العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ

تهافت التهافت

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

ليس غريبا أن تحتفي كينيا وسكان قرية كوغيلو غرب البلاد بفوز ابنهم باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية الأميركية ويصبح زعيما لأقوى دولة على وجه الأرض، فالرئيس المنتخب مقر بأصوله الإفريقية الكينية حيث موطن أبيه حسين الذي وافته المنية هناك بعد عودته من الولايات المتحدة في الثمانينيات. وقد زار أوباما كينيا مرتين على الأقل في العام 1987 بعد وفاة والده مباشرة، وفي العام 2006 حيث استقبل بحفاوة من قبل الحشود القبائلية في القرية التي بنى فيها مدرسة تحمل اسمه.

كما ليس غريبا أن يحتفي سكان مدينة أوباما اليابانية بفوز المرشح الديمقراطي لرئاسة أكبر دولة في العالم من دون أن يتبنوه، حيث أطلقت هذه المدينة الساحلية التي يبلغ عدد سكانها 34 ألف نسمة، الأهازيج لاشتراكها مع الرئيس الأميركي في اللقب، ولذلك لفتت الأنظار إليها وحصلت على بعض المزايا السياحية من هذه الشهرة.

ولكن العجيب في الأمر أن تعد قبيلة عربية فلسطينية نفسها لإرسال وفد رسمي لتهنئة الرئيس الأميركي الجديد على المنصب ودخول البيت الأبيض، ولكي تثبت له بالأدلة والأوراق الثبوتية والبراهين والصور أنه ينتمي إليها عرقيا. وكان شيخ هذه القبيلة، التي يزيد عدد أفرادها 8 آلاف شخص وتقطن منطقة الجليل، قد بعثت برسالة تهنئة بعيد فوز أوباما ضمنها خطابا يبين صلة النسب. وكانت والدة الشيخ المدعو عبدالرحمن عبدالله من تعرّف على سيناتور الينوي السابق أثناء الحملة الانتخابية، وذكّرت ابنها وشيوخ القبيلة أن أوباما يشبه كثيرا مهاجرا إفريقيّا قد قدم ليعمل في فلسطين الانتداب خلال الثلاثينيات. ولأن العادة جرت أن يتزوج المهاجرون لفترات قصيرة ثم يعودون من حيث أتوا فقد امتزج الدم الإفريقي بالدم العربي البدوي الفلسطيني. وهكذا تمنى الشيخ عبدالله أن يتمكن قريبه أوباما من إنهاء حالة الحرب في الشرق الأوسط وأن يتمكن من حل مشكلة البدو في «إسرائيل» وبالتحديد مشكلة قرية الغجر المقسمة على حدود فلسطين المحتلة ولبنان.

بيد أن منتهى التهافت هو الاحتفال الذي أقامته الحركة الشعبية لتحرير السودان (المتمردة سابقا والحاكمة حاليّا لجنوب السودان) بفوز أوباما وأنه ينتمي إلى قبيلة من جنوب السودان نزحت في الماضي إلى غرب كينيا. لقد جاء الاحتفال متأخرا للغاية ولم تأتِ فكرته شعبيّا أي من تلك القبيلة السودانية النيلية التي تسمى «الليو» بل جاءت من كبار السياسيين في هذه الحركة. ورغم أن أوباما نفسه اعترف في كتاب يحكي فيه عن سيرته وأبيه تحت عنوان «أحلام من أبي» أن جذوره سودانية إلا أن السودان يضم نحو 752 قبيلة يتكلمون 114 لغة ولذلك من الصعوبة بمكان أن تحدد الحركة الشعبية قبيلة الرئيس الأميركي الجديد في هذا البلد.

لكن يبدو أن الرسالة من الاحتفال الكبير الذي أقيم في وسط الخرطوم كانت سياسية بحتة ونكاية في أهل الشمال أو بالأحرى شركاء الحكم من حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه عمر البشير.

كان الاحتفال رائعا في الواقع حيث حمل الكثيرون لافتات مكتوب عليها «سودان جديد ...نعم نستطيع»، وهي رسالة دمجت شعار الحركة الشعبية لتحرير السودان مع دعوة أوباما للتغيير وحشد الجماهير. وجاء في بيان بمناسبة الاحتفال بيوم أوباما في السودان «أن اختيار أوباما يمثل لحظة مصالحة إنسانية نادرة أتت والسودان أحوج ما يكون للمصالحة مع الذات والعبور إلى إرساء حقوق المواطنة المتساوية واحترام التنوع والتعدد».

وقالت الحركة الشعبية السودانية الحاكمة لجنوب البلاد، والتي خاضت حربا عنصرية لأكثر من 20 عاما أبادت فيها كل ما هو إسلامي وعربي حيث شرب أفرادها آنذاك الخمر في المساجد، إن فوز أوباما «يعطي رسالة لمجتمعنا بأن السودان يستطيع عمل الشيء نفسه وأنه يستطيع الاعتراف بتنوعه».

لقد نسي جنوبيو السودان أنهم الآن يمارسون التمييز العنصري في أبشع صوره في الإقليم حيث يضطهدون مواطنيهم المسلمين ويمنعون حجاب الفتيات وينكلون بكل ما هو عربي من شمال البلاد... ويعدون لانفصال الجنوب ليكون دولة مستقلة في العام 2011 حينما يجرى الاستفتاء، إذ هيأوا المنطقة لذلك بالتوجه نحو دول الجوار مثل يوغندا وكينيا... وحتى نظام التعليم الذي تترسخ المواطنة من خلاله ربطوه بالمناهج اليوغندية... فكيف يتشدقون بالوحدة وإرساء حقوق المواطنة بفوز أوباما.

في الواقع جاء احتفال الجنوبيين السودانيين بفوز أوباما من منطلق تدشين حملة انتخابية حيث تنظم الانتخابات الرئاسية العام المقبل وينافس فيها زعيمهم سلفاكير،البشير وآخرين. ولكن حتى إذا سمح الدستور أن يصبح أي مواطن من الجنوب أو الغرب أو الشرق أو الشمال رئيسا للجمهورية إذا حصل على غالبية في عدد من الولايات، إلا أن حلم الحركة الشعبية بأن يصبح سلفا كير، أوباما القارة السمراء مستبعد وذلك بعد أن رسخت الحركة النهج الشمولي بكل معانيه ومع ذلك ربما تجني بعض الثمار من تهافتها نحو تبني أوباما الأصلي عرقيّا من خلال تعاطف الأخير وتأييده لفرض مزيد من الضغوط والعقوبات الأميركية على شمال السودان والتطبيع ورفع الحصار عن الجنوب تكريسا لتمزيغ البلاد وإذلال العباد

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً