العدد 1962 - السبت 19 يناير 2008م الموافق 10 محرم 1429هـ

التحديات البيئية في دول مجلس التعاون - تدهورالأراضي والتصحر (12)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرض المقال السابق مشكلة ندرة المياه العذبة وتدهورنوعيتها المستمرالتي تواجه دول مجلس التعاون، والمسئولية الضخمة الملقاة على عاتق المسئولين عن المياه في هذه الدول في ضرورة إدارة مواردها المائية بأقصى درجة ممكنة من الكفاءة. وبأن بعض الدول قد قامت بإجراء إصلاحات مؤسسية وبتحسين التدابيرالتشريعية، وقام بعضها بإصلاحات في السياسات المائية، والتوج ه نحو جانب إدارة الطلب والمحافظة، ورفع الكفاءة الاقتصادية لاستخدام المياه، وزيادة مشاركة المستخدمين، والخصخصة، والتي من المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تحسين الوضع المائي في هذه الدول، إلا أنّ هذه الدول ستظل تعاني من مشكلة ندرة المياه وتدني نوعيتها ما لم يتم تحسين السياسات السكّانية والزراعية، كأمرين لازمين للإدارة المستدامة للمياه في هذه الدول.

وتواجه دول المجلس مشكلة مرتبطة بشكل وثيق مع مشكلة المياه، وهي مشكلة تدهورالأراضي وتصحرها؛ أي خسارة إنتاجيتها ووظائفها الحيوية وتنوعها الحيوي، إذ إنّ غالبية مساحة دول مجلس التعاون هي أراض جافة معرّضة للتدهور وذات أنظمة بيئية هشة وتنوع حيوي حسّاس، وتمتلك دول المجلس مساحات جدا محدودة من الأراضي الصالحة للزراعة. وتاريخيا، كانت هذه الأراضي الزراعية المحدودة والمياه المتوافرة آنذاك تسد معظم الاحتياجات السكّانية من الغذاء. إلاّ أنّ الزيادة السكّانية العالية التي شهدتها دول المجلس في العقود الثلاثة الماضية حفزت الطلب على السلع الأساسية والأراضي، وكان ذلك مصحوبا باستخدام تقنيات زراعية غير مناسبة تحت سياسات زراعية طموحة؛ لتحقيق الأمن الغذائي، مع ضعف في التنظيمات والتشريعات لاستخدام الموارد الطبيعية العامّة، بالإضافة إلى تنمية حضرية متسارعة عشوائية غير مدروسة، ما أسفرعن ضغوط متزايدة على الموارد الأرضية أدّت إلى تدهورها في دول المجلس.

وتعود أسباب تدهورالأراضي في دول المجلس إلى العديد من الممارسات البشرية غيرالمستدامة من أهمّها الممارسات الزراعية المتمثلة في عملية التكثيف والتوسّع الزراعي لتلبية الطلب على الغذاء بدرجات تفوق طاقة الأراضي الزراعية والموارد المائية الجوفية التي تعتمد عليها أساسا في الري، وبالتالي تملّح المياه والتربة وفقدان إنتاجيتها وخروجها من دائرة الاستثمار الزراعي،أضف إلى ذلك الاستخدام المكثف للأسمدة الكيميائية؛ لتعويض نقص خصوبة التربة الصحراوية فقيرة المحتوى العضوي، واستخدام المبيدات الحشرية والعشبية بشكل كبير لزيادة الإنتاج الزراعي. وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة التي تم تحقيقها في إنتاج الغذاء في دول المجلس، إلاّ أنّ جميع هذه الدول لم تستطع تحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الغذائية الرئيسية ولو بدرجة نسبية. وقد أدّى إتباع الإدارة غير الكفء للموارد الأرضية والمياه إلى زيادة التملّح وبدأت ظواهر تملّح التربة وهجرة الأراضي الزراعية في الانتشار في الكثير من دول المجلس، وبحسب الدراسات فإنه من المتوقع أنْ تكون الخسائر الاقتصادية من هذا كبيرة.

كما ساهم في تدهورالأراضي في دول المجلس الرعي الجائر للمراعي الطبيعية سواء بزيادة أعداد الحيوانات إلى مستويات تفوق الحمولة الطبيعية للمراعي أو التبكير بالرعي قبل المواسم الطبيعية، وكذلك التحطيب وقطع الأشجار، ما أدّى إلى انخفاض التنوع الحيوي النباتي وكثافة الغطاء النباتي في المراعي الطبيعية، وبالتالي زيادة التعرية للتربة بواسطة الهواء والماء وغزو الكثبان الرملية لها وللأراضي الزراعية، فعلى سبيل المثال زادت مساحة الكثبان الرملية في المنطقة التي تقع شمال مدينة الجبيل في المملكة العربية السعودية إلى الضعف في فترة تزيد بقليل على العام.

وحاليا يمثل تعرية التربة بالهواء والماء وتملّح الترب الزراعية أهم التهديدات التي تواجه المحافظة على الموارد الأرضية في دول المجلس، وتليها مشكلات تغدق التربة وتدهور الإنتاجية. وتشيرالدراسات إلى أنّ غالبية الأراضي الزراعية في دول المجلس قد تدهورت مع بداية القرن الحادي والعشرين، وبأنّ الأنشطة والممارسات البشرية هي السبب الرئيسي لذلك، وبأنّ الأراضي الزراعية بعد أن شهدت زيادات متسارعة في الفترات الماضية، تمر حاليا بتناقص مستمر.

ومن جهة أخرى أدّى تغيير استخدامات الأراضي الزراعية للتنمية الحضرية والسياحية والترفيهية بسبب تنامي النشاط الحضري والسياحي إلى تحويل العديد من الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية وترفيهية، وبالتالي خسارتها نهائيا، كما حدث في البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وواحة الأحساء على سبيل المثال.

وفي مواجهة ذلك قامت معظم دول المجلس بالكثير من الإجراءات لتحسين الوضع المتدهور للأراضي فيها. ومن هذه الإجراءات إدخال طرق الري والزراعة الحديثة الموفرة للمياه، وإعادة تأهيل المراعي المتدهورة، وزيادة مساحة المساحات المحمية فيها. ولقد زادت مساحة المناطق المحمية في دول المجلس بشكل كبير خلال الثلاثة عقود الماضية، من حوالي عدّة آلاف من الكيلومترات المربعة في بداية الثمانينات من القرن الماضي إلى أكثر من 800 ألف كيلومتر مربع في العام 2005. وتعتبر معظم دول المجلس من الدول التي حققت ما أوصى به الاتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة (IUCN) بأنْ تغطي المحميات في كلّ دولة من دول العالم ما يعادل 10 في المئة من مساحتها، إلا أنّ ما يؤخذ على هذا الأمر هو عدم استيفاء المعيار الآخر وهو أنْ تغطي المحميات جميع النظم البيئية في هذه الدول.

كما قامت معظم دول المجلس بوضع خطط عمل قومية؛ لمكافحة التصحر وانضمت إلى العديد من المعاهدات الدولية لمكافحة التصحر وحماية التنوع الحيوي والمحافظة على الموارد الجينية للغذاء والزراعة. إلا أنه يمكن القول وبحسب المؤشرات الحالية المقيسة في هذه الدول بأنّ هذه الإجراءات ما زالت غير فعالة ولم توقف التدهور المستمر للأراضي فيها، وذلك بسبب حدة وحجم المشكلة التي تواجه هذه الدول، كما يؤخذ على هذه الإجراءات عدم تضمينها وإدماجها في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول.

ومع محدودية الموارد الأرضية ومعدلات النمو السكاني العالية والتنمية الحضرية المتسارعة يتمثل التحدي الرئيسي لدول المجلس في ضمان عدم تعرض الموارد الأرضية الطبيعية لمزيد من التناقص أو التدهور، وأن يتم تحسين ورفع مستوى الأمن الغذائي، وسيعتمد ذلك على التخطيط والإدارة الفعّالة للمحافظة على هذه الموارد الطبيعية.

يستكمل المقال القادم استعراض المشكلات البيئية الأخرى التي تواجه دول المجلس (تدهور البيئات الساحلية والبحرية، وتحديات إدارة البيئة الحضرية، وتأثيرات النزاعات والحروب على الإنسان والبيئة في دول المجلس).

@ كاتب المقال هو المؤلف الرئيسي للجزء الخاص بدول مجلس التعاون والمشرق العربي (منطقة غرب آسيا) في تقرير جيو 4

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1962 - السبت 19 يناير 2008م الموافق 10 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً