العدد 2258 - الإثنين 10 نوفمبر 2008م الموافق 11 ذي القعدة 1429هـ

عندما يكون أطفال إفريقيا مشروع رئاسة

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

وأخيرا رفع أطفال كينيا أيديهم ملوحين بالنصر، وأنهم رجال التغيير القادم، من يتوقع أن يصل الرجل الأسود للبيت الأبيض، بل من يتنبأ أن تكون أرض كينيا السمراء مهبط لرؤساء أميركا الجدد.

هي أميركا عالم ولد من الفوضى، فالأميركيون على حد وصف دانبل بوستن «إنهم انتقاليون ما بين عالم قديم يرفض أن يموت... وعالم جديد لم يولد بعد». فأميركا هي حلم الحجاج البريتايتون الذين عبروا أمواج المحيط الهائج ومعهم الكتب المقدسة واللاهوت لبناء إنجلترا جديدة، وحطوا الرحال على الأرض الجديدة، وبدا أنهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك الحلم التاريخي بالقوة والقهر، ولكي تدوم أميركا على حد تعبير الرئيس السابق بيل كلينتون لا بد لها أن تتغير، فهل أوباما هو التغيير الأميركي القادم؟

عندما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية وفقا «لكل فعل ردة فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه» بدأ العالم يسير نحو النظام، والعلاقة السببية في الأنظمة السياسية، والعلوم الاقتصادية، والحياة الاجتماعية، مكونا بذلك نظاما رتيبا على أساس توافقي وترتيب تصاعدي. لكن ما أن أكتشف اينشتاين الانشطار النووي في منتصف القرن الماضي، بدأت الفوضى تدب، وأصبح كل شيء ممكن حدوثه ما يصح وما لا يصح، وإن السلم التصاعدي أمر يمكن تجاوزه على جميع الأصعدة الحياتية، ومن هذا المنطلق ظهرت أميركا، فالأميركيون صنف جديد من البشر جذوره أنشأت من أجناس عدة مكونا بذلك ظاهرة يوصفها جون شتانيك في كتابه أميركا للأميركيين، المنشور عام 1966م، «أنها فوضى أثنية ظاهرية». هذه الفوضى عززت مفاهيم لم تكن موجودة من قبل، منها النظام الرأسمالي وتعزيز مبدأ المصلحة، اتساع الفجوة بين عالم البذخ والرفاه المادي وعالم الفقر والجهل، انعدام النظام الطبقي الاجتماعي القائم على النسب والأسرة، التحرر الفردي من القيود الدينية والأعراف المجتمعية، السرعة في الإنجاز والتسابق مع الزمن، ظهور المافيا الاقتصادية والسياسية، لكن المفاجأة التي لا تتصور أن ينقلب الأميركيين ويتحرروا بل يتصالحوا مع أنفسهم ويقبل الأبيض بالأسود بعد أن كان مرفوضا دهرا، فهل يؤرخ لأميركا ما قبل أوباما وما بعد أوباما؟

ولد باراك حسين أوباما الثاني في هاواي لأب كيني وأم أميركية بيضاء من ولاية كانساس في 4 أغسطس/ آب العام 1961، وانفصل والداه عندما كان في الثانية من عمره ليعود الأب بعدها إلى كينيا، حينها وفي العام 1964 تحديدا عندما كان أوباما لا يتجاوز الثالثة من عمره ظهرت أولى الروايات السياسية للأديب الكيني واثينجو «لا تبك أيها الطفل» وكأنها على موعد مع التاريخ، إذ كانت أول رواية من شرق أفريقيا تنشر بالإنجليزية، خطى أوباما خطوات متقدمة في بناء الذات وأصبح وفقا للمثل الكيني (ببطء ببطء… تنمو للبيضة أقدام وتصبح قادرة على السير)، فلم يمهله الطريق كثيرا حتى حصل في العام 2004، في انتخابات الكونغرس على مقعد ولاية الينوى بنسبة 70 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين في مقابل 27 في المئة لمنافسه خصمه الجمهوري، ليصبح واحدا من أصغر أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي سنا، وأول سيناتور أسود في تاريخ مجلس الشيوخ الأميركي، ثم أصبح المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2008، وخاض صراعا مع جون ماكين ليحصد الفوز إلى البيت الأبيض محققا السبق للسود بالوصول إلى البيت الأبيض خلفا لبوش ليردد من ورائه الكندييون في نشيدهم المقدس(يا جورج أنت راحل) وهي كناية عن الرجل الأبيض الذي يمثل لدى الإفريقيين صورة لروح الاستغلال والعنصرية وسرقة الأراضي والتجارة بالبشر، وهي جزء من الإرث العاطفي المشحون والذي ظل حيا في النفوس الإفريقية والتي عملت بقوة لترحيله، بل بدأت تغزو أرض البيض بإنسانيتها، ليكون أوباما ترجمة حية لنظرية الغريب المخلص لأميركا، أو ربما تحقيقا للحلم الذي كان يصرخ به مارتن لوثر وسط حشد من جماهيره قائلا: «لدي حلم... لدي حلم» فلمَ انتظر الأميركيون طويلا حتى يأتي التغيير من إفريقيا؟ وهل يصبح أطفال إفريقيا مشروع رئاسة؟

لكن ما يحير بالفعل هو فرح العرب بفوز أوباما، هل لأن ذلك يعطى أملا وبابا للمهاجرين العرب؟ أم أنه يرجع لأصول أوباما الكينية؟ فالمبشرون المسيحيون الذين زاروا كينيا كثيرا ما عبروا في كتاباتهم عن العلاقة المميزة ما بين العرب والأفارقة عامة وكينيا خاصة، إذ كانوا يرددون قولهم المشهور (عندما يزمرون - يقصد العرب - في زنجبار يرقص من على شاطئ بحيرة فيكتوريا - تقع غرب كينيا -) فهل ستلقي نتائج الانتخابات بثقلها على المنطقة؟

لا يراهن أحد على أن السياسة الأميركية المقبلة ستشهد تغيرا مفاجئا، فهناك مؤشرات قوية بأن السياسة الأميركية نحو القضية الفلسطينية لن تتغير فالديمقراطييون والجمهورييون متفقون حول مساندة إسرائيل، لكن تبقى العراق هي القضية المحورية في الشرق الأوسط وهي ورقة الرهان، إذ إن الوجود الإسرائيلي في المنطقة ضرورة أميركية، بينما يبقى احتلال العراق خيار أميركي، وعليه فأن جدولة الخروج من العراق هي المحطة المقبلة وعليه تبقى جميع الأجندات مفتوحة لكن السياسة الأميركية لا تعرف الثبات إذ دأبت على اتباع المثل الأميركي الرائج «الشيطان يكمن في التفاصيل»

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2258 - الإثنين 10 نوفمبر 2008م الموافق 11 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً