العدد 2307 - الإثنين 29 ديسمبر 2008م الموافق 01 محرم 1430هـ

يا أطفال العالم انتخبوا!

نادر كاظم comments [at] alwasatnews.com

.

يعطي حرمان كل أطفال العالم من حق مباشرة حقوقهم السياسية الانطباع بأنه حالة طبيعية، وأنه لا يعدّ تمييزا ضدهم، كما أنه لا يخّل بمبدأ المعاملة المتساوية أمام قانون موحّد. والحال أن كل أنواع التمييزات العمومية في تاريخ البشرية إنما ارتكزت على هذا النوع من التبرير الذي يَقرِن، عادة، بين عمومية التمييز وطبيعيته. وقد جرى، في هذا التاريخ، تطبيع استعباد السود وتبرير استرقاقهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية بحجة أنه حالة عامة، كما جرى إخضاع النساء ومعاملتهم بدونية بحجة أنه حالة طبيعية. ووفق هذا المنطق تصبح كل حالة عامة تعبيرا عن حالة طبيعية، فمادامت معظم الثقافات تنظر إلى السود والنساء بدونية، فهذا مبرر كافٍ لاعتبار دونية هؤلاء حالة طبيعية. لا يجرؤ اليوم أحد على التفكير وفق هذا المنطق فيما يتعلق بحقوق السود والنساء. إلا أن معظم أنظمة الانتخاب في العالم لا تتورع عن استخدام هذا المنطق في تبرير حرمان الأطفال من حقوقهم السياسية.

هناك من يبرر هذا الحرمان وفق معادلة الحقوق والمسئولية، فالحقوق منوطة بالإحساس بالمسئولية وبقدرة صاحب الحق على تحمّل مسئولية اختياره، فمن يحق له التصويت عليه أن يتحمل مسئولية تصويته، ومن يحق له الترشيح عليه أن يتحمّل مسئولية ترشيحه. وهذا الإحساس منعدم لدى الطفل الرضيع، ولهذا يسقط عنه هذا الحق. ومن جهة أخرى، هناك من يتعامل مع الحق على أنه مكافأة يستحقها من يلتزم بواجباته القانونية تجاه الدولة كدفع الضرائب والخدمة العسكرية. ومع رجاحة هذا التبرير إلا أن الإشكال لا ينتهي عند هذا الحد، والسبب أن الطفل الرضيع ليس وحده من ينعدم لديه حس المسئولية ويعجز عن تحمّل واجباته القانونية؟ هناك فئات أخرى من المواطنين تفتقد حسّ المسئولية وتعجز عن تحمّل واجباتها تجاه الدولة، ومع ذلك لا يحرمها القانون من مباشرة حقوقها السياسية، أليس «المجنون» والكهل الخرِف يفتقدان هذا الحس بالمسئولية تماما كما الطفل الرضيع؟ فلماذا، إذن، لا تشترط قوانين الدول فيمن يباشر حقوقه السياسية أن يكون في كامل قواه العقلية تماما كما تشترط عمرا محددا لمن يحق له التصويت والترشيح؟ والحق أن الدولة لو أقرت مثل هذا الشرط في القانون فإن العيادات النفسية والعقلية ستكون الجهة الوحيدة المستفيدة من ذلك؛ والسبب أن هذه العيادات ستُكلف بمنح كل مصوّت ومترشح شهادة تبين فيها حالته العقلية! وأتصور أن هذا المطلب لا يخلو من وجاهة، لأن مستقبل التشريع سيكون في خطر في حال فاز مجموعة من «المجانين» والمصابين بالخرف بمقاعد في البرلمان، وإذا ما ابتسم الحظ لهؤلاء ومثّلوا أغلبية في البرلمان، فإن علينا أن نتوقع اضطرابا هائلا في عمليتي التشريع والرقابة؛ لا لأن هؤلاء سيتآمرون على سنّ تشريعات تمارس التمييز ضد العقلاء، ولا لأنهم سيتواطأون على إنشاء لجان تحقيق ضد كل جهة تمارس التمييز ضد «المجانين» والمصابين بالخرف، بل لأن هذه الأغلبية لن تتمكن من الاتفاق - فضلا عن التواطؤ أو التآمر اللذين يتطلبان مهارات عقلية متقدمة يفتقدها هؤلاء - فيما بينهم على افتتاح جلسة التشريع فضلا عن سن التشريعات وإقرار لجان التحقيق! لا شك أن هذا كله احتمال افتراضي، إلا أن هذا الاحتمال لو تحقق فإن خطورة هذه الفئة على التشريع والرقابة لا تقل عن خطورة أولئك الأطفال فيما لو تمكنوا من الفوز بغالبية هذه المقاعد!

لقائل أن يستبعد هذا الاحتمال لأن العقلاء الراشدين لن ينتخبوا هؤلاء «المجانين» والكهول المصابين بالخرف، ولهذا لن يتمكن هؤلاء من الوصول إلى مقاعد البرلمان، إلا أن هذا القول ينسحب على الأطفال كذلك، فكان الأولى بنا أن نثق بالعقلاء الراشدين، وبأنهم لن يسمحوا بوصول الأطفال إلى قبة البرلمان لأنهم لن يجازفوا بانتخابهم. ثم ليس هناك ما يثبت أن الأطفال سيشكلون كتلة انتخابية متماسكة ومتعصبة من أجل انتخاب نظرائهم الأطفال، فإذا كانت المرأة لا تنتخب نظيرتها المرأة، فكيف نفترض أن الأطفال سينتخبون أطفالا مثلهم؟ لقائل آخر أن يقول بأن الطفل عاجز بطبعه عن التصويت والترشيح، ولهذا فإن حرمانه من هذا الحق لا يعد تمييزا ضده، إلا أن الحال هو نفسه مع العجزة المصابين بالخرف، فهؤلاء ربما كانوا عاجزين ويتعذر عليهم الحركة المطلوبة لممارسة هذه الحقوق. ثم إذا صحّ هذا القول على الأطفال الرضع، فإنه لا يصح على الأطفال المميّزين والقادرين بطبعهم على الحركة، فإذا كان القانون يشترط أن يكون عمر المصوّت 20 عاما، وعمر المترشح 35 عاما، فما الغاية المرجوة من حرمان أبناء الـ19 عاما من ممارسة حق التصويت، وأبناء الـ34 من ممارسة حق الترشيح؟ كل الحجج، إذن، التي يمكن الإتيان بها لتبرير حرمان الأطفال من ممارسة حقوقهم السياسية يمكن دفعها بمثال «المجنون» والكهل المصاب بالخرف، ومع ذلك فإن الثابت أن قوانين التصويت والانتخاب تشترط عمرا محددا، ولا تشترك سلامة الحالة العقلية للمواطن! أليس هذا تمييزا وظلما، وإذا كان الأطفال الرضع عاجزين بطبعهم عن المطالبة بهذا الحق، فإن الأطفال المميزين قادرون على هذه المطالبة، إلا أن هذه القدرة على المطالبة لا تشفع لهم من أجل نيل حقوقهم المتساوية كمواطنين كاملي المواطنة.

ينتقد ريشارد فارسون، وهو عالم نفس أميركي ومن روّاد «حركة تحرر الأطفال» Children>s Liberation Movement، التمييز «العظيم» الذي يمارس ضد الأطفال، والذي «يرتكز على جذور عميقة جدا» (The Rights of the Child, p.137). وهو يذهب إلى القول إنه تمييز لا يقلّ فداحة وضخامة عن أشكال التمييز التي مورست ضد السود والنساء في التاريخ. ويلاحظ فارسون أن «80 مليون مواطن في الولايات المتحدة الأميركية لا يملكون حقوقهم الأساسية في المواطنة الديموقراطية، وحق المشاركة في العملية السياسية لا لسبب سوى أنهم أطفال» (p.136). ويجادل فارسون بأن للأطفال الحق في تقرير كل ما يخصهم ويعنيهم من شئون حياتهم تماما مثل البالغين، لأن «ما هو جيد للبالغين، كما يقول فارسون، جيد للأطفال». والأهم من هذا، فقد ثبت أن السياسيين لا يأخذون حاجات المواطنين بعين الاعتبار إلا إذا كانوا جزءا من كتلة انتخابية. وحرمان الأطفال من حق التصويت يعني أن حاجاتهم لن تحظى بالانتباه الضروري من السياسيين لا لشيء سوى أنهم ليسوا جزءا من أي كتلة انتخابية؛ ولهذا يدافع فارسون وآخرون عن إعطاء الأطفال حق التصويت لأنهم مواطنون وأعضاء في المجتمع أولا، ولأنهم سيحرمون من حقوقهم ومن الانتباه الضروري الذي لا يتحصل عليه إلا من يمتلك حق التصويت ثانيا. يعترف فارسون بأن طفلا عمره عام واحد لن يفكر في الذهاب للتصويت، إلا أنه يجادل بأن هذه الحقيقة لا تبرر حرمان الأطفال من حق التصويت، كما أن اعترافنا بأن الكهل الخرف لن يبادر بالذهاب للتصويت لا يبرر حرمان هذه الفئة من حق التصويت؛ لأن التصويت حق سياسي يتساوى فيه جميع المواطنين، ومنح هذا الحق، كما يقول فارسون، «لا يرتكز على جانب نفسي - تطوري أو على العمر. فأنا أعرف الكثير من الأطفال في عمر 10 سنوات ممن يستطيعون التصويت بذكاء أكبر من كثير من البالغين»؛ ولهذا السبب فإن «علينا أن ننسى العمر» إذا تعلّق الأمر بالحقوق الأساسية.

ووفق هذه الطريقة في الحجاج، تسقط كل المبررات التي تساق لتبرير حرمان الأطفال من حق التصويت والترشيح. ومع هذا فإن الثابت أن معظم دول العالم تحدد عمر التصويت بين 18 و21، وكثيرون يعتبرون هذا التحديد قرارا حكيما، دونما اكتراث بحرمان الأطفال دون 18 من حق التصويت. وهذه مفارقة حقيقية، فأطفال العالم محرومون من مباشرة حقوقهم السياسية الأساسية دون أن يستنكر أحد هذا النوع من الحرمان، وذلك على خلاف ما يحدث حين تحرم النساء أو السود أو أتباع دين معين من هذا الحق. وإذا كانت المطالبة بحقوق المرأة والأقليات قد استمدت قوتها من مبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين، فإن علينا أن نعي أن المواطنة، إذا كانت مقولة عامة، فإنها تنطبق على الأطفال والبالغين تماما كما انطبقت على الرجال والنساء. فبأي حق نمنح بعض المواطنين حقوقا لا لسبب إلا لكون أعمارهم تفوق الـ18 عاما؟ إذا كان جنس المواطن ولونه وطول قامته فروقا عديمة القيمة فيما يتعلق بالحقوق السياسية فلماذا لا يكون عمر المواطن كذلك؟

إقرأ أيضا لـ "نادر كاظم"

العدد 2307 - الإثنين 29 ديسمبر 2008م الموافق 01 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً