي الثروة والمركز والقوة والطبقة التي تعد مجموعة من الأفراد الذين يحتلون مواقع متشابهة فيما يتعلق بحيازة واستحواذ بعض القيم مثل القوة أو الثروة أو السلطة والخضوع. وصحيح بحسب رأيها أن بعض المحللين اتفقوا على عدم وجود ظاهرة صراع طبقي في البلدان العربية، وذلك بسبب تداخل الجماعات والاختلافات داخل كل طبقة ما يؤدي إلى إضعاف تماسكها، بيد ان الصحيح أيضا، هو أن الولاء للعائلة يطغي على الولاء للطبقة، والاتصال بين الطبقات غالبا ما يتم عبر قيم مشتركة تُحدث حراكا اجتماعيا في بنية المجتمع، كما إن الفجوة العميقة التي تفصل الأغنياء عن الفقراء سببها توزيع ملكية الأراضي والثروة واحتلال مواقع النفوذ والمكانة الاجتماعية. ولهذا فهي تجد أن بنية المجتمع هرمية، وغالبية الشعب فيها من الفقراء وليس من الطبقة الوسطى. أضف لذلك، أن من أبرز أسس التمايز الطبقي هو ما يرثه الأفراد والجماعات بسبب انتمائهم الطبقي في العائلة، حيث يتعلمون القيم والأصول الطبقية. وبسبب هذا النمط من العلاقات (وخصوصا الإرث) يصبح الحراك الاجتماعي العمودي أمرا في غاية الصعوبة، لاسيما وإن نظام الإرث يؤمن انتقال الثروة ضمن العائلة، ولما كانت العائلات الثرية أكثر قدرة من غيرها على الاستفادة من الظروف والتحولات الاقتصادية وتنمية إمكانيات أفرادها وتهيئتهم لخوض معارك الحياة مجهزين بجميع أنواع الأسلحة الضرورية، فإنها نادرا ما تخسر مواقعها ومكانتها في ظل النظام القائم. من هنا والقول «لثناء فؤاد»، يتم تعزيز فكرة النسب التقليدية وانتقال الوجاهة من جيل إلى آخر مثلما يتم توريث المورثات المادية والمعنوية من شريحة إلى شريحة أعلى أو أدنى منها، وهذا يتحدد تبعا لنفوذ العائلة.

وبناء عليه، هل يحتاج المواطن بعد ذلك لمزيد من الفطنة ليكشف عن مدلولات هذا التحليل وتمثله في واقعنا المعاش، حيث تتسلم أغلب الشخصيات النافذة مناصبها ومكانتها ليس لتفوّقها وتميز قدراتها وكفاءاتها قياسا بغيرها من شخصيات العامة من المواطنين، إنما لأنها ورثت عن طريق نسبها العائلي والقبلي «اللقب» الذي أهّلها لتبؤ هذا المنصب والمكانة الاجتماعية والفرص والعطايا وما إلى ذلك، ما رفع من مستوى حظوتها وشأنها، فانعكس على مواقفها وسلوكها وبذلها المزيد من الولاء مقابل الحصول على مكاسب أكثر ومنها بالطبع فرص زيادة المرتبات وتعدد التكليفات وعوائدها وعلاواتها والأسفار ونظام معاشات التقاعد؟!

حقيقة بطعم العلقم

حقيقة بطعم العلقم؟ أكيد، ولكنها ستكون لاذعة وحادة في مراراتها حينما ندرك حقيقة أن هذه اللامساواة الفاقعة والسافرة الكاشفة عن غطائها والمتمثلة في سعى الوزراء والنواب والشوريين للحصول على حق وميزة يبخلون فيها على المواطن البحريني، ستؤدي إلى اختلال قاعدة الشعارات وسقوطها مع زيادة حدة الفقر والفجوة الطبقية في ظل التنافس غير المتكافئ. كما لن يكون مستغربا ارتفاع حدة دورة التفاعل الاجتماعي ذو الشحنات السلبية بسبب إصرار هذه الطبقات والفئات المحدودة على الاحتفاظ بالامتيازات السابقة والتمتع بالجديد منها، لتعيد استمرارية دورة الاستغلال والاضطهاد والظلم في المجتمع.

وفي الوقت التي تنشغل فيه هذه الفئة المحدودة في موجة استفزازية فاقعة من الاستهلاك ومظاهر البذخ والوجاهة والتنافس على الاغتناء والاقتناء وكسب المزيد من المكانة الاجتماعية وممارسة التعالي الطبقي، فان بقية شرائح الطبقات الشعبية المتوسطة والدنيا تنشغل بدورها وفي ذات اللحظة بالدخول في دوامة تأمين حاجاتها المعيشية الأساسية ومكافحة الصعوبات في سبيل البقاء والعيش بكرامة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1926 - الجمعة 14 ديسمبر 2007م الموافق 04 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً