العدد 2118 - الإثنين 23 يونيو 2008م الموافق 18 جمادى الآخرة 1429هـ

هيئة حقوق الإنسان... مبادئ باريس أم مقديشو؟

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

مازلت أجهل سبب هذا التنافس المحموم بين الجهات والشخصيات الحقوقية للحصول على موطئ قدم في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي تعتزم الحكومة تشكيلها في وقت لاحق من هذا العام.

غريب كل الغرابة هذا اللهث من بعض النشطاء الحقوقيين أو من المحسوبين عليهم في الزحف نحو هيئة لم تتحدد معالمها الأساسية، ونخشى أن تختطف الهيئة من جماعات «الغونغو» المرفوضة والمفروضة فتتفقد صدقيتها حتى قبل ولادتها.

بالطبع، ثمة توجسات كبيرة، وليس الهدف من إثارتها هو استباق عمل الهيئة، ولكننا كشعب لدينا تجارب ليست جيدة في استغلال شعارات كبيرة ولكنها جوفاء في حقيقتها «بطنها خال».

ستكون الهيئة المنتظرة سعيدة لأن لديها من الملفات الحقوقية التي يجب أن تعمل عليها بما يكفي، وهل ياترى ستسمح الحكومة للهيئة المقبلة أن تعالج ما عجزت أو تهربت الحكومة عن معالجته طوال السنوات الماضية مع مراعاة التدرج والخصوصية وضرورة عدم حرق المراحل، وهذه مسألة مفروغ منها.

ولكن السؤال الذي يجب أن تضعه الهيئة ومن سينضوي تحت لوائها هو: هل ستفتح هيئة حقوق الإنسان ملف العدالة الانتقالية وضحايا الحقبة السابقة للوصول إلى توافق وطني على تجاوز الماضوية والتفكير نحو تأسيس إطار عمل مشترك للمستقبل الذي نأمل أن يكون خاليا من التشوهات السابق؟

هل ستفتح الهيئة ملف التمييز الصارخ بكل أنواعه؟ مذهبيا وسياسيا؟ هل ستعلن أن هناك فئات تجاوز نصف المواطنين ليس مسموحا لها بالعمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية في انتهاك صارخ للدستور؟

مبادئ باريس المصادق عليها بالإجماع سنة 1992 من لدن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة واضحة ولا يمكن الالتفاف عليها أو إيهام الرأي العام، والخطورة بمكان أن تشكل هذه الهيئة سدا منيعا أو ديكورا براقا للتغطية على أية تجاوزات في حقوق الإنسان.

مطلوب من الهيئة أن تقول كلمتها في تطبيق العدالة الاجتماعية وتهيئة الظروف نحو تكريس الملكية الدستورية التي تجعل من حق أي مواطن أن يصل إلى أي منصب رسمي مهما كان كبيرا مبادئ باريس نصت بوضوح على أن تكون للمؤسسة الوطنية ولاية واسعة قدر الإمكان ومنصوص عليها صراحة في أحد النصوص الدستورية أو التشريعية التي تحدد تشكيلها ونطاق اختصاصها، ولكن من الواضح أن الهيئة المنتظرة - ستفتقد على ضوء المعلن حتى الآن - لأهم ركن من أركانها وهي أداة إصدارها التي حددتها مبادئ باريس في الدستور أو القوانين (الصادرة من المؤسسة التشريعية وليست القوانين التي ستفرض على المؤسسة التشريعية).

النقطة الجوهرية في مبادئ باريس هي طريقة التشكيل وضمانات الاستقلال والتعددية، إذ ينبغي أن يكون تشكيل المؤسسة الوطنية وتعيين أعضائها وفقا لإجراءات تنطوي على جميع الضمانات اللازمة لكفالة التمثيل التعددي للقوى الاجتماعية (في المجتمع المدني) المعنية بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.

مبادئ باريس التي رحبت بها الحكومة (ضربت على صدرها في جنيف) تفترض أن تضم الهيئة الوطنية المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان بالجهود لمكافحة التمييز العنصري، والنقابات، والهيئات الاجتماعية والمهنية المعنية، مثل رابطات الحقوقيين، والأطباء والصحفيين والشخصيات العلمية، وكذلك ممثلون من التيارات في الفكر الفلسفي والديني وممثلين عن الجامعات والخبراء المؤهلون وكذلك البرلمان.

واللافت في الأمر أن الإدارات الحكومية (في حالة حضور ممثلين لها، فإنهم لا يشتركون في المناقشات إلا بصفة استشارية)، وهذا يعني أنه لو صح ما أشيع في الصحافة من أسماء رسمية لعضوية الهيئة بهذا العدد فانه كارثة حقيقية، فستكون حينها هيئة للحكومة لا هيئة للبحرين...عفوا لا تكرروا أخطاء الماضي.

وكل ذلك لا يعني أن البحرين لم تتخذ خطوات ايجابية، ونحن على ثقة كبيرة بالوزير نزار البحارنة، ولكن أنا أدرك أن ليست كل الخيوط بيد هذا الرجل، فلو كان كل مسئولينا كنزار البحارنة لكانت البحرين في خير، وإنما الخشية كل الخشية من أن تدخل جهات أخرى رغبة في تمييع الهيئة أو الاستحواذ عليها.

من الضرورة بمكان أن يتمتع أعضاء الهيئة المقبلة بالثقة الكبيرة من الشارع، وممن لم تتلوث أيديهم بالمال العام أو باضطهاد حق الناس في مراحل سابقة، ويجب أن تخلو الهيئة من العناصر المشبوهة التي تشارك في عمليات لهدم البنيوية الاجتماعية والسياسية للبحرين... لأن مثل هذه العناصر لا تؤتمن على وطن!

رجاؤنا من الناشطين الحقوقيين ألا يضيعوا البوصلة، وألا يسيل لعابهم من أجل عناوين فارغة.... لأن البعض يبدو أنه قد حزم أمره في دخول الهيئة، وليس مهما في قاموسه: إن أسست الهيئة على مبادئ باريس أم مبادئ مقديشو! حيدر محمد

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2118 - الإثنين 23 يونيو 2008م الموافق 18 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً