العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ

السلاح المفقود و«الداخلية» بين الأمس واليوم

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

طلب رئيس الشرطة إحضار الحمار، فتحركت المخابرات والأجهزة المناط بها هذه المسئولية لأجل جلب الحمار حالا. بحثوا عنه طويلا فلم يجدوه، وحين تعبوا ولم يعثروا عليه، ومن أجل إرضاء رئيس الشرطة، أحضروا بدلا منه الفيل. وقف الفيل أمام رئيس الشرطة في حال من الإنهاك، لا تكاد أقدامه الأربع على حمله. استغرب الرئيس وسأل الشرطة وأجهزة المخابرات، لماذا أحضرتم الفيل مع أني طلبت الحمار؟ فأجابوه، سيدي: لقد اعترف بأنه الحمار، وبادر أحدهم لسؤال الفيل أمام رئيس الشرطة: من أنت؟ أجاب الفيل وجسمه يرتعش من شدّة الرعب: أنا الحمار؟ ألم نقل يا سيدي أنه اعترف. هذه الفكاهة كما قال لي زميل عمل باكستاني متداولة في الباكستان، سمعتها منه أيام حوادث التسعينات وهو يسخر من سرعة القبض على من يتم اتهامهم بالتورط في بعض الأحداث.

هذا الوضع نفسه الذي عشناه أثناء انتفاضة التسعينات، والقصص أكثر من أن تُحصر، وكثير منّا مازالت عالقة بذهنه قصة ذلك الشاب الذي اعترف على نمط اعتراف الفيل، بأنه يصنّع القنابل بواسطة السماد الذي ذكره له الضابط، فاستبشر الضابط وتهلل وجهه فرحا، وأرسل الشاب مع مجموعة من أفراد المخابرات والشرطة ليدلهم على موقع التصنيع، وحتى ينسجم مع ما ذكره الضابط بخصوص السماد، ولأنه لا علم له بالعلاقة بين السماد وبين تصنيع القنابل، أخذهم إلى إحدى المزارع وأشار إلى كيس كبير (خيشة)، فجلبوها إلى الضابط، وما ان فُتحت أمامه حتى خنقتهم بالرائحة الخبيثة، فقد كانت مليئة بالروث النتن والرطب.

فمع كثرة الحوادث التي كانت تقع في التسعينات، من حرق وتفجير وغيرها، إلا أن الصحف المحلية كانت تفاجئنا في كل صباح بصور شبّان، تدّعي وزارة الداخلية بأنهم وراء هذا الحادث أو ذاك. كانت ملامح الاستغراب تعتري الوجوه لسرعة القبض على هذه الأعداد التي لا صلة لبعضها ببعض، بينما حاليا الداخلية عجزت عن جريمة واحدة وهي قتل الشاب عباس الشاخوري بطلق ناري، فماذا يعني ذلك بالنسبة للوزارة السابقة والحالية؟ وهذا سؤال يحتاج لأكثر من جواب.

وزير الداخلية الحالي يصرّ على ضرورة استعادة قطعة السلاح المسروق في الأحداث الأخيرة كما تقول الوزارة، ومازالت قوى الأمن تقتحم البيوت حتى وصل الأمر لتفتيش جمعية العمل الإسلامي تحت الدعوى نفسها. ولكن لم نعلم أن الداخلية بذلت مثل هذا الجهد، وقامت بمثل هذه الممارسات حيال السلاح الذي قُتل به عباس الشاخوري، فكيف يمكن الاطمئنان لمرامي الداخلية، وتصديقها بأن كل ما تقوم به من أجل قطعة السلاح؟

الخشية كما بكّرنا بالتحذير في مقال سابق بتاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 من جعل قطعة السلاح المفقود كمسمار جحا، ومعروف أن مسمار جحا يعني التوسل بحجج واهية من أجل التوصل لمآرب أخرى، إذ كيف تعلن الداخلية قبضها على من استولى على قطعة السلاح، وبعد أسبوع تقريبا، بتاريخ 25نوفمبر، تعلن أن البحث عن السلاح مازال جاريا لتستمر حملة المداهمات التي طالت جمعية سياسية؛ ومع عدم التهوين من خطورة الاستيلاء على سلاح للشرطة، ولكن من أجل تهدئة خاطر وزارة الداخلية، نذكرها وهي في هذه الفزعة العظيمة، أن قطعة السلاح هذه تعني أن أولئك (الأعداء) لنظام الحكم، زادوا بمقدار قوة شرطي واحد فقط لا غير، ولكنه ربما أيضا لا يجيد استخدام هذا السلاح كقدرة شرطي الحكومة. ومع أنه لا يمكن المقارنة بين عهد الوزارة بوزيرها الحالي وبين العهد السابق، ولكن الناس تريد الاطمئنان لدعاوى الوزارة من أن المتهمين الموقوفين لم يتعرّضوا للتعذيب أو أي شكل من أشكال الضغط اللا مشروع، فالتاريخ المشوب بالشكوك مازال عالقا في الأذهان والنفوس، ففي العهد السابق، كانت الدولة تكرر نفيها بوجود تعذيب ممنهج، حتى أنها أقدمت على التوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب سنة 1998، إلاّ أن للحقوقيين والمتابعين رأيا آخر كما تعرفون.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً