العدد 2071 - الأربعاء 07 مايو 2008م الموافق 01 جمادى الأولى 1429هـ

20 ألف بيتٍ من «الوهم»!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

«ما تشاهدونه من دبي اليوم هو خمسة في المئة مما يخطط للمدينة». بهكذا عبارة يستشرف حاكم دبي مستقبل مدينته الضاربة بجذور عصريتها وأبراجها الشامخة على الأرض. ومثله لا يحتاج إلى دليل يثبت كلامه، فنسبة الخمسة في المئة التي يتحدث عنها الحاكم لا تنكر كل حكومات الشرق الأوسط أنها تحلم بها (على الأكثر) في مدينة مشابهة. وهنا يكمن الفرق.

أن تطرح صكوك نواياك الحسنة على أرض الواقع فذلك يختلف تماماَ عن بيعك الناس سمكا في البحر. وهذا سر تألّق دبي أساسا التي تقف خلف حضارتها حكومة صادقة مع الناس فيما تخطط وتنفذ، إدارة ذكية استوعبت مبكرا مفهوم الاقتصاد المعرفي والنوعي قبل غيرها من الحكومات الشرق أوسطية، وسخرته في خدمتها وخدمة المواطنين بالدرجة الأولى والمقيمين ثانيا الذين لم تضطر إلى الزج بهم يوما في عملية توطين عبثي من أجل أغراض ديمغرافية أو ما شابهها.

«حلم يتحقق»!

وفي بلد شقيق لا يبعد عن دبي إلا قليلا، وينحو لمنافستها في السوق العقارية، ولا يختلف عنها في طبائعه العامة والخاصة شيئا، ولا يقل عنها وفرة في المخزون النفطي بكثير، حدث ويحدث الآتي: كما في العنوان (أعلاه) دشن الموقع الإلكتروني للمحافظة الشمالية الأضخم بحرينيا في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 مشروع المدينة الشمالية، معلنا إقامة واحدة من أربع مدن نموذجية على مساحة 1500 هكتار من المساحات البحرية المتاخمة لشواطئ البديع والدراز وباربار. الخبر الذي رفع آمال (20 ألف أسرة بحرينية) إلى عنان السماء، بعد أن ألِفت عيشة التراكم الأسري والغرف الضيقة.

منذ ذلك التاريخ وبعد مرور نحو 6 أعوام تعيش تلك الأسر حلما ضائعا (لم يتحقق إلى الآن) بين كر وفر المسئولين عن تنفيذ مشروع المدينة الموعودة، على أمل أن تحظى بوحدات مقبولة «تتعدد فيها التصاميم المعمارية التي تتلاءم مع احتياجات الأسرة البحرينية» وتُنشأ «وفق مبدأ الحداثة والتكامل من حيث الخدمات والاحتياجات» كما نص على ذلك تصريح نائب جلالة الملك رئيس لجنة الإعمار والإسكان سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة يوم أن وضع حجر أساس المدينة. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان!

السير إلى الخلف

المدينة الموعودة التي لم ترد يوم الإعلان عنها كلمة «شقة» أبدا في أي تصريح، وانصب الحديث الرسمي على بناء «20 ألف وحدة سكنية» نصا، انحرف مسارها المعلن عنه فجأة، وتحولت بعد سنوات الانتظار إلى مشروع عمودي ذي عمارات سكنية ذات شقق (محصورة) وغير محبذة شعبيا على رغم الترغيبات الحكومية بتوسيع مساحة الواحدة منها إلى 200 متر مربع لاحقا، ثم بدأت تلميحات أخرى إلى أنها ستتحول إلى مدينة استثمارية أقرب منها إلى السكنية، بسبب حجج واهية تذرعت بارتفاع الأسعار تارة وبمساعدة المستثمرين للحكومة في استكمال المشروع تارة أخرى، وتراجع الأمر عكسيا إلى أن كشفت بعض المصادر قبل أيام أن أعمال التشييد تسير أساسا من دون موازنة محددة! وهو ما اعتبره رئيس مجلس البلدي الشمالي يوسف البوري منحى أخطر بكثير من التحوّل إلى البناء العمودي. وخصوصا بعد تأكيده أن «لا تطمينات حكومية تُذكر أبدا بشأن ما يثار»، ما يعزز صحة الاحتمالات الواردة.

لا أحد يرفض الصورة الأولية المرسومة للمدينة المتكاملة في خدماتها وحتى مشروعاتها الاستثمارية ما دامت تفي بوعودها الإسكانية أولا، إلا أن التراجع الحاصل يوحي بأمرين خفيين، إما أنه تم إيكال تخطيط المشروع إلى خبرات غير قادرة على تقييم الاحتياجات الإنشائية لمشروع ضخم بهذا المستوى بصورة دقيقة، أو أن هناك نوايا مبيتة لمستقبل المشروع لم يعلن عنها، سنشير إليها لاحقا.

حتى لا تكون «خدعة»

ما يستحق التوقف عنده مليا حجم المفارقة بين نموذج مدينة دبي صاحبة الجنون الحضاري التي تسعى لاستقطاب 15 مليون زائر (8 أضعاف قاطني دبي) ونموذج المدينة الشمالية البحرينية «الفاضلة»، ولا مقارنة بينما هو قائم على الأرض وبين المفترضة إقامته طبعا، إلا أن نسبة المفارقة هنا في الاستشراف المستقبلي ومدى جدية الوعود الحكومية ومصداقية التنفيذ.

وحتى لا نذهب بعيدا، نستطيع القول إن الحكومة هنا تعلم تمام اليقين أن الـ 20 ألف أسرة الموعودة بمساكن لائقة لا تحلم أبدا بالعيش في مدينة معجزة، وإنما أكبر طموحها ألا تُرمى قسرا وجبرا بعد طول انتظار في شقق محدودة المساحة لا تستطيع أن تشيّد فيها جدارا ولا تزرع في فنائها نبتة. وهذا يتطلب وفاء واحتراما للوعد الذي قطعه المسئولون على أنفسهم بدلا من الاستغفال المستمر لهذه الطبقة المهضوم حقها.

بات في حكم المجهول وفاء لجنة الإعمار والإسكان بتشييد المدينة الشمالية حسب المعايير الأولية التي أعلنتها في تفاصيل المشروع، وما المماطلات التي بدأت تنحو بالمدينة إلى اتجاهات استثمارية إلا واحدة من مؤشرات ضياع الحلم. وما تتجه إليه الأنظار هذه الأيام هو احتمال أن يكون الإعلان الأول عن «إسكانية المدينة» يحمل نية مخفية لتحويل المشروع إلى مدينة استثمارية في 80 في المئة من مساحته على الأقل، وما كانت تلك الوعود التي تصدرت «مانشيتات» الصحف قبل 6 اعوام إلا خطوات تمهيدية لامتصاص أي غضب شعبي وخصوصا من أهالي الشمالية (ذائقي المر) على عمليات الردم البحري لغير صالحهم كما يحصل من استحواذ مستمر على البر والبحر وعمليات دفن لا تتوقف كما حصل في منطقتي الدبلوماسية والسيف. ولعل المدينة الشمالية يخطط لها أن تغص بالأبراج الاستثمارية والبنايات الشاهقة من دون أن يكون للمواطنين فيها محطة استرخاء كما وعدتهم التصريحات الرسمية، وتتبخر المدينة الحلم.

بصراحة، لنترك الاحترام والثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب إلى حكومة دبي وسكانها، ونكتفي نحن بالفرجة والتزام الصمت والقبول بالاستغفال اللا محدود.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2071 - الأربعاء 07 مايو 2008م الموافق 01 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً