العدد 2143 - الجمعة 18 يوليو 2008م الموافق 14 رجب 1429هـ

العاطلون الجامعيون أين الخلل؟

عبدعلي محمد حسن comments [at] alwasatnews.com

عضو مجلس النواب

جاءت مبادرة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، بتخصيص 15 مليون دينار لتوظيف العاطلين الجامعيين بردا وسلاما على قلوب أولئك الذين عانوا الكثير إبان دراستهم، وبعد دراستهم طلبا للوظيفة اللائقة.

ورسم قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 10 فبراير/ شباط 2008م بسمة أمل على شفاه هؤلاء إحساسا منهم أن المشكلة العويصة في طريقها إلى الحل. وزاد أملهم حين أعلن مجلس الوزراء مسئولية صندوق العمل عن توظيفهم في الحكومة أو في الشركات التابعة للحكومة، وإعادة تأهيلهم مقابل مكافأة مالية قدرها 300 دينار شهريا للمتدرب، بحيث يضمن كل منهم عملا لائقا.

ويحضرني هنا المثل المصري «يا فرحة ما تمت، أخذها الغراب وطار»، إذ سرعان ما بدت العراقيل توضع في طريق توظيفهم، وإعادة تأهيلهم، وتدخل الأفق الضيق الذي لازم كثيرا من المسئولين ليفشل مكرمة جلالة الملك، ويضيع قرار مجلس الوزراء، ويحبط أولئك العاطلين الجامعيين.

ويجب هنا أن أسجل تقديري وإعجابي للجهود الكبيرة التي يبذلها صندوق العمل ممثلة في الوزير المعني نزار البحارنة، والمدير التنفيذي المسئول عبدالإله القاسمي، والطاقم الإداري المساعد له، وأبصر أنهم يتفانون في سبيل إنجاز المهمة الموكلة إليهم، ويعملون بروح سامية، وأفق واسع، واضعين نصب أعينهم تحقيق أمنية جلالة الملك الذي يسره أن يرى أبناءه وبناته العاطلين الجامعيين وقد تبوأوا دورهم في مسيرة التنمية الشاملة، برغم العراقيل الكبيرة التي توضع أمامهم من قبل بعض متسنمي الوظائف الإدارية.

والذي يؤلم النفس حقا، أن يوجد في هذه البلاد الطيبة من المسئولين الكبار من يتصرف بخلاف التوجيهات السامية للملك، وبخلاف قرارات الحكومة، ويحاول تزوير الحقائق وتشويهها، وتضليل الرأي العام بما يعلنه عن إنجازات في مشروع توظيف العاطلين الجامعيين، ظنا منه أن وضوح الحقيقة قصر عليه، وأنه هو فقط الفطن الذي يستطيع أن يقنع الآخرين، متناسيا أن البحرين الطيبة التي يقودها جلالة الملك هي أفطن منه، وأقدر على إدراك الحقيقة.

ولأننا مازلنا ننتظر الأمل، فإننا لن نذهب هذه المرة بعيدا لكشف ذلك الزيف، وسنكتفي بإرسال رسائل قصيرة، لعل أولئك المضللين يثوبون إلى رشدهم، ويرعوون عن زيغهم.

وأعتقد أن الخطوة الرئيسة التي أضاعت المشروع تمثلت في امتناع معظم وزارات الدولة عن الكشف عن الوظائف الشاغرة، وهو طلب تقدم به صندوق العمل، ومع شديد الأسف كانت الاستجابة محدودة من بعض الوزارات.

والمغالطة الأولى في الموضوع، التي نشير إليها هنا، تتعلق بقائمة العاطلين المعتمدة التي أرسلت إلى صندوق العمل وتضم 1912 عاطلا جامعيا، فلقد تبين أن عددا كبيرا من الأسماء التي وردت بها هي ليست من ضمن العاطلين، وبعضهم تم توظيفه قبل صدور قرار مجلس الوزراء بمدة طويلة، وبعضهم يعمل لدى بعض الوزارات بعقود عمل مؤقتة. وهناك أعداد كبيرة من العاطلين الجامعيين المسجلة أسماؤهم رسميا لدى وزارة العمل ويتسلمون علاوة التعطل، لم يدرجوا ضمن تلك القائمة.

والمغالطة الثانية تتعلق بتغيير المهمة التي رسمها جلالة الملك، وهي رؤية أبنائه وبناته يعملون في عمل لائق، وحيث ان أكثر هؤلاء العاطلين من الإناث ذوي تخصصات في مجال العلوم الإنسانية، وأن العمل اللائق لهن هو العمل الحكومي في وزارات الدولة، فإن القرار جاء على أساس أن يوظف هؤلاء في الحكومة، أو في الشركات المملوكة للحكومة. ولكن الحديث الآن يدور عن مجال العمل في القطاع الخاص الذي ترفض غالبية العاطلين الجامعيين قبوله باعتباره عملا غير لائق وقد رفضوه سابقا ووقعوا على عدم قبوله، حتى ولو بقوا عاطلين طول عمرهم، وينطبق هنا المثل القائل: «كأنك يا أبا زيد ما غزيت».

أما المغالطة الثالثة، وهي الأنكى في عملية الضحك على الذقون، أن ترسل بعض الوزارات أسماء تم توظيفهم قبل قرار مجلس الوزراء بأكثر من ستة أشهر زاعمة أنها قد اختارت هؤلاء من قائمة العاطلين الجامعيين التي أشرنا إلى أنها تضم أعدادا كبيرة ممن تم توظيفهم، والأكثر ضحكا، أن تعتمد أسماء هؤلاء من قبل ديوان الخدمة المدنية وكأن الديوان لا يعلم أن هؤلاء تم توظيفهم. ولمن يريد التعرف على بعض هذه الأسماء مراجعة ما نشرته صحيفة «الوسط» في عددها 1796 الصادر يوم الثلثاء الموافق 7 أغسطس/ أب 2007م، 24 رجب 1428هـ.

والآن، يتحدث القائمون على مشروع توظيف العاطلين الجامعيين، عن توظيف أكثر من 400 عاطل جامعي في الحكومة، ويحسبون أن مهمتهم ستنتهي بذلك، ولكنني أحسب أن المهمة ستبدو عويصة الحل مادامت تدار بعقلية ما قبل عهد الإصلاح السياسي، ومادام أولئك الذين يميزون بين الناس قابعين في مناصبهم الإدارية في إدارات التوظيف بوزارات الدولة، ومادامت المحسوبية، والوساطة، وبالذات وساطة النواب المتنفذين الذي يجدون المباركة من المسئولين، مهيمنة على مفاصل عملية التوظيف الحكومي.

تعجبت كثيرا عند مراجعة بعض أسماء من تم ترشيحهم للوظائف الحكومية من بين الأعداد المرشحة، وأحصيت أكثر من عشر حالات مرشحة لأكثر من جهة حكومية، وبعضهم لثلاث جهات، فقلت في نفسي، قد يكون هؤلاء تقدموا لكل جهات العمل طالبين الوظيفة، ولأنهم عباقرة وأكفاء، اختارتهم تلك الجهات، وحين حققت النظر تبين لي أن لهؤلاء لونا واحدا فقط يتميزون به هو سر ترشحهم وجوازهم كل الاختبارات والمقابلات، أما أولئك الذين ينجحون في الاختبارات المعقدة، ويجتازون المقابلات في الشهر مرتين، فنصيبهم الانتظار الطويل لأن كل الوسطاء تخلوا عنهم.

ولا أملك هنا إلا أن أبث كلمة عزاء إلى أبناء البحرين وبناتها من العاطلين الجامعيين، وأقول لهم صبرا صبرا، موعدكم الجنة، لأن الجنة جزاء الصابرين، ولعل وعسى أن ينبري أولئك الذين استحوذ الحس المريض على ضمائرهم ليدركوا أن خير البحرين بأناسها وأهلها المتفانين في العمل، وأن التنمية الحقيقية هي استثمار هذا العنصر البشري، وجعله فاعلا منتجا.

ولكني أيها الأبناء، وأيتها البنات أجد الأمل واسعا في مناشدة جلالة الملك حفظه الله ورعاه، وأبثه شكواكم، فلقد عودنا أنه الملاذ، بعد الله، الذي يستمع إلى مواطنيه، وهو الأقرب إلى القلوب المنكسرة، والأرفق بالمحرومين من شعبه.

إقرأ أيضا لـ " عبدعلي محمد حسن"

العدد 2143 - الجمعة 18 يوليو 2008م الموافق 14 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً