العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ

تدريس المواطنة أم حقوق الإنسان؟

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

بعد أن طرحت وزارة التربية والتعليم مقرر «التربية للمواطنة» تذكرتُ قصة ذلك الأعرابي الذي دخل المسجد والرسول (ص) جالس، فقال: «اللهم اغفر لي ولمحمدٍ، ولا تغفر لأحدٍ معنا»، فضحك الرسول (ص) وقال له: لقد حجَّرتَ واسعا!

بالرجوع إلى قانون التعليم الصادر في مملكة البحرين سنة 2005 الذي ينص على أن هدف التعليم في مملكتنا هو تكوين المتعلم تكوينا وطنيا وعلميا ومهنيا وثقافيا من خلال تأكيد أهمية «تنمية الوعي بمبادئ حقوق الإنسان وتضمينها في المناهج التعليمية» ندرك تماما أن المسئولين والقائمين على المناهج لم يستوعبوا أبعاد التشريعات الخاصة بالتعليم في مملكة البحرين، وأنهم يتعاملون مع المناهج بنظرة محلية ضيِّقة، إذ مازلتُ أتذكر كتاب «التربية الوطنية» في ثمانينيات القرن الماضي!

لقد تجاوزنا العقبات التي عادة ما تُواجه تدريس حقوق الإنسان في الوطن العربي، فالعقبات السياسية المتمثلة في توجيه المناهج نحو فكر معين، بحجة أن معرفة الأجيال بما لها من حقوق قد يدفعهم للتمرد على السلطة وأجهزتها، فهي تتوجس من التصديق على تدريس حقوق الإنسان في بلدانها، فكأنما بذرت بذرة فنائها بيدها قد تجاوزتها البحرين بموجب الدستور وميثاق العمل الوطني. ومبدأ فصل السلطات الثلاث أضاف فهما جديدا لمقولة «إن تدريس حقوق الإنسان مشروع سياسي ذو رهانات سياسية قبل أن يكون عملية بيداغوجية».

مضافا إلى ذلك فإن العقبات الثقافية التي كانت سائدة في المجتمعات العربية من شيوع الثقافة الذكورية، والنزعة الاستبدادية والتسلط كلها قد ولَّت، فقد تنامى الحديث عن الشراكة المجتمعية في أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وهناك حضور للمرأة في المشهد التعليمي والثقافي والسياسي وما إلى ذلك، كما أن عضوية مملكة البحرين في مجلس حقوق الإنسان، والرغبة الصادقة في تأسيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس، وتنفيذ الالتزامات والتعهدات الطوعية ضمن خطة وطنية طموحة على صعيد حقوق الإنسان، وتأكيد عملية المراجعة الدورية الشاملة لهذا الملف الحيوي كل ذلك يؤكد ضرورة وضع استراتيجية تعليمية تأخذ في الاعتبار هذه المبادرات الوطنية، لأن حقوق الإنسان من المبادئ التي توافقت عليها الأديان، ولأنها فوق مفهوم المواطنة التي نعيشها ونتغنَّى بها، فنحن أحرار بقدر ما نعمل على تنمية الوعي بحقوق الإنسان، لأنك بذلك تقدس في الإنسان إنسانيته.

إن القائمين على السياسة التعليمية مطالبون أكثر من أي وقت مضى بوضع استراتيجية تعزز مفاهيم حقوق الإنسان في البيئة المدرسية على أن ترتكز على مجموعة من التوصيات الآتية:

1 - اهتمام مخططي المناهج التعليمية بتضمين مفاهيم حقوق الإنسان بمحتوى المناهج، بشرط مراعاة تكامل تلك المفاهيم أفقيا ورأسيا، سواء بدمج هذه المفاهيم ضمن موضوعات مقررة، أو بإضافة موضوعات مستقلة تتناول تلك القضايا.

2 - إعداد المعلمين وتزويدهم بمعلومات كافية عن الجوانب العلمية لمفاهيم حقوق الإنسان قبل الخوض في مثل تلك المفاهيم مع طلابهم، ولكي يتأتى ذلك تبرز أهمية عقد دورات تدريبية مكثفة في أساسيات حقوق الإنسان عند إعداد المعلم أثناء الخدمة.

3 - إعداد دليل المعلم ليوضح كيفية تناول مثل هذه المفاهيم، ومناقشة جوانبها وأبعادها، والرد على جمع استفسارات وأسئلة الطلبة المتعلقة بها.

4 - تأكيد الطبيعة المرنة لمفاهيم حقوق الإنسان باعتبارها حديثة، والجدل فيها قد يكون قائما، فمصادر التعلم فيها قد تكون مرتكزة في المجالات الحقوقية والثقافية والمؤتمرات التي تقام بين الفترة والأخرى.

5 - تشكيل فريق عمل من المتخصصين في المناهج في مجال التعليم وحقوق الإنسان لتصميم تلك المناهج لضمان ربط تلك المفاهيم بالمبادئ الأممية السامية، وعرضها بشكل دقيق وشيق، مع مراعاة الأسس النفسية والحقوقية والتربوية عند تصميم تلك المناهج.

6 - إضافة مقرر حقوق الإنسان كمقرر إجباري لجميع المراحل التعليمية، بدءا من المرحلة الابتدائية وانتهاء بالجامعة، بشكل يتناسب مع الجوانب العقلية والنفسية والعمرية.

7 - الاهتمام بالأنشطة التطبيقية وربط المقررات بالحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للطالب، والإشارة إليها ضمن مفردات المقرر لترسيخ بعض المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان، وتنمية قدرة المتعلم على حل القضايا ذات الصلة بحقوقه في المجتمع لكي يكون قادرا على المطالبة بحقه، بحيث تمتد قيمة تلك المفاهيم أسوار المدرسة.

قد يفهم البعض من سياق ما ذُكر أن هناك تعارضا بين المواطنة وحقوق الإنسان، رغم قناعتي بأن المواطنة عبارة عن تكريس لمفاهيم حقوق الإنسان في نسق ضمن الهوية الوطنية، وفي صيغة تشريعات متقدمة تراعي خصوصية المجتمع بما لا يتعارض مع جوهر الحقوق.

هناك قاعدة فقهية معروفة يُطلق عليها «التزاحم»، أي تقديم الأهم على المهم، إذا أدركها المعنيُّون بالعملية التعليمية فعندئذ قد يتحدثون عن حقوق الإنسان قبل المواطنة!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً