العدد 1941 - السبت 29 ديسمبر 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1428هـ

قراءة في تقرير «جيو 4»- الرسائل الأساسية الموجّهة إلى صنّاع القرار (9)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تم في المقال السابق استعراض الرسائل الأساسية الموجّهة إلى صنّاع القرار في دول العالم التي وردت في تقرير جيو 4 (البيئة من أجل التنمية) لتعزيز زيادة الفهم والتفهم للقضايا البيئية التي يمر بها العالم ودولهم، وللحث والمساعدة في صنع السياسات التي من شأنها تفادي التأثيرات البيئية على شعوبهم والعالم أجمع وزيادة مستوى التكيف معها. ومن أهم هذه الرسائل كان التأكيد على دور البيئة الحيوي والأساس في خدمة التنمية، وحدوث تغيرات بيئية غير مسبوقة على الصعيدين العالمي والإقليمي، متمثلة في زيادة درجة حرارة سطح الأرض وارتفاع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر، وتناقص توافر المياه العذبة، وتدهورالأراضي، وتناقص الأمن الغذائي، وفقدان التنوع البيولوجي.

يؤكّد التقريرعلى أنّ هذه التغيرات غير المسبوقة ترجع بالأساس إلى الأنشطة البشرية في عالم يتسم وبتزايد بطابع العولمة والتصنيع والترابط، وهي أنشطة تحركها زيادة تدفقات السلع والخدمات ورأس المال والناس والتقنية والمعلومات والأفكار والأيدي العاملة.

ويبين التقرير بأنّ المسئولية عن الضغوط البيئية العالمية التي نواجهها الآنَ ليست موزّعة بالتساوي في مختلف أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، في العام 2004، أنتجت البلدان المدرجة في المرفق الأوّل لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي يعيش فيها 20 في المائة فقط من سكان العالم، 75 في المئة من الإنتاج العالمي الإجمالي وكانت مسئولة عن 46 في المئة من إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويشير التقريرإلى أنّ التنمية الصناعية، واستخراج الموارد الطبيعية، والإنتاج الصناعي الذي تنبعث عنه كميات كبيرة من الكربون، هي أمور قد تكون لها عواقب بيئية كبيرة، ويجب العمل على تخفيف تأثيراتها ويلزم معالجتها، وتشمل الاستجابة لها استخدام أفضل التكنولوجيات والممارسات المتاحة.

ويرى التقرير بأن التغيرات البيئية تؤثر على خيارات التنمية البشرية، وخصوصا للفقراء بسبب كونهم الأكثر قابلية للتأثر، فعلى سبيل المثال، في الفترة ما بين 1992 وعام 2001، كانت الفيضانات هي أكثر الكوارث الطبيعية شيوعا في العالم، حيث تسببت في مصرع زهاء 100 ألف شخص وتضرر منها أكثر من 1.2 مليار شخص، علما بأن ما يربو على 90 في المئة من الناس المعرضين للكوارث يعيشون في دول العالم النامية.

ويحذر التقرير بأنه في ظل اتجاهات التغيرات البيئية الحالية، فإن النظم الفيزيائية الأحيائية والنظم الاجتماعية قد تبلغ نقاطا حرجة، تحدث بعدها تغيرات فجائية ومتسارعة، أو قد لا يكون من الممكن أن تنحسر، أي أن تصل إلى نقاط اللاعودة. ولقد بينت دراسة السيناريوهات التي شملها التقرير تزايد خطورة تجاوز النقاط الحرجة، حتى مع تباطؤ أو تراجع مسار بعض اتجاهات التدهور البيئي العالمية بمعدلات مختلفة قرب منتصف القرن. فالتغيرات في النظم الفيزيائية الأحيائية والنظم الاجتماعية قد تستمر حتى في حالة إزالة العوامل المؤدية للتغير البيئي، مثلما يتبدى في قضيتي استنفاد طبقة الأوزون وانحسارالأجناس وانقراضها.

ويدعو التقرير إلى ضرورة أن تسعي الدول والمجتمع الدولي سعيا مكثفا إلى إحداث تحول نحو التنمية المستدامة يأخذ في الاعتبار المنظور والتفاعل البيئي لهذه العملية، بما في ذلك عن طريق بناء القدرات وتقديم الدعم التكنولوجي للبلدان النامية. وتتطلب التدابير الرامية إلى الحد من مسببات التغير البيئي من جانب جميع أصحاب الشأن، ومن بينهم القطاع الخاص والمستهلكون، تدخلات قد تنطوي على خيارات صعبة ولكنها ضرورية لإحداث التغير المطلوب.

ويشجع التقرير صنّاع القرار على التدخل واتخاذ التدابير في الوقت المناسب بإدماجهم الجهود المتعلقة بالوقاية والتخفيف والتكيّف في صلب عملية صنع القرار من خلال جهود مستدامة تشمل الحد والتقليل من قابلية الناس للتأثر بالتغيرات البيئية والاجتماعية - الاقتصادية وذلك بتحقيق اللامركزية، وتعزيز حقوق السكان المحليين فيما يتعلق بالموارد، وتحسين القدرة على التأقلم مع الكوارث الطبيعية.

كما يدعو صناع القرار إلى إدماج الأنشطة البيئية في الإطار الإنمائي الأوسع نطاقا، بما في ذلك التحقق من الآثار البيئية للإنفاق العام المقترح، وتحديد الأهداف البيئية القطاعية المشتركة بين القطاعات، وتشجيع أفضل الممارسات، ورصد الإنجازات على المدى الطويل، كما يحث الدول على زيادة الالتزام بالمعاهدات وتحسين الرصد والامتثال، وزيادة التنسيق، وخصوصا على الصعيد الوطني. ويوصي بتهيئة بيئات تمكينية من أجل البحث العلمي والابتكار وتطبيق الحلول المستجدة وذلك باستخدام الأدوات الاقتصادية، والتكنولوجيات الجديدة والقائمة، وتمكين أصحاب الشأن، وإتباع نُهج أكثر تكيّفا تتحرر من نظم الإدارة والإنتاج التقليدية المجزأة مؤسسيا، وتسفر عن أنماط للاستهلاك والإنتاج تكون أكثر قابلية للاستدامة.

ويركزالتقريرعلى تعزيز المعرفة والتثقيف والوعي في مجال البيئة وذلك بجعل الإطلاع على أفضل البحوث والبيانات العلمية المتوافرة ميسورا من خلال تحسين الرصد، والتقييمات، والبنية الأساسية المعرفية، والاستفادة من التطورات السريعة التي تحدث في مجال تكنولوجيات المعلومات والاتصال. كما يدعو إلى تعبئة الموارد المالية للتصدي للمشكلات البيئية وذلك من خلال إتباع نُهج مبتكرة، بما يشمل تقديم مدفوعات مقابل خدمات النظم الإيكولوجية مع التوصل إلى نظام تجاري متعدد الأطراف يكون مفتوحا وغير تمييزي ومنصف، إلى جانب تحرير مجدٍ للتجارة يعود بالفائدة على البلدان أيا كانت مرحلة التنمية فيها.

ويؤكد التقريرعلى أنه من أجل التحوّل نحو التنمية المستدامة فإنّ هناك ضرورة لدراسة ومعرفة الصلات المتبادلة بين البيئة والتنمية وآثارها على رفاه الإنسان وتنميته واستخدامها بفعالية في عملية اتخاذ القرار، وأن دواعي القلق بشأن البيئة العالمية قد بلغت نقاطا حرجة، كما أن هناك إدراكا متزايدا بأن فوائد التدخل المبكر، من خلال اتخاذ التدابير المناسبة في ما يتعلق بالكثير من المشكلات البيئية، تفوق بشكل كبير التكاليف.

وفي النهاية يرى التقرير بأنّ التحديات البيئية والإنمائية المتشابكة التي حذَّر منها تقرير” مستقبلنا المشترك” في عام 1987 مازالت قائمة، وكذلك ما يرتبط بها من تحديات على صعيد اتخاذ السياسات لتعديل الأوضاع، وبأنه من الممكن أن تُستخدم المعرفة المتعلقة بالصلات المتبادلة بين البيئة والتنمية، وآثارها على رفاه الإنسان، المكتسبة في العقدين الماضيين استخداما فعالا بإحداث تحول صوب التنمية المستدامة، وبأن الوقت قد حان الآوان للسعي إلى إحداث التحوّل صوب التنمية المستدامة المدعومة بمؤسسات محكومة جيّدا ومبتكرة وموجّهة إلى تحقيق نتائج، يمكن أنْ تستجيب بفعالية للتحديات البيئية، ولاسيما تلك التحديات المستمرة.

سيتم في المقال القادم استخلاص واستعراض أهم النقاط ذات العلاقة بالبيئة والتنمية في منطقة دول مجلس التعاون التي أوردها التقرير.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1941 - السبت 29 ديسمبر 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً