العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ

ثيابهن فاخرة... ويأكلن البطاطا!

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

جلسن في ركن من المبنى المتطاول في البنيان. ثلاث شابات بحرينيات، كل واحدة منهن “متملفعة” بثياب ذات أثمان باهظة. تتماوج لهجاتهن من شمال البحرين وجنوبها، وشرقها وغربها.

بدأن حديثهن عن أحلامهن. لفتت نظري إحداهن. وهي الثانية من اليمين الجالسة على الكرسي وقد احدودب ظهرها على الطاولة المزخرفة برخام فاخر. لم تتحدث عن حلمها كالآخريات. بل كانت تسرد حكاية الألم في حياتها. تتنهد بمزيد من الأسى واللوعة. تتهادى كلماتها على موج محيط هادر. تسوّرت الكآبة قسمات وجهها. تقول: “لي سنون في المحاكم، لست مطلقة فأعانق الحياة مثل الأخريات. ولست متزوجة فأنال من زوجي هانئ العيش وألذه”. المحاكم الشرعية في البلاد مليئة بقضايا المعلقات الأخريات! أخذن جانب المواساة بالنسبة إليها. ولكنها لا تريد عطفا من أحد. هي تريد أن تعيش كما الآخريات فقط.

الأولى من اليمين تحدثت عن القصص الكثيرة التي كانت تقرأها في بيت والدها. والدها أيضا طلّق أمها. ولكنها تجد نفسها في بيته. فالبنت بنت أبيها. وتقول: “تكونت لديّ مخيلة عن فارس أحلامي. وهو من بنات أفكاري وقراءاتي السابقة. صدمت بالزوج الباهت في حضوره وغيابه”. من جانبي - كاتب السطور - أبهتني كلامها. بصفتي رجلا شرقيا، يجب ألا استمع لشكاوى النساء. بل يجب عليهن ابتداء ألا يشكين أزواجهن. فذلك عيب!

الثالثة من اليمين أعادت البهجة بالضحكات المتتالية. فقد تحدثت كثيرا بكلمات تصحبها القهقهات العالية. لم أسمع نصف حديثها. فكل ثلاث كلمات تتبعها قهقهة فثلاث كلمات ثم قهقهة. وهكذا يتكرر حديثها أو الأصح قهقهاتها!

الثلاث رأيتهن في أكمل زينتهن. كنت أجول بالنظرات لما بدا من زينتهن، فقد تدثرن بثياب فاخرة من “ماركات” مختلفة. كل واحدة منهن كانت تبرز علامة الماركة المسجلة لما تلبسه. قطع الثياب كثيرة. وكلها ذات ماركات عالمية شهيرة. وكأنهن لبسن الثياب من أجل “الفشار” وليس للوقاية من البرد القارس!

طلبن من النادلة أن تأتي لهن بأطباق مختلفة. إحداهن طلبت بطاطا. صعقتني البطاطا! تذكرت ذلك الجوع القاتل، الذي يطل على الفقراء صباح مساء! تذكرت امرأة بحرينية رأيتها في أزقة المحرق صعقها يوما سلك كهرباء يتدلى من أحد البيوت الخربة. كثيرة بيوت المحرق الآيلة للسقوط. كانت المرأة تستند إلى العمود وقد أصابها النَصَب من مشقة الحياة. تلك المرأة أرهقتها المكابدة في قمامات “الفرجان”؛ بحثا عن قطعة خبز، أو فُتَات دجاجة مرميّ من بيت تاجر أو غني، أو علبة معدنية فارغة لتبيعها خردة!

ليس للحياة معنى إن لم نشعر بالآخرين. لا أدعو إلى إقصاء قضاة الشرع. ولكن أدعو إلى سنّ قانون للأحكام الأسرية. لا أدعو إلى إغلاق هذه المحلات الفاخرة أو زجر من يذهب إليها من بنات أو أولاد الذوات، بل أدعو مرتاديها إلى أن يشعروا بالآخرين، وترشيد هذا الصرف الباذخ على الملبوسات والمأكولات! لا أدعو النسوة إلى عدم الشكوى. ولكنْ هناك متخصصون يستمعون إلى الشكاوى الأسرية بدلا من الفضائح في جلسات الزوايا المخملية. وأخيرا، لا أدعو إلى ملاحقة الفقراء والمساكين وتقريعهم على النبش في القمامات. بل أدعو إلى توفير لقمة العيش والحياة الكريمة لهؤلاء الناس في بلد يشهد طفرة نفطية ونهضة عمرانية وتنمية شاملة، كما يقال في النشرات الرسمية التي تصدر عن المسئولين!

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً