العدد 2098 - الثلثاء 03 يونيو 2008م الموافق 28 جمادى الأولى 1429هـ

أزمة العلاقات المصرية الأميركية... تصعيد أم تهدئة؟

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

نتوقع صيفا ساخنا بل ملتهبا... ساخنا بطقسه الحار، وملتهبا بتطور أحداثه وتوالي متغيراته التي ينتظر أن تكون دراماتيكية، بصورة أشد من أي وقت مضى.

ولن تكون غير المنطقة العربية، الجاذبة للرياح الساخنة لهذه المتغيرات، فما نراه الآن ينبئ عن صيف لأهب حقا، من العراق الغارق في دمائه إلى السودان المرشح للانفجار، ومن لبنان المتوتر الذي يبدو على السطح أنه تجاوز أزمة لكنه لم يحلها بل جرى تبريدها، إلى فلسطين الحائرة المحيرة على أيدي مراوغي السياسة الإسرائيلية، وخصوصا غزة المحاصرة التي تنتظر اجتياحا عسكريا إسرائيليا في أية لحظة.

أما ما يجري في السر والعلن بين سورية و «إسرائيل»، من مفاوضات بوساطة تركية وغيرها، فأمره غامض، قد يفاجئنا بتوصل البلدين إلى اتفاق سلام يحرر الجولان من احتلال تخطى عامه الأربعين، وقد ترتد الأمور عائدة إلى نقطة الصفر، وهذا ما سنحاول معالجته فيما بعد!

الآن نبدأ بالعلاقات المصرية الأميركية وندخل في الموضوع مباشرة، هناك أزمة حادة بين القاهرة وواشنطن. حاولتا على امتداد الشهور إخفائها أو التهوين منها، لكن الأزمة كانت أقوى من كل المحاولات فانفجرت على العلن في شرم الشيخ مؤخرا، بما يعكس أن أسبابها أعمق مما هو معلن.

ومن تبسيط الأمور أو تسطيحها تصديق أن ما جرى بين الرئيسين حسني مبارك وجورج بوش في شرم الشيخ، كان هو سبب الأزمة، التي استدعت هجوما إعلاميا مصريا غير مسبوق على بوش وسياساته وتوجهاته، وخصوصا بعد الخطاب التعيس والمستفز له أمام الكنيست الإسرائيلي!

لكنني أعتقد أن ما جرى في شرم الشيخ بين الرئيسين كان بلوغ الأزمة المستمرة قمتها الساخنة، فانفجرت علنا مسجلة سوابق دبلوماسية وسياسية غير معتادة... فمن غير المعتاد أن يقاطع أو يمتنع رئيس أميركا المدعو لحضور المنتدى الاقتصادي بشرم الشيخ والتحدث أمامه، خطاب رئيس الدولة المضيفة وهو أول حديث عام لافتتاح المؤتمر، وقد جاء الرد المصري سريعا وحادا بمقاطعة الرئيس مبارك لحديث بوش وبين هذا وذلك تاه الخطاب الثالث، الذي كان بينهما للملك الأردني عبدالله الثاني، الذي ألقى خطابه في غيبة الاثنين.

وقد كان المشهد مثيرا كهرب الجو وأشاع توترا هائلا في كل الدوائر المتابعة، وخصوصا السياسية والدبلوماسية، فنحن أمام مبارزة دبلوماسية على الهواء، بين رئيسين يعرف الكافة أنهما أصدقاء وحلفاء.

لكن المشهد ازداد إثارة وتوترا، حين خرج بوش من قاعة المؤتمر مباشرة إلى المطار، من دون مراسم وداع رسمية، ومن دون أن يتقدم الرئيس مبارك المضيف، مودعي ضيفه رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، وهذه نادرة أظن أنها لم تحدث من قبل، على امتداد سبعة وعشرين عاما حكمها الرئيس مبارك.

بداية يعرف الجميع أن علاقات وثيقة ربطت بين القاهرة وواشنطن، مثلما بين الرئيس مبارك وجميع الرؤساء الأميركيين الذين عاصرهم، من كارتر إلى كلينتون، ومن بوش الأب إلى بوش الابن، وعلى مدى نحو ثلاثة عقود نسج الطرفان علاقات كانا يطلقان عليها «تحالف استراتيجي»، بعد أن نجح الرئيس السادات في تحويل توجهات السياسة المصرية، من التحالف مع الاتحاد السوفياتي «السابق» كما كان الحال في عهد الرئيس عبدالناصر، إلى التحالف الأوثق مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا عموما.

وبقدر ما شهدت سنوات حكم الرئيس عبدالناصر توترا بل وصداما طاحنا بين مصر وأميركا، بقدر ما انقلب الحال انقلابا حادا في عهد الرئيس السادات، وبالتحديد منذ أن دخل الداهية اليهودي هنري كيسنجر على الخط، في ظل حرب أكتوبر المجيدة العام 1973، ولا نتذكر أن صداما أو حتى خلافا علنيا أو مخفيا حدث بين البلدين حتى اغتيال الرئيس السادات العام 1981.

وبين الصدام الحاد في عهد ناصر، والتوافق الهائل في عهد السادات، مارس الرئيس مبارك سياساته على مدى سبعة وعشرين عاما، من دون صدام حاد ومن دون التصاق كامل بالحليف الأميركي، مستلهما من عبدالناصر بعض حساسيته الوطنية تجاه استقلال البلد، ومستمدا من السادات بعض حرصه على الحفاظ على أعلى درجة من التعاون مع الحليف الاستراتيجي الأميركي.

إلا أن ذلك لم يمنع الخلافات كما الاتفاقات بين البلدين في الرؤى وفي السياسات، وخصوصا في الأزمات الحادة التي مرت بها المنطقة، ولعلنا نأخذ حرب عاصفة الصحراء لتحرير الكويت العام 1991 في ظل رئاسة بوش الأب، نموذجا لذلك... لقد أخذ الرئيس مبارك قرارا استراتيجيا بالمشاركة في هذه الحرب وأرسل ما بين 45 و50 ألف جندي مصري إلى منطقة الحدود السعودية الكويتية، وهو بذلك قد فتح الأبواب والأجواء لتدفق نصف مليون جندي أميركي إلى منطقة حفر الباطن السعودية، من أجل تحرير الكويت من غزو صدام حسين. كما أنه بقراره قد شجع سورية على المشاركة في الحرب.

لكنه الرئيس نفسه الذي رفض بإصرار ولا يزال يرفض، منح القوات الأميركية قاعدة عسكرية ثابته على الأرض المصرية، ما عكر العلاقات الثنائية لفترات ليست قصيرة... وقس على ذلك سارت العلاقات بين خلاف واختلاف، لكن الطرفين، وخصوصا المصري، لم يسمحا أبدا بظهوره على السطح بما يهدد مستقبل التحالف الثنائي، الذي طالما وصف بأنه الثاني، بعد التحالف الأميركي الإسرائيلي!

وعلى رغم الابتزاز السياسي والإعلامي الأميركي المتواصل منذ سنوات، للنظام المصري، وصولا لتخفيض المعونة السنوية، وقد كانت ملياري دولار، إلا أن القرار المصري ظل يحافظ على هذه العلاقة في العلن على الأقل، بينما كانت الخلافات خصوصا في ظل حكم بوش الابن تتصاعد، بشأن قضايا متعددة، ابتداء برفض مصر المشاركة في الحرب الدائرة ضد العراق، بل ورفضها صراحة من حيث المبدأ، وليست انتهاء برفض التدخل الأميركي في مسألة فرض الديمقراطية والإصلاح السياسي بالمفهوم الأميركي. وهذا خلاف طفا على السطح مؤخرا وبصورة حادة!

وحين كنا نكتب ضد هذا التدخل في الشئون الداخلية المصرية، حتى باسم فرض الديمقراطية (راجع مقالاتنا بعنوان بيدنا لا بيد أميركا في 12/6/2002 وما بعدها)، كما بعض الرسميين المصريين يحتجون ويقولون إننا نعرض المصالح العليا المصرية للخطر، بينما كانت كتائب المتأمركين تنهش لحومنا عبر مقالات وأحاديث متلفزة، تكرر الأقوال نفسها، دفاعا عن المصالح الأميركية وليس المصرية أو العربية.

الآن انقلب الحال، هؤلاء أنفسهم يجترون اليوم ما سبق أن قلناه قبل سنوات، من دون أن يتهمهم أحد بتعريض المصالح الوطنية العليا للخطر بمهاجمة بوش وسياسته الحمقاء... نعم لقد انقلب الحال وتباعدت الصداقة لأسباب لم يكشف عنها بعد.

والحقيقة أن هذه ليست الأزمة الأولى والعلنية بين مبارك وبوش، فلعلنا نتذكر أن آخر زيارة لمبارك لأميركا كانت في صيف 2004، حيث دعاه بوش الابن إلى زيارة خاصة لمزرعته وبيته الريفي في ولاية تكساس، وخرج الرئيسان متحابين يعبران عن صداقة متينة... لكن في اليوم التالي مباشرة استقبل بوش في المنزل نفسه، حليفة الأساسي رئيس وزراء إسرائيل السابق أرييل شارون، وأعطاه علنا قائمة تعهدات مذهلة مثلت ضربة قاصمة لفكرة التسوية والسلام في المنطقة، مثلما شكلت صدمة مدوية للرأي العام المصري والعربي...

أعطاه تعهدات أميركية بألا تعود «إسرائيل» إلى حدود 1967، ولا مساس بوضع القدس عاصمة لـ «إسرائيل»، ولا حديث عن يهودية الدولة، ولا تحديد لتوسع المستوطنات، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين...

أصيب الوفد المصري الرفيع بذهول، قرر بعده العودة للقاهرة، ومنذ ذلك الحين الرئيس مبارك عادته بزيارة منتظمة سنويا لأميركا... ولا يزال.

إلا أن أزمة شرم الشيخ الأخيرة تشكل في رأينا الأزمة الأشد حدة بين الصديقين والحليفين، وهي حتما ستؤثر على العلاقات «الاستراتيجية» بين الطرفين، فإلى أين ستمضي خلال الشهور الساخنة المتبقية لبوش في البيت الأبيض، ونعني حتى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتولي الرئيس الجديد في يناير/ كانون الثاني 2009.

هناك ثلاث سيناريوهات متوقعة

أولا: أن يتخذ بوش قرارات عصبية أو سياسات حادة انتقاما من النظام المصري، بما عرف عنه من حماقة واندفاع...

ثانيا: أن يسارع دبلوماسيو الطرفين إلى لملمة الخلاف وتهدئة الأزمة حتى لا تجري نحو منحدر عميق. في وقت يحتاج كل طرف فيه للآخر...

وثالثا: أن تتجمد الأوضاع على ما هي عليه الآن، غضب وخلاف متبادل من دون تصعيد، انتظارا لرحيل بوش ومجيئ رئيس أميركي جديد، يعيد نسج علاقات التحالف والصداقة مع مصر...

أما الذين يتخيلون قطيعة كاملة وصداما حادا بين القاهرة وواشنطن، ينهي سنوات التحالف والتعاون، فهم واهمون... الطرفان في حالة «زعل عائلي»!

وعلينا انتظار ما يحدث في هذا الصيف الساخن... نتابع...

خير الكلام: يقول أبو العلاء المعري:

بني زمني هل تعلمون سرائرا

علمت، ولكني بها غير بائحٍ

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 2098 - الثلثاء 03 يونيو 2008م الموافق 28 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً