العدد 2009 - الخميس 06 مارس 2008م الموافق 27 صفر 1429هـ

فلسطين بين التهويد والتهديد

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

عندما نتطلَّع إلى العالم الإسلامي، فما هي الصورة التي تبرز أمامنا؟

إننا نرى عالما إسلاميا تتجاذبه المحاور السياسية الدولية، وتتقاذفه التحديات الأمنية والسياسية. ففي فلسطين، تتوالى المجازر التي ترتكبها «إسرائيل»، الّتي تواصل سياسة التهويد والتهديد، إلى جانب عمليات القتل التي لا يتورَّع فيها العدوّ عن قتل المدنيين حتى الأطفال، ثم ينطلق رئيس وزراء العدوّ ليتحدّى العالم، وليوجّه رسالة إلى دول الاتحاد الأوروبي التي كانت طالبته برفع الحصار عن غزَّة ووقف عمليات القتل، فيقول: «لن نعتذر لأحد عن قصفنا لغزة».

أما المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فلم يجد أمامه إلا تكرار الكلمات الأميركية السابقة، في أن لـ»إسرائيل» «حق الدفاع عن نفسها». وإلى جانب ذلك كله، لا تزال دعوات الحوار والمصالحة بين الفلسطينيين تصطدم بالحائط المسدود أميركيا وإسرائيليا، ونخشى أن نقول إنّه موصود عربيا وعند بعض الدوائر الفلسطينية أيضا...

توسيع دائرة العنف

أما في العراق، فتكرّ سبَّحة الموت التي أتقن التكفيريون لعبتها في استهدافهم المتواصل للمدنيين، وخصوصا زوّار الإمام الحسين (ع) في ذكرى أربعينية، ليحاولوا من جديد إنتاج الفتنة المذهبية التي تمثِّل أمنية من أماني الاحتلال، وسلاحا من ضمن الأسلحة التي يحاول استخدامها في تخطيطه الدائم للبقاء في العراق...

وفي أفغانستان التي أمعنت الإدارة الأميركية فيها قتلا، وحيث بدأت الدائرة تدور عليها، وبدأت تستعطف دول حلف شمال الأطلسي للبقاء فيها، لا تزال طاحونة العنف تطحن المزيد من الضحايا، ليستمرَّ الاهتزاز الأمني والسياسي الذي يطلّ على المشهد الباكستاني في صورة مماثلة، وصولا إلى الصومال التي باتت ضحية من ضحايا هذا الاهتزاز، وإلى السودان الذي بات موقعا من مواقع التجاذب في لعبة الأمم التي يراد لـ»دارفور» أن تكون محطتها الإفريقية الأبرز...

عناوين ضبابية وعجز عملي

وعندما ننظر إلى العالم العربي والإسلامي الذي ارتفعت فيه نسبة البطالة إلى أعلى الأرقام، وتصاعدت فيه معدلات الفقر والأميّة لتبلغ أخطر المستويات، على رغم مما فيه من طاقات كبرى وثروات دفينة، نتساءل:

إلى أين يأخذ كل هؤلاء الحكّام هذه الأمة؟ وإلى أية محاور يقودونها؟ ولماذا يُراد لنا أن نبقى الأمة المتهالكة والمتقاعسة والمثقلة بكلِّ أنواع العنف والخرافة والجهل؟ وهل هذه هي الأمة التي سعى النبي محمد (ص) لتكون القائدة في الأمم، والتي قال الله تعالى عنها في كتابه: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (آل عمران/110)؟!

إننا أمام ذلك، وأمام كلِّ هذا الركام، علينا أن ننطلق كشعوب وكفئات طليعية واعية، لقيادة حركة التغيير في الأمة، وإعادتها إلى توازنها، وإلى ميادين القوة والعطاء، لتعود إلى دورها الريادي في السعي لحماية نفسها وقضاياها وحماية البشرية كلها.

وعندما نطلُّ - من جانب آخر - على حركة اللقاءات العربية الثنائية، فإننا نلاحظ أنها تتحرك بعناوين ضبابية لا تملك معها أية فاعلية على مستوى حلّ المشاكل العربية، كالمسألة الفلسطينية أو العراقية أو اللبنانية، لا بل إن هذه اللقاءات قد توحي بالحذر من جهة، وقد تمثل العجز العربي في صورته الأبرز وحركته في داخل المأزق.

وهناك مسألة لا بد من رصدها، وهي أنَّ بعض من يدير هذه اللقاءات الثنائية، يمثِّل فريقا معينا في حركة الأزمة اللبنانية، وهو يحاول تحميل فريق آخر المسئولية حيال استمرار الأزمة، من دون دراسة الطروحات التي يقدمها هذا الفريق أو ذاك في مسألة الواقع اللبناني، لتبقى المسألة في نطاق الاتهامات، والتي قد نستوحي من خلالها وجود خلفيَّات دولية تريد تعقيد بعض الأوضاع في لبنان، وخصوصا مسألة المقاومة في مواجهة «إسرائيل»، بعدما تبيّن للجميع أنَّ الخطاب العربي بالنسبة إلى «إسرائيل» هو مجرَّد خطاب استهلاكيّ لا يحمل في داخله أيّ نوع من أنواع الجديّة في النظرة إلى خطورة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، إضافة إلى كفّهم عن القيام بأيِّ مسعى جديّ لتوحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة السعي الإسرائيلي لتكريس الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني وخلق واقع جديد مفاده أن الضفة شيء وغزّة شيء آخر.

المبادرة العربيَّة ولدت ميتة

من جهةٍ ثانية، فإن هذه الاحتفالية في المبادرة العربية، وأنها تمثل الحلَّ للقضية اللبنانية، ربما كانت مجرَّد عملية خداع للبنانيين، باعتبار أن المبادرة العربية ولدت ميتةَ، لأنها لم تنطلق من خطوط واضحة لحلِّ الأزمة اللبنانية في عمق المشاكل التي تدور بين اللبنانيين منذ ما بعد حرب يوليو/ تموز، وخصوصا في مسألة حكومة الوحدة الوطنية التي يتحدّث البعض أنها لا بد من أن تعكس المشاركة الحقيقية في بلد قام على أساس الديمقراطية التوافقية، لا الديمقراطية العددية، وهكذا في مسألة قانون الانتخاب وغير ذلك من العناوين، ما يدل على أن الخطاب العربي في المبادرة جاء من فوق ولم ينـزل إلى مستوى جذور الأزمة، وهو الأمر الذي جعل المبادرة تفشل وتعجز عن تحقيق أيِّ اختراقٍ في المسائل الأساسية، ليبقى الحديث عن توافق حول بعض المفردات حديثا غائما لا يمثل إلاّ المزيد من الاستهلاك السياسي في واقعٍ تعوّد فيه الناس على هذا النوع من الاستهلاك الذي لا تنتهي فصوله...

إنَّنا نتصوَّر أنَّ مشكلة الأزمة اللبنانية، هي أنّه ليست هناك قيادات لبنانية تتحمَّل مسئولياتها في الحلّ، بل هناك قوى ومحاور دولية تحاول توجيه الأزمة على أساس ما تقتضيه مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، ولذلك فإذا كان اللبنانيون ينتظرون مبادرة دولية هنا أو عربية هناك، فعليهم أن ينتظروا إلى ما لانهاية، لأن المسألة في حركة الدوائر الخارجية، وخصوصا الأميركية منها، تتلخّص في أن يبقى لبنان معلَّقا في كلِّ أوضاعه وتوتراته مع مزيج من حركة قيادات هنا وهناك، التي إنما تثير العصبيات السياسية والطائفية والمذهبية في خط المصالح الذاتية والشخصانية للزعامات، وبعيدا عما هي مصلحة الوطن ومستقبل أجياله.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2009 - الخميس 06 مارس 2008م الموافق 27 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً