العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ

وشاة... احذروهم

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

يذكر هذه الحادثة ابن أبي الحديد، يقول: «أُتي الوليد بن عبدالملك برجل من الخوارج فقال له: ما تقول في الحجاج؟ قال: وما عسيت أن أقول فيه! هل هو إلا خطيئة من خطاياك، وشرر من نارك؟ فلعنك الله ولعن الحجاج معك! وأقبل يشتمهما؛ فالتفت الوليد إلى عمر بن عبدالعزيز فقال: ما تقول في هذا؟ قال: ما أقول فيه! هذا رجل يشتمكم، فإما أن تشتموه كما شتمكم، وإما أن تعفوا عنه. فغضب الوليد وقال لعمر: ما أظنك إلا خارجيا! فقال عمر: وما أظنك إلا مجنونا، وقام فخرج مغضبا، ولحقه خالد بن الريان صاحب شَرَطَة الوليد، فقال له: ما دعاك إلى ما كلمت به أمير المؤمنين؟ لقد ضربت بيدي إلى قائم سيفي أنتظر متى يأمرني بضرب عنقك، قال: أوكنت فاعلا لو أمرك؟ قال: نعم. فلما استخلف عمر جاء خالد بن الريان فوقف على رأسه متقلدا سيفه، فنظر إليه وقال: يا خالد، ضع سيفك فإنك مطيعنا في كل أمر نأمرك به - وكان بين يديه كاتب للوليد، فقال له: ضع أنت قلمك، فإنك كنت تضر به وتنفع، اللهم إني قد وضعتهما فلا ترفعهما، قال: فوالله مازالا وضيعين مهينين حتى ماتا».

هكذا ينبغي أن يكون مصير من لا يكون صادقا في نصح القائمين على رأس الدولة، فليس أسوأ من كلمة تصدر فتهلك على أثرها أرواح وتسفك دماء. ذكّرتني هذه الحادثة ببعض أقلام الفتنة الذين يودون أن يجعلوا حركة ردة الفعل على مقتل الشاب علي جاسم مكي دوامة من العنف والعنف المضاد، بالضبط كما حدث في التسعينيات؛ نتيجة قسوة الدولة ومقابلتها التحركات السلمية بالقوة والبطش. وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حين خاطب مالك الأشتر قائلا: «إن شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا» فهؤلاء كانوا أشرار تلك الحقبة المظلمة بكلماتهم التي شقّت الصف الوطني، وحاولت طأفنة الحركة الوطنية.

وما أروع قول الإمام علي (ع) في عهده الرائع لمالك الأشتر محذرا: «ولا تعجلنْ إلى تصديق ساعٍ، فإن الساعي غاش وإن تشبّه بالناصحين». إن من يسعى لتفجير الوضع إما جاهل لا يدرك أن في ذلك مضرته، وإما من زمرة أقلام الوشاة الذين لا يعتاشون وينالون الميزات إلاّ على آلام الآخرين وشقائهم، يمارسون التحريض ببلاهة وسخف، فيتهمون الدولة من حيث يشعرون أو لا يشعرون. الوجوه نفسها لم تتغير سوى بإضافة بعضهم، كذلك الكاتب الذي يطالب عاهل البلاد بعدم استخدام حقه في العفو عن المتهمين، وهي النغمة الكريهة نفسها التي رددها هذا الكاتب إبان حادثة المطار.

أحد هؤلاء لم يصعد إلى منصبه الحالي إلاّ بتصديه للحركة المطلبية التسعينية، قد غيّر من نغمته التي كان يكررها آنذاك بكل وقاحة من أن الديمقراطية لا تصلح لنا، وانضم إلى عصابة السوء كاتب آخر، من فرط خشيته من «الكابل» الذي يُجلد به السجناء السياسيون في التسعينيات، كان يكتب الطلاسم والألغاز، إلى درجة يصعب قراءة أكثر من سطرين من مقالاته، أما الآن فلم يترك رمزا وطنيا ولا دينيا إلاّ وأوسعه شتما وسبا، سعيا وراء بقائه يسطر الترهات التي ينال عليها مقابلا مجزيا.

ولست أبالغُ إذا قلت إن كتّاب الفتنة ساهموا بقوة في جرّ الدولة إلى مستنقع حسبته ساعة، فامتد لأكثر من خمس سنوات عجاف. فالحذر مما يطرحه بعض هؤلاء الكتّاب من الأفّاكين ضرورة وطنية، فما حدث ردّة فعل فقط، والكل متفق على رفض العنف ومحاولة جرّ الساحة إلى الفوضى الأمنية.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً