العدد 2285 - الأحد 07 ديسمبر 2008م الموافق 08 ذي الحجة 1429هـ

احتفالية قوافل الحجيج

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

غادر الحجاج إلى البيت الحرام، بجموع لا تُعَدُّ ولا تُحصى، تطوف وتَسعى، ملبية نداء خالقها «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» سورة (الحج : 27) هذا المشروع الإلهي الذي يعيد فيه الحاج بصورة رمزية رحلة نبينا إبراهيم عليه السلام، إذ خرج الحجاج من أوطانهم كما خرج إبراهيم من العراق إلى الحجاز، طافوا بالبيت كما طاف هو، سعوا بين الصفا والمروة كما هرولت هاجر بحثا عن الماء، ينحرون الأضاحي ويرمون الأحجار بمنى اقتداء بإبراهيم، مرددين بروح إيمانية لبيك اللهم لبيك.

هذه الرحلة الإيمانية ما انقطعت تحت ظلال الشراع في البحر وعلى ظهور الإبل في البر، كانت قوافل الحجاج وما تعتريها من صعوبات ومشاق كبيرة في طريقها هي محل اهتمام الدولة الإسلامية طيلة عصورها وباختلاف خلفائها،إذ يتم تسيير القوافل الضخمة بصحبة زعامات دينية وسياسية وبصورة احتفالية تستعد لها الدولة الإسلامية بشهور قبل انطلاق ركب الحجاج، وكانت هناك طرق رئيسة إلى مكة المكرمة قد عرفت وذاع صيتها، وتناولها الجغرافيون المسلمون بالوصف والشروح الطويلة نظرا لقداستها وأهميتها، فهناك طريقان لقوافل حجاج العراق أحدهما من البصرة، والآخر من الكوفة وهو الطريق الذي نسب إلى زبيدة بنت جعفر زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، أما الطريق المصري فيمر به أهالي مصر وأهالي المغرب والأندلس وسائر الأقطار الإفريقية، كما تمر قوافل حجاج اليمن من ثلاث طرق أساسية، أما الشام فلها طريق واحد يقطعه موكب واحد وهو الموكب السلطاني الذي يخرج باحتفالية مميزة، فقبل انطلاق القافلة بثلاثة أشهر يقوم والي دمشق وهو أمير الحج بجولة تعرف بـ «الدورة» على المناطق المجاورة لجمع الأموال لتجهيز قافلة الحج، كما يتسلم أموال من سلطانية اسطنبول ليتم توزيعها على أشراف الديار المقدسة، وعلى القبائل العربية المنتشرة على الطريق الصحراوي المؤدي إلى مكة بغية تجنب اعتراضهم للقافلة. في شهر رمضان تصل إلى دمشق مجموعات الحجاج المختلفة حاملة أسماء مناطقها، إذ تسمى مجموعة حجاج حلب بالحج الحلبي، ومن بلاد فارس يفد الحج العجمي، بينما يفد الحج الرومي من مناطق ما وراء جبال طوروس حاملا معه أفضل بضائع بلاده. تتجمع تلك القوافل في الثالث من شهر شوال عند الجامع الأموي في دمشق، إذ تنصب راية الحج تحت قبة النسر في الجامع إشعارا لانطلاق موكب الحج، تتحد القوافل في موكب واحد يعرف بالموكب الشامي الذي يخرج في موكب رسمي من دار الحكومة في اليوم الخامس من شهر شوال باحتفال رسمي، ويأتي في مقدمة الموكب المحمل الشريف المشغول من نفائس القماش المخملي والمطرز بالخيوط الذهبية في دار الطراز السلطانية باسطنبول محمولا على ظهر جمل يقوده أمير الحج، كما تظهر راية الحج محمولة على ظهر جمل آخر، ويرافق الموكب كبار رجالات السلطة والحامية ووجهاء المدينة وفرق الموسيقى الرسمية وأهالي جميع أحياء دمشق تبركا وابتهاجا بالحجاج، وتمر القافلة في الطريق الرئيسي القديم في حي الميدان في طريقها إلى الحج.

لم يكن الطريق آمنا، إذ بلغ من أخطار الطريق إلى مكة أن تعذر على الخلافة العباسية تسيير القافلة السلطانية من العراق إلى مكة مدة 24 سنة متتالية (431 - 455هـ) ولم يستطع الشاميون والمصريون الحج إلى مكة لفترة طويلة، حتى قيل إن الخلفاء الفاطميون بمصر وخلفاء بني أمية بالأندلس لم يحج أحد منهم قط، وذلك خشية أن ينالهم انتقام معارضيهم وأعدائهم، وهذا ما حصل في حج عام 1700 / 1701م عندما تم إبادة قافلة الركب الشامي كاملة في عهد الدولة العثمانية، لذلك كان الخوف مقترنا بتلك الرحلة، ونظرا لذلك تأتي احتفالية عودة الحجاج لتأخذ شكلا أكبر من المراسيم، وكان أهالي الحجاج في البيوت يتابعون رحلة ذويهم عن بعد، ويحكون لأطفالهم تتبع الرحلة، ففي البحث بين سطور التاريخ عن بعض مظاهر رحلة الحجاج لدى الفلسطينيين قديما، تجدهم أكثر الناس تتبعا لمسيرة الحجاج، فعند الخروج إلى الصحراء تقول أهازيجهم (فاطمة يا بوي أضوي العلية... حجاج أبوك لفوا في البرية) وعند الوصول إلى الحرمين تجدهم يرددون (سيارتي سواقها الشاطر حسين... وتفلت بحمولها بالحارمين) أما في استقبال الحجاج العائدين فيقولون (زينوا دارنا حنة ونكشه... ع الرمل تمشي ما أحلاك يا حجة).

هنا لدينا تراث ضخم لا يختلف عن الآخرين، إذ الناس تحتفل بتوديع الحجاج كما في استقبالهم لكن الأخير يأخذ طابع أكثر بهجة، فعند العودة يخرج أهالي الحي لاستقبال الحجاج مرددين (ردوا الحجاج وتمدينو - أي زيارة المدينة المنورة - ردك الله يا قمر بيتنا) كما يعلق على جدار البيت علم لإعلام الناس بعودة الحاج، بل وصلت إلى أن بعض العاب الأطفال قورنت بعودة الحجاج، فلعبة الخبصة التي تلعبها البنات تكثر في أيام رجوع الحجاج من الحج و ذلك لكثرة حصول الفتيات على القلادات - المراري- المصنوعة من الخرز، كهدايا من الحجاج، والتي تخلط بالتراب ومن تحصد على المزيد من الخرز هي من تقود حركة الخبص وتوزيع التراب بينما الخاسرة من تحصل على أقل الخرز وتكون خارج المنافسة.

نحتاج إلى كتابة تاريخ رحلات الحج البحرينية وكيف كانت؟، وما هي العادات المصاحبة لذلك التوديع أو الاستقبال، إذ مازالت ذكرى فرضة المنامة في مخيلة الكثيرين ولم تمت بعد، إنه تاريخ وتراث شعب يرفض أن يموت

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2285 - الأحد 07 ديسمبر 2008م الموافق 08 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً