العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ

«تعهدات السيداو» بين الأعلى والنسائي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

من يتأمل الحملات الإعلامية الاستباقية التي قام بها الجانب الرسمي لمواجهة الأسئلة المحتملة والمتوقعة التي كانت ستطرحها «لجنة مراقبة السيداو» لتنفيذ بنود اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2008، سيدرك مدى حساسية الموضوع وجديته. ذلك ما كشفت عنه التصريحات الرسمية المتتالية قبيل شد الرحال إلى «جنيف» وأثناء وبعد الانتهاء من رحلة المساءلة والسين والجيم، فضلا عن دراسة التجارب والاطلاع عليها، فما الذي كشفت عنه هذه التصريحات؟

محطات

قبل الإجابة على ذلك، لابد من الوقوف عند عينة من أبرز 6 تصريحات نشرتها صحافتنا المحلية بحسب التواريخ المثبتة في نهاية كل تصريح، وهي:

(1) مصدر رسمي يؤكد أن الانضمام إلى الاتفاقية ما هو إلا التزام للدولة بضرورة النهوض بالمرأة البحرينية ورفع التمييز ضدها كما يرسخ إيمانها باتفاقية «السيداو» التي تحكمها أطر تتمثل في مشروع التحديث السياسي والاجتماعي والتنموي المستند على سيادة القانون... (26/10/2008).

(2) الأعلى للمرأة يعقد مؤتمرا صحافيا يذكر فيه: أن المجلس لم يطلع على التقارير الموازية، بيد أن هناك مؤشرات تبين من طرفه توافق هذه التقارير مع التقرير الرسمي. أكد على أن إعداد التقرير الرسمي كان من قبل جهة محايدة تشكلت من فريق عمل وطني (28 جهة من المؤسسات الرسمية والأهلية)، وأن دور المجلس لم يكن إلا دورا إشرافيا من دون التدخل في مضمون التقرير. إضافة إلى أن تحفظات الدولة ما هي إلا بسبب علاقة التحفظات بمبدأ سيادتها ولأن الدستور البحريني ينهج الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع... (27 أكتوبر 2008 العدد 2243).

(3) الوفد الرسمي من «جنيف» يصرح: بأنه تم القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكاله عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم، وتنقيح كتب الدراسة وتكييف أساليب التعليم كما أن المرأة تمنح نفس الفرص للاستفادة من المنح التعليمية وبرامج التعليم المتواصل نفسها، كما تم خفض معدلات التسرب من المدرسة بين الطالبات... (31 أكتوبر2008).

(4) مصدر رسمي آخر يشير إلى أن الجهات الرسمية في الدولة والمجتمع ملتزمة بالتعهدات الدولية المتعلقة بتمكين المرأة ولا يتم استخدام ذلك كورقة سياسية... (2نوفمبر/ تشرين الثاني 2008).

(5) الوفد الرسمي بعد أن حقق انتصاراته على الوفد الأهلي وتنفس الصعداء وأزاح العبء عن كاهله، بعث ببرقيات التهنئة والتبريكات للقيادة السياسية عبر فيها عن خالص عرفانه لما حققته المملكة لصالح البحرينيات في مختلف المجالات، كذلك على الثقة التي حصل عليها من أجل تحمل المسئولية الوطنية. رئيسا مجلسي النواب والشورى من طرفهما فعلا الشيء ذاته بمناسبة نجاح وانتصار وفد «السيداو الرسمي» على الوفد الأهلي أثناء مهمة عرض ومناقشة التقرير أمام اللجنة الأممية المختصة... (4نوفمبر 2008).

(6) مؤتمر صحافي آخر عقده «الأعلى» بعد «جنيف» صرح فيه: عن نيته متابعة توصيات لجنة المراقبة، إذ سيتم التوافق بينه وبين السلطات التنفيذية والتشريعية والدستورية ومؤسسات المجتمع المدني على آليات وتدابير تنفيذ هذه التوصيات. في السياق، شدد على أن حديث الوفد الرسمي كان حديثا عن مساع لدراسة إمكانية الانضمام للبرتوكول نافيا أنه تعهد بالانضمام إلى البرتوكول الاختياري، أما بشأن تحديد موعد لإصدار قانون للأحوال الشخصية فهو - أي المجلس الأعلى للمرأة - بحسب المصدر نفسه في المؤتمر، ليس مسئولا عن ذلك وتنحصر مهمته في القيام بحملة للدفع بضرورة تنظيم القانون، وربما يعرض مشروع القانون في دور الانعقاد الحالي للبرلمان، إذ إنه سيتابع مساعيه لإنجاز إصدار القانون، كما نفى أن يكون الوفد الرسمي «تعهد»، فهو فقط «وعد» والوعد غير العهد، وكل ما هنالك هو «مجرد توجهات وتطلعات» تسعى المملكة بجميع مؤسساتها الدستورية والمدنية إلى تحقيقها فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه البحرينيات، فالهدف من مناقشة التقرير في ختام المطاف أمام اللجنة ومن زاويته، ليس لتقديم «التعهدات»، إنما بغرض الاطلاع على التقدم المحرز في مجال تمكين المرأة في الدول الأعضاء، وبالتالي بيان الواقع الفعلي والتحديات واقتراح التدابير، كما تم في المؤتمر تكرار التأكيد على أن دستور البحرين لا يمكن تضمينه تدابير مؤقتة فهو في الأصل ينص على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين... (6 نوفمبر 2008).

تعهدات أم وعود وتطلعات؟!

لماذا تذكّر التصريحات أعلاه؟ بالطبع، لأن ثمة ما تنطوي عليه من حقائق ومؤشرات متباينة في مضامينها وما تفرضه من تساؤلات، أهمها ما يلي:

- هل تعكس هذه التصريحات إرادة جادة في عملية الإصلاح السياسي وبالتالي بموقع البحرينيات ودورهن في هذه العملية عامة؟

- هل من الصحيح أن الجانب الرسمي لم يطلع من فوق أو تحت الطاولة على التقارير الموازية إن لم يساهم في التأثير على أحدهما؟ (تقرير حركة احترام الوليدة من طلع جمعية مراقبة حقوق الإنسان)، نموذجا، إذ جاء متطابقا في الشكل والمضمون لتوجهات التقرير الرسمي؟!

- أيجوز لمن يتوافر على النية الصادقة للتغيير ويسعى لتنفيذ توصيات اللجنة الأممية، أن يشمر عن ساعديه ويزجر وينزل بثقله للميدان لكي يفند ما تردد من قول بأنه - أي الوفد الرسمي - قد «وعد ولم يتعهد»، لكي يزج بنا في الانشغال والاشتغال بلعبة الكلمات المتقاطعة بين (تعهد من عهد والتزم، أو وعد بالشيء ولم يلتزم أو توجه وتطلع وسعي وما إلى ذلك)، فضلا عن مطالبة الاتحاد النسائي البحريني والجمعيات الأهلية بتجاوز حالة توصيف التحديات التي تواجه عملية النهوض بالمرأة والانتقال إلى مرحلة وضع الحلول، وكأن الطرف الأهلي «دولة» تتوافر على الإمكانيات المادية والمؤسساتية التي تسعفها لتأدية ما يستوجب على الجانب الرسمي القيام به.

- أمن الجدية نفي تحمل أية مسئولية «لغياب قانون للأحوال الشخصية وتجريم العنف والتمييز والجنسية وغيره» وتراجع تمكين النساء السياسي، وتعليق أمر ذلك على شماعة السلطة التشريعية المنقوصة الصلاحيات ورجال الدين المتشددين فقط؟

- ثم ماذا عن القول بالقضاء على أي مفهوم نمطي لدور الرجل ودور المرأة في التعليم والتشجيع على التعليم المختلط، وتنقيح كتب الدراسة وتكييف أساليب التعليم... إلخ، كيف تم كل ذلك ومتى؟

امتحان صعب!

المسألة إذن، حساسة للغاية، لكن ثمة ما هو أكثر من ذلك، لاسيما وأن الطرف الرسمي غادر إلى «جنيف» وكأنه يحضر لأداء امتحان شديد الصعوبة، إذ قام منذ ما يقارب 4 سنوات مضت وحتى حينه، بدراسة دقيقة لكل شاردة وواردة للظروف والملابسات وتوزيع الأدوار والمهمات، وعمل جاهدا على سد الثغرات هنا وهناك، وتلميع وتزيين وتزييت لبعض الآليات من أجل إثبات أن للبحرين منجزات نوعية للنهوض بالمرأة وهذه المنجزات لابد أن تثمن وتقدر من قبل المنظمات الدولية، إلا أنه لم يوضح في سياق حملاته الإعلامية المكثفة إلى أي مدى عمل وزراؤه أو أعضاؤه المعيّنون في مجلس الشورى مثلا ببذل الجهد والتقدم بمشروع لسَنّ قانون للأحوال الشخصية منذ 2003 وحتى حينه، ولماذا لم يعدل في بنود قانون الانتخاب ويضمنّه «آليات للتمثيل النسبي أو لكوتا نسائية»، عدا عن حجم الأكلاف التي تكبدها المال العام لإعداد التقرير الرسمي من قبل الخبراء والمختصين الحياديين، - بالمناسبة هل فعلا كانوا حياديين؟- وخصوصا وقد عايشنا تجربة اللجنة الأهلية المشتركة لإعداد التقرير والتي تكبدت الكثير من التكاليف والمعاناة لإعداد تقريرها على رغم الإمكانيات المادية الشحيحة، ولو لا رأفة المنظمات الدولية وتمويلها ومبادرة بعض الجمعيات النسائية والاتحاد وخصوصا الجهود التطوعية المبذولة من عضوات اللجنة الأهلية في إعداد التقرير، لما تمكن الجانب الأهلي من تأدية مهمته الوطنية.

الآن وبعد صدور التوصيات عن «اللجنة الأممية لمراقبة السيداو»، وهي التي (توجه، وتطلع، ووعد) الوفد الرسمي بتحقيقها قبل صدورها وبالتعاون مع مؤسسات الدولة وبما لا يتعارض مع الشريعة والدستور بعد أن أُمطر بأسئلة مكثفة واستفسارات، يبقى الحمل الملقى على كاهل جميع الأطراف ثقيلا سواء على المدى المنظور سنتين أو 5 سنوات، وخصوصا أن ذلك يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية وعمل جاد وإيمان بضرورة تشريع قانون للأحوال الشخصية وآخر يجرم العنف ويعدل قانون العقوبات ويسن قانونا للجنسية تستطيع من خلاله المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي أن تمنح أبناءها وزوجها الجنسية البحرينية من دون أية وصاية من هذا الوزير أو مزاجية من ذاك المسئول أو قضاة المحاكم الشرعية. يعني قوانين حقيقية تولد من رحم دولة القانون

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً