العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ

إبادة مشرّعة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد العربي الإسلامي، تواصل المحكمة الأميركية الإسرائيلية تنفيذ أحكامها بعد فتوى الحاخام الأكبر، التي اعتبرت العرب حشرات وأفاعي ينبغي القضاء عليها، وها هي حمى الموت تدور على الأطفال والنساء والشيوخ من غزة إلى الضفة الغربية، وصولا إلى مدينة الصدر في العراق وإلى الصومال، إذ يبدو مشهد الجريمة واحدا: بيوت تدمر على رؤوس ساكنيها في غارات الطائرات الأميركية أو في الهجمات الصاروخية الإسرائيلية؛ فتقتل الأم وأطفالها بمن فيهم الطفل الرضيع... وتتوالى الغارات الوحشية والحصار التجويعي على مرأى ومسمع من العرب الذين لا يجرؤون على الاستنكار، بل يكتفون بتقديم عروض التهدئة للعدو، ولا يكلِّفون أنفسهم تقديم وسائل الدفاع والمواجهة للشعب الفلسطيني المحاصر، لأن غزة المقاومة تحرجهم، وهم يتطلعون إلى لقاء بوش في احتفالية الكيان الستينية بعد أيام.

أما اليهود المغتصبون، فقالوا كلمتهم في استطلاعات الرأي الأخيرة، وأعلنوا أنهم يرفضون إزالة المستوطنات والجدار العازل، أو الانسحاب من الجولان، إذ لاتزال التعبئة السياسية الصهيونية تفعل فعلها، وتتحرك في خط الحقد والعداوة والبغضاء للعرب والمسلمين... ومع ذلك، فإن وزيرة الخارجية الأميركية توحي إلى السلطة الفلسطينية بإمكان التسوية في شهور قليلة، بعدما عملت الإدارات الأميركية على تضييع فلسطين على مدى عقود.

استباحة القانون الدولي

إن التاريخ العدواني للإدارات الأميركية المتحالفة مع الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، يؤكد أن القانون الدولي ليس إلا مجرد هراوة يُصفع بها العرب والمسلمون بالقرارات الدولية المتعاقبة، فيما تجوب الطائرات الإسرائيلية سماء العالم العربي، فتضرب مفاعل تموز في العراق، وتقصف مواقع أخرى في سورية، وينبري الرئيس الأميركي ليبعث رسائل جديدة إلى إيران وغيرها، متحدِّثا عن قصف «إسرائيل» لمنشأة سورية بأنها قصف لمفاعل نووي قيد الإنشاء، في سياق كذبة جديدة من أكاذيب إدارته التي اجتاحت المنطقة تحت وابل من الأراجيف الفارغة... بينما يصمت الأمين العام للأمم المتحدة، ولا يثير الحديث عن انتهاك سيادة دولة عضو في منظمته التي غدت صدى للسياسة الأميركية التي عملت على تأكيد حقيقة أمنية عدوانية صنعتها بيدها، عندما أطلقت يد الكيان الصهيوني ليكون الشرطي العسكري والأمني في المنطقة.

إن السياسة التي تمارسها الإدارة الأميركية في موقفها من الشعب الفلسطيني، تمثل المشاركة الواقعية في العدوان الإسرائيلي اليومي والمجازر المتنقلة ضد الفلسطينيين، فيما تتحدث بلغة الخداع وبالوعود النفاقية عن الدولة الفلسطينية التي عملت، ولاتزال تعمل، على ألا تكون قابلة للحياة.

إن أميركا هذه، التي تستبيح القانون الدولي في استجواب استخباراتها للمعتقلين، لاتزال تشجع ربيبتها «إسرائيل» على قتل المزيد من الفلسطينيين، تماما كما تفعل هي مع العراقيين، لأنها تنظر إلى شعوبنا كما لو كانت فئران تجارب في مختبرات القتل الأميركية والإسرائيلية المتنقلة في المنطقة والعالم.

لقد رفض العالم الذي يسمونه متحضرا منطق الاحتلال واغتصاب أراضي الشعوب ونهب ثرواتها، ولكن أميركا، في إداراتها المتعاقبة، لاتزال تنظر إلى أرضنا كجزء من مشروعها الاستراتيجي، وكموقع من مواقعها التي تبيح لنفسها أن تفعل بها ما تشاء؛ فتحتل الأرض كما في أفغانستان والعراق، وتنهب الخيرات وتدمر الأمن والاقتصاد، وتترك لـ «إسرائيل» أن تواصل مجازرها الوحشية ضد الفلسطينيين في وحشية جنودها الذين ينتهكون القوانين الدولية، ويقتلون الأم وأطفالها على مائدتهم، من دون أن ينطلق صوت من هناك... من دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، التي يتحدث بعض مسئوليها عن «إسرائيل» كمعجزة القرن العشرين. ومنهم من يذهب إلى «سديروت»، فيحمل بقية من شظايا صاروخ فلسطيني انطلق ردا على عشرات المجازر، من دون أن يذهب إلى غزة فينظر إلى بقايا أشلاء الطفولة والأمومة الموزعة في كل شوارعها وأزقتها... إن هذا العالم عالمٌ لا يحترم نفسه ولا القوانين التي أصدرها ولا الثورات التي انطلقت منه رافعة شعار الحرية، فكيف يراد لنا أن نحترمه؟!

فتاوى وخطوط سياسية تعطل الحل

أما لبنان، فإن هناك بعض الأصوات العربية التي تلتزم بتدويل أزمته لما يملك من الصداقات في العالم، واعتبار المبادرة العربية محصورة في الانتخاب الرئاسي بعيدا عن القضايا الأخرى التي كانت ولاتزال موضع الجدل العنيف في الداخل اللبناني بين الفريقين المتعارضين في الخط السياسي، والخلفيات الإقليمية والدولية التي تتدخل في فرض خطوط مصالحها على هذا الجانب وذاك.

أما الحوار اللبناني - اللبناني، فإنه لا يمثل حوارا بشأن الحل الوافي للأزمة، وذلك من خلال البحث في القضايا التي كانت ولاتزال محل الخلاف السياسي، الأمر الذي لن يؤدي إلى أية نتيجة حاسمة، لأن بعض الجهات اللبنانية لاتزال تؤكد اعتبار سلة المبادرة في مفرداتها الجدلية، بمثابة الشروط غير المقبولة المفروضة على الانتخاب الرئاسي.

ولذلك فإن الأزمة ستبقى في الدوامة، وستتحرك الأوضاع في الحلقة المفرغة، لأنه ليس للبنانيين في الخط السياسي أي دور في حل أزمتهم الداخلية التي تحيط بها الإيحاءات الخارجية من كل الجهات، وتمنعها من التصرف في اللقاءات بطريقة واقعية بعيدة عن الفتاوى السياسية التي يفتي بها هذا الفريق أو ذاك، حتى ان بعض الشخصيات الدينية الرسمية تستهلك فتوى السياسيين بفعل الارتباطات العضوية، بعيدا عن الدراسة الموضوعية لما فيه مصلحة المستضعفين الذين يأملون بالفتوى التي تؤكد اللقاء في إطار الوحدة الوطنية والقانون العادل للانتخاب، والعودة إلى المواطنة في تقدير الأمور بدلا من الطائفية في تعقيداتها السياسية والرئاسية والانتخابية. والملحوظ في هذا الارتباط العضوي بين الأزمة اللبنانية الداخلية وأزمة المنطقة، هو أن الداخل أصبح في خدمة الخارج، وأن الخارج يخطط لإبقاء لبنان ساحة لصراعاته على رغم رفض الكثير من السياسيين ذلك.

أما الشعب اللبناني، فإن كل دوره في الحساسيات الطائفية والمذهبية أن يعيش تحت رحمة الطموحات والأطماع والتمنيات الشخصانية، وإدارة الأموال من الداخل والخارج لتزوير الإرادة الشعبية في قضايا الوطن في مسألة المصير، ولا مشكلة في بقاء الجوع والخوف والحرمان والاهتزازات الطائفية، لأن هذا هو قدر الشعب في قبوله بالنظام الطائفي وابتعاده عن المواطنة التي تجمع اللبنانيين على العناوين الحقيقية للحرية والسيادة والاستقلال، لأن الطائفية التي كانت ولاتزال تفتح أكثر من ثغرة أمنية وسياسية على مصالح الدول الأخرى، ستبقى مشكلة لبنان الذي لا يربح فيه إلا كبار زعماء الطوائف، أما شعب الطوائف، فلا يربح منها شيئا سوى المزيد من الغيبوبة في كهوف الانفعال والعصبية والعبودية للأشخاص.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً