العدد 1985 - الإثنين 11 فبراير 2008م الموافق 03 صفر 1429هـ

حتى أنت يا «غوغل»!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

كنا نظن بالسيد «غوغل» النزاهة والإخلاص ولاسيما وهو يتربع على عرش مواقع البحث العالمية من دون منازع ولكن هذا الظن خاب عندما أثبتت الأحداث أن هذا الـ «غوغل» لا يختلف عن سواه من المواقع أو الدول أو الأشخاص في الاستخداد للصهاينة ومحاولة كسب ودهم ولو كان ذلك على حساب الأخلاق والحقائق والعدالة.

اللاعب المصري الشهير «أبوتريكة» يملك حسا وطنيا إسلاميا جعله يتعاطف مع الفلسطينيين في غزة ولاسيما وقد رأى مرضاهم يموتون في المستشفيات والبيوت لأنهم لا يجدون دواء أو أنبوبة غاز أو كهرباء تنير لهم الظلمات وتشغل بعض أجهزة مستشفياتهم، كما رآهم يتضورون جوعا، ومياه المجاري تدخل بيوتهم وتحمل لهم كل أنواع الأمراض والهموم.

كل الذي فعله السيد «محمد أبوتريكة» أنه عبّر بصورة مشروعة وحضارية عن تعاطفه مع هؤلاء المظلومين مع أهله في غزة أثناء مباراة فريقه مع السودان فعندما سجل هدفه في المرمى السوداني رفع فانيلته لتظهر تحتها فانيلة أخرى كان قد أعدها مسبقا كتب عليها «تعاطفا مع غزة» باللغتين العربية والإنجليزية.

هذا التعاطف السلمي المشروع لم يرق لحكم المباراة الدولي «كوفي كودجي» البنيني الأصل فقام بإعطاء اللاعب «أبوتريكة» إنذارا بحجة استخدامه شعارات سياسية مخالفة لأنظمة «الفيفا».

ما فعله هذا الحكم ينسجم مع ما فعله حكام سابقون وفي مواقف أشد وضوحا في التعاطف مع دولة الصهاينة، تلك الدولة الظالمة.

فمن المعروف أن اللاعب الغاني «جون باتستل» رفع علم «إسرائيل» وطاف به الملعب أثناء مباراة منتخب بلاده أمام منتخب التشكي في كأس العالم التي أقيمت في ألمانيا. ومع ذلك فإن «الفيفا» وحكمها لم يوجها أي إنذار لهذا اللاعب ولم توقع أيّة عقوبة عليه مع أن ما فعله أكثر بكثير مما فعله «أبوتريكة» ومن المرجح أنه فعل ذلك بالاتفاق مع الصهاينة.

أبوتريكة تعاطف مع أناس مظلومين يموتون جوعا وقفت معهم معظم جمعيات حقوق الإنسان ومع هذا فقد تم إنذاره، أما اللاعب «جون» فقد تعاطف مع دولة محتلة سيئة بكل المقاييس ومع هذا فقد مرّ عمله بسلام!

وشبيه بما فعله «أبوتريكة» فعله اللاعب البرازيلي المشهور «كاكا» الذي كان يرتدي أحيانا فانيلة يعبّر فيها عن انتمائه النصراني المتشدد.

هذا العمل - أيضا - كان يمرّ بسلام ومن دون إنذار أو سواه... فلماذا؟

الشيء الجميل أن اللاعب «أبوتريكة» أعلن أنه غير نادم على ما فعله حتى لو تم إيقافه من قبل الاتحاد الأوروبي.

والشيء الأجمل أن الجمهور المصري أبدى ارتياحه الشديد لهذا العمل الوطني ووقف داعما قويا للاعب المشهور الذي عبّر عن ضمير الشعب المصري خصوصا والشعب العربي عموما.

والسؤال الحائر: لماذا هذه المواقف المزدوجة من «الفيفا»؟ هل أصبحت الرياضة أيضا ذات وجهين؟ هل أصبح الكيل بمكيالين من صفات الرياضيين كما هو من صفات السياسيين؟

من الواضح أن «الفيفا» - الموقرة - والاتحاد الإفريقي لا يجرؤ على إغضاب دولة «إسرائيل» مهما فعلت، فهي فوق النقد، بل وفوق الجميع!

كنت أتمنى أن الاتحادات العربية للكرة - بكل أنواعها - وكذلك الأندية الرياضية أن تظهر بوضوح تعاطفها مع اللاعب «أبوتريكة» بكل الطرق لأنه يستحق التعاطف والتكرم فإن ما فعله كان واجبا وطنيا وإسلاميا ينبغي على الكل أن يفعله.

«إسرائيل» دولة واحدة يقف إزاءها عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، وهذه الدول يفترض أن تأثيرها على «الفيفا» أكثر بكثير من تأثير الصهاينة، فلماذا محترمة مرهوبة الجانب أكثر منهم جميعا؟

أعود إلى السيد «غوغل» الذي تعرض هو الآخر لضغوط قوية من «إسرائيل» لكي يحذف صورة اللاعب «أبوتريكة» التي أظهر فيها تعاطفه مع أهالي غزة، لقد استجاب هذا الموقع المملوك للأميركان للضغوط الصهيونية وحذف صورة اللاعب على رغم أنه نشرها مباشرة بعد المباراة.

الصهاينة لم يكتفوا بحذف الصورة بل قامت صحفهم بحملة قوية ضد اللاعب، وطالبوا «الفيفا» بمعاقبته، واتهموه بالإرهاب والتعاطف معه، بل إن بعضهم هدد بالاعتداء عليه لكيلا يستطيع اللعب مطلقا.

«إسرائيل» ترى أنها دولة فوق القانون، يحق لها أن تفعل ما تشاء من دون حسيب أو رقيب. ولكن إذا كنت أرى أن لـ «إسرائيل» أن تظهر نفسها كما تشاء فإني أرى أن العرب جميعا لا ينظرون إلى أنفسهم كما يجب.

القوة فوق القانون - على عكس ما كان يقوله سعد زغلول - والحق في الحياة للأقوياء، أما الضعفاء فليس لهم إلا الفتات - إن كان هناك ثمة فتات - وإلا فالموت الزؤام...

وأخيرا أقول: كلما نظرت إلى وضع العرب اليوم تبادر إلى ذهني قول شاعر العرب (المتنبي):

ولم أرَ في عيوب الناس عيبا

كعجز القادرين على التمامِ

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1985 - الإثنين 11 فبراير 2008م الموافق 03 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً