العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ

أموال التقاعد: أمانة عامة بحاجة إلى مزيد من الشفافية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الضجة التي تصاعدت حديثا عن إفلاس أو عدم إفلاس الهيئة العامة لصندوق التقاعد (للعاملين في الحكومة وتقدر موجوداتها بـ 900 مليون دينار) وهيئة التأمينات الاجتماعية (للعاملين في القطاع الخاص، وتقدر موجوداتها بـ 700 مليون دينار) طرحت موضوعات مهمة وعالقة منذ فترة طويلة. وأهم تلك القضايا انخفاض نسبة الاشتراكات في الوقت الذي تزداد فيه مصروفات الصندوقين مع ازدياد عدد المتقاعدين. ويزيد من سوء ذلك عدم ازدياد مستوى الدخل لدى أكثرية المواطنين، ما يعني عدم إمكان الصندوقين الاستمرار لفترة مستقبلية (في حدود 2023) دفع مستحقات التقاعد للمواطنين، إذ ستتساوى المصروفات مع الإيرادات.

ولذلك فقد حذر مدير عام التأمينات الاجتماعية الشيخ عيسى بن إبراهيم آل خليفة من الإفلاس بعد فترة، مشيرا إلى أن التأمينات في حال موت بطيء. أما رئيس مجلس إدارة الصندوق (وهو وزير المالية عبدالله حسن سيف) ومدير عام صندوق التقاعد راشد المير فقد أشارا إلى أن الوضع غير خطير والأمور تسير بصورة مستقرة.

ولاشك في أن مثل هذه التصريحات المتناقضة قد أثارت لدى المواطنين الكثير من الأسئلة العالقة، وهي جميعها تستحق الطرح العلني والنقاش. ذلك لأن أموال التقاعد ليست كأي أموال أخرى.

فأموال التقاعد في أي مكان في العالم تعتبر من أهم مصادر الاستثمار، لأنها أغنى بكثير من أي شخص آخر... هذا طبعا إذا أُحسنت إدارة الأموال.

«أموال التقاعد» تقع في حيزين «أموال الدولة» و«الأموال الخاصة»... وهي ليست سوقا حرة، كما أنها ليست اشتراكية.

أموال التقاعد هي أموال مشتركة (من دون أن تكون اشتراكية) لمواطنين يعيشون اليوم، تؤخذ منهم وتدفع لأناس يتقاعدون هذه الأيام، على أمل أن تأتي الأجيال اللاحقة لتدفع مستحقات من يدفع أموالها في هذه الفترة. ولو أفلست الهيئات التقاعدية فإن المتضرر الأساسي هو الذي يدفع اليوم لأن ما دفعه لن يحصل عليه. كما أن المتقاعد الذي سيتوقف عنه المال كان قد دفع استحقاقاته في الماضي ولذلك فإن عدم دفع المال إليه يعتبر ظلما لما دفعه في الماضي.

يعتمد نظام التقاعد في عدد من الدول المتقدمة على ثلاثة أعمدة. فهناك ما يدفع للمواطنين تحت عنوان «مساندة الدخل» (INCOME SUPPORT)، وهذا يدفع فقط للذين يحتاجون إلى المال، لأن دخلهم منخفض أو انه ليس لديهم أي دخل. وهذا يدخل ضمن نظام التقاعد على رغم ان قلة الدخل تطول الناس من أعمار مختلفة.

ثم هناك «نظام الزامي للتقاعد» يعتمد على العاملين الذين يدفعون جزءا مما يحصلون عليه على أمل استرجاعه بعد تقاعدهم.

وبعد ذلك هناك «نظام إدخار تطوعي» يدفعه المواطن كزيادة على ما يدفعه للنظام الإلزامي، ويحصل على رخصة بعد دفع ضرائب على هذا الجزء، ويحصل على ما يدفعه، سواء كان قليلا أو كثيرا، بعد تقاعده.

على أن مثل هذا النظام يحتاج إلى دخل مستمر يستطيع تجديد المال المدفوع باستمرار، بينما يتم صرف جزء منه على المتقاعدين حاليا أو المحتاجين للمساندة. وهذا يعني أن الذين يملكون المال ويستطيعون تحديد سياسة الدفع، هم الذين يدفعون للصندوق. وبالتالي فإن صناديق التقاعد تخضع للشفافية والمحاسبة. وكجزء أساسي للمحاسبة والشفافية فإن صناديق التقاعد يتوجب عليها نشر تقاريرها لجميع من يدفع جزءا من معاشه وجميع من يستفيد من أموال التقاعد. وهذه التقارير توضح قيمة الموجودات والديون المستحقة ومقدار ما يحصل عليه الدافع بعد أن يتوازن الدخل مع الصرف، ويزيد الدخل على الصرف.

وتتطلب الشفافية أن يكون كل صندوق تقاعد قائما على أساس واضح في الإدارة وأساس واضح في سياسة توجيه الاستثمارات والجهات التي تستفيد من حجم تلك الاستثمارات.

إن صندوق التقاعد يشبه الطائرة. فالراكب يدفع التذكرة ويركب الطائرة وهو مطمئن بأن هناك قيادة مدربة للطائرة وأن هناك خدمات. ولكن تصور لو أن شخصا ما ركب الطائرة وبعد مسافة من الطريق اكتشف أن طاقم الطائرة قد اختفى وأن الوقود قد انتهى... فالشعور الذي ينتاب الراكب هو ذاته الشعور الذي ينتاب الشخص الذي دفع أمواله في صندوق التقاعد، وإذا به يخبر بأن ذلك الصندوق سيفلس أو انه على حافة الإفلاس.

وهذا كله يدفعنا إلى الدعوة لاعتماد مبادئ جديدة وواضحة لإدارة الصندوقين. ويجب أن تكون هذه البرامج معتمدة على مبادئ الشفافية والمحاسبة وملتزمة بالضوابط الدولية. وسيجد مديرو التقاعد ان العاملين في الحكومة أو القطاع الخاص يتجاوبون معهم لحل الأزمة. فالأزمة ليست جديدة بل ان الحديث عنها متكرر منذ فترة. ولذلك فإن القائمين على «التأمينات» مشكورون لأنهم أفصحوا عما يدور في دوائرهم الخاصة. ولقد كنا ومازلنا نطالب بألا تكون دوائر خاصة لأن الأموال التي يديرونها، والأموال التي يديرها صندوق التقاعد ليست أموالا خاصة، وليست أموال دولة. إنها أموال الذين يعملون ويكدحون أو الذين عملوا وكدحوا، ولهم الحق في معرفة تفاصيل الأمور عبر إطلاع المحترفين وأجهزة الرقابة المعتمدة على ما يجري، وبالتالي طرح الحلول. والحلول موجودة لأن لدينا عشرين عاما قبل أن تنتهي الأموال

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً