العدد 1965 - الثلثاء 22 يناير 2008م الموافق 13 محرم 1429هـ

الولاء والعدل... أبوحفص أنموذجا

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

لا يخفى تحسس المسلمين الشيعة من خلفاء بني أمية، حتى كبار علماء أهل السنة لم يروا لبني أمية حقا في الخلافة كالإمام أبوحنيفة المعروف بموقفه في هذا الإطار والذي أظهره بوضوح حين خرج زيد بن الإمام علي السجاد (ع) في ثورته فسئل أبوحنيفة عن خروج زيد (ع) فقال: «ضاهى خروج رسول الله (ص) يوم بدر». ونقل عنه ابن الأثير (الكامل في التاريخ): «لو علمت أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا أباه لجاهدت معه لأنه إمام بحق، ولكن أعينه بمال...».

إلا أن من أكبر أسباب ذلك الموقف تجاه خلفاء بني أمية طغيان أكثرهم وحكمهم بالظلم والجور. ولهذا اختلف الحال تجاه عمر بن عبدالعزيز. ويعود ذلك إلى بسطه العدل في الحكم. فخلّده التاريخ، ويتغنى بذكره المسلمون قاطبة، ويتبجحون بفترة حكمه، حتى أطلقوا عليه «الخليفة العادل». وعمر بن عبدالعزيز حفيد مروان بن الحكم، ومروان معروف بمواقفه العدائية تجاه أهل البيت (ع)، حتى إنه حرّض والي المدينة الوليد بن عتبة على قتل الإمام الحسين (ع). فعندما توفي معاوية - الذي أوصى بالخلافة لابنه يزيدَ المعروف بالفسق والفجور، واللعب بالكلاب وشرب الخمور - دعا الوليدُ الإمامَ (ع) لمجلسه. فلما حضر عرض عليه البيعة ليزيدَ، فقال له الإمام الحسين (ع): «نصبح وتصبحون. وننظر وتنظرون. ولا أرى أن يُكتفى ببيعة مثلي سرا»، فقال الوليد: «انصرف راشدا يا أبا عبدالله». فانبرى مروان بن الحكم الذي كان جالسا وقال: «لا تتركه يخرج. فإن فاتك الثعلب لا ترى إلا غبارا». فغضب الإمام الحسين (ع) غضبا شديدا وردّ عليه ردا مزلزلا قائلا: «أأنت يا بن الزرقاء تأمر بقتلي؟ من يأمر بقتلي... أنت أم هو؟».

موقف مروان وبني أمية من أهل البيت (ع) ومن يتشيع لهم لم يؤثر على إيجابية موقف المسلمين شيعة وسنة من عمر بن عبدالعزيز، حفيد مروان. جاء في كتاب «شرح إحقاق الحق» للمرجع الشيعي الكبير السيدشهاب الدين المرعشي النجفي هذه العبارة: «وطابت نفس جعفر (ع) كما طابت نفوس الصالحين وأهل التقوى والعلم بما صنعه الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز». وليتأمل بعض مرضى النفوس الذين يبرِّرون الظلم والتمييز ضد طائفة من الشعب تحت دعوى عدم الولاء، ولينظروا أثر العدل والإحسان في تحقيق الولاء للحاكم - بمعنى المحبة والنصرة - ما خطه الشريف الرضي، من أبيات يتمنى فيها لو يفدي أبا حفص، عُمَرَ بنَ عبدالعزيز بدمائه وبنفسه، كقوله:

وقليل أن لو بذلت دماء البدن

صــرفا علـــى الـذرا وســــقيتـــك

وقوله في القصيدة نفسها:

‏فلـــو أنــي ملكــت دفعــــــــا لمـــــا

نابكَ من طاــرق الردى لفديتــك

هذا الموقف الجميل تجاه عمر بن عبدالعزيز ابن من يحرّض على سفك دم الإمام الحسين (ع) - وهو مروان بن الحكم الأموي - سببه حكمه العادل؛ بجانب إحسانه للرعية. فترك له ذكرا حسنا يترحم عليه الخلف بعد السلف إلى يوم القيامة، حتى يلقى الله بجزيل الحسنات، ورفيع الدرجات.

وهذا الموقف دليلٌ عمليّ على ما ذهب إليه الإمام علي (ع) أن إحسان الحاكم لشعبه كفيل بأن يغدقوا عليه محبتهم ونصرتهم له كما في قوله (ع) لمالك الأشتر: «واعلم أن ليس شيء بأدعى إلى حسن ظن راعٍ برعيته من إحسانه إليهم، وتخفيف المؤنات عنهم»، وأما حين يختفي العدل بنسبة كبيرة، فضلا عن استبدال الإحسان بالإساءة كإساءة التمييز والإفقار، فبالقدر نفسه يفقد الحاكم ولاء من مُورس عليه هذا الظلم.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1965 - الثلثاء 22 يناير 2008م الموافق 13 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً